قال لي صديق حميم يقيم في لندن في اتصال هاتفي،اخيراً، انه يشعر بسعادة تغمره من أعلى رأسه وحتى أخمص قدميه، ويشعر كأنه قد ولد من جديد. قلت ما شاء الله، ولله الحمد، ثم سألته: وهل من مانع بان تشركني في سعادتك هذه بابلاغي بمصدر سعادتك «الطامحة» هذه؟، قال: ولم لا، واسترسل في القول: اليوم ابلغني «طبيب الاسرة» في الحي بأنني سليم البدن معافى تماما من اي مرض «خفيف او خطير»، وذلك بعد ان سلمته آخر حزمة من نتائج الفحوصات لحزمة من الامراض، من بينها امراض خطيرة قاتلة، من بينها الفحص عن مرض الايدز، قلت له يا بختك، ومبروك عليك. ثم دار نقاش بيننا حول النظام الصحي في بريطانيا، بقدرما يعرف ويعيش هو، يوماً بيوم، ومرضاً بمرض، وزيارة بزيارة لطبيب الاسرة، وبين «غياب النظام الصحي» في السودان. قال اي شخص في بريطانيا يدري تماما حالته الصحية:ان كان سليماً معافى ام انه مصاب بنزلة البرد أو أي فيروس من فيروسات نزلات البرد، ام انه مصاب بأي مرض من الأمراض الموروثة المزمنة، مثل:ضغط الدم او السكري، ويعرف لو عنده مرض القلب او الرئة او كل الاعضاء في جسمه، او السرطان او الايدز.الاهم انه يعرف في اية مرحلة من مراحل الاصابة بالمرض:هل حالته بسيطة أم ان حالته خطيرة؟، وهل هو في طريقه الى العلاج ام ان التقدم الى «الوراء»يمضي ببطء؟، او بسرعة في حالة الامراض المستعصية، مثل: بعض السرطانات او الايدز. وقلت له:هنا لا احد يعرف شيئا عن صحته «مجملا»، ناهيك عن تفاصيلها. عندما يصل احدنا الى الطبيب باعراض محددة للمرض، يبدأ الطبيب من المجهول، لمعرفة المرض، مثال عندما تشكو للطبيب من حمى وصداع حاد وزغللة في العيون، يدخل الطبيب في حملة تفتيش ما انزل الله بها من سلطان. شئ أشبه بضرب الرمل ، قد تجره احتمالات وفروض وضعها في رأسه، بناء على الأعراض، الى مسافة أبعد ما يكون عن المرض، وقد تقوده الى مرض آخر لم يكن في حسبانه، ويضيع الكثير من الوقت في عمليات الكشف عن المرض، وفي خضم العمليات يكتشف الطبيب انه امام شخص هو في الاصل «كشكول» من الامراض المتحركة، ولا يعرف الطبيب في هذه الحالة من اين يبدأ:هل من المرض الذي جاء بسبب اعراضه المريض الى الطبيب ام من الامراض الاخرى المكتشفة بالصدفة، لتصبح الحكاية كلها ضياعاً للوقت والجهد، ولفاً ودوراناً في مجاهيل وبحار لا قرار لها. والسبب انعدام «النظام»الصحي الاولي، الذي يبدأ من المواليد الجدد ويتدرج وصولا الى آخر يوم يعيش فيه الانسان، ومن الفريق الى الحي الى الحارة الى القرية الى المدينة الى العاصمة. الواقع ان الطبيب السوداني لا يعرف عن المريض الذي امامه شيئاً إلاّ في اللحظة التي وصل فيها عيادته. هذا الانعدام في المتابعة الصحية الى المستوى القاعدي هو سبب الفشل المستمر في تقديم خدمة علاجية ممتازة للناس في كل مكان، وهو الذي يتسبب في اهدار المليارات من المال، والساعات من الجهد المبذول في العملية العلاجية، وهو الذي يجعل احدنا يسافر بمرض عضال الى الاردن، ليكتشف هناك انه مصاب بمرض آخر «اعضل» يضعه على شفا الموت، وهو الذي يجعلنا عندما نذهب الى الطبيب يكون المرض قد قضى على الاخضر واليابس فينا. ظل السودان على مدى عهود يتعامل في المسألة الصحية ب «هرجلة وعشوائية» لا حدود لها، نتعامل مع الاعراض والمظاهر،مع نتائج الامراض «استعصاء»، لا مع بداياتها ومسبباتها، نتعامل مع مريض مجهول، وليس مريضاً مسجلاً له ملف صحي منذ يوم ولدته أمه، ويعرف «وزير الصحة»في لحظات حالته الصحية،اذا رغب في ذلك. انه النظام الصحي: «السستم»، ارفع نظام صحي في العالم موجود الآن في كوبا:»نمرة واحد.وبعده كندا، ثم بريطانيا،ثم المانيا، ثم اليابان، وهولندا.وزارة الصحة عندنا بدأت مشروع «السستم»عبر «50» عيادة لطبيب اسرة في احياء العاصمة، والعمل مستمر. للموضوع بقية وشرح.