.. أن يلتقي السودانيون في الخرطوم أو في جوبا أو في كنانة أو في غيره أمر طيب.. لأن اللقاء يؤدي إلى التعارف والنقاش الحر.. ويؤدي إلى الاستجابة إلى القضايا العالقة.. وأن يذهب عدد من السياسيين إلى جوبا فهذا أمر مقبول بل ومطلوب.. وقد ذهب إلى جوبا كما هو معروف عدد من السياسيين السودانيين الذين يمثلون نادي «المعارضة» السودانية.. والذين ظلوا يتبادلون الكراسي بين المعارضة والحكومة ابتداء من العام 1964.. وهم في الحقيقة يمثلون السودان القديم.. السودان الذي قام عليه وحارب ضده الدكتور الراحل جون قرنق.. والذي كان دوماً يتحدث في روح حديثه عن السودان القديم الذي تقوم عليه عائلات وأسر يجب ان تزاح حتى تفتح قنوات السودان الجديد للمهمشين والعامة ولغيرهم. ولكن ورثة مجد الدكتور جون قرنق برزوا علينا الآن يحيون السودان القديم ويضعونه في غرفة الانعاش ويسعفون السودان القديم، فلماذا؟!! ------------------------------------------------------------------------------------------------- مبادئ عامة ومهما يكن فإن الوثيقة المشتركة التي خرجت عن مؤتمر جوبا، هي مجرد مبادئ عامة طيبة وكبيرة ولا خلاف عليها.. باستثناء إيجاد معادلة بديلة للاحصاء السكاني.. ولكن، لماذا أصلاً إيجاد معادلة بديلة لنتائج الاحصاء السكاني بعد ان اتفق الناس على إجرائه، وطالما ان الاحصاء السكاني الذي قام وجرى في الجنوب، قام به الجنوبيون انفسهم.. وما هو البديل للاحصاء السكاني.. وهل هم مع هؤلاء الساسة الذين عرفهم السودان منذ اكتوبر 1964ولم يتفقوا على شئ، فهل يمكن ان يصلوا الآن للمعادلة البديلة.. وهل المعادلة البديلة ما هي إلا موازنة بين أهواء مختلف القوى السياسية.. وألم تكن القوى الدولية مشرفة على الاحصاء السكاني وشاهدة عليه... ألم يكن الاحصاء السكاني مطلباً من مطالب اتفاقية نيفاشا.. وإذا خرجنا من الاحصاء السكاني بمعادلة بديلة ألا يكون هذا أول مسمار يدق في نعش اتفاقية نيفاشا.. نعم نحن نعلم ان اتفاقية نيفاشا ليست نصاً منزلاً ولا كتاباً سماوياً.. ولكننا نريد ان ننبه ان الخروج على نيفاشا إذا كان هناك خروج، فقد تم تقنينه من قبل المؤتمر العام للحركة الشعبية نفسها حينما نصت على إيجاد معادلة بديلة للاحصاء السكاني.. ولذلك لن ينفع النواح في الفترة القادمة إذا تكلمت الحركة الشعبية عن خروج على اتفاقية نيفاشا أو إلغاء لبعض نصوصها أو تعديلها لأنها البادئة.. ومن استن سنة فعليه ان يمشى إلى نهايتها وهذه واحدة. انفصال الجنوب أما الأمر الثاني.. جاء في المبادئ التي خرجت من ميثاق أو بيان جوبا.. ان يكون إنفصال الجنوب بالأغلبية البسيطة .. ونحن نعلم ان الاغلبية البسيطة لا يمكن ان تكون اساساً لمشروع دولة.. ولا يمكن ان تكون اساساً للانفصال.. وهذا معروف وحتى في الدستور الاثيوبي الذي أعطى الشعوب والقوميات الاثيوبية حق تقرير المصير إلى الانفصال.. نص على ان يكون ذلك باغلبية الثلثين.. وإذا كان تعديل الدساتير يحتاج إلى اغلبية الثلثين، فكيف بالانفصال.. وان يكون الانفصال بالثلثين أو أكثر نسبة لأن كل معادلة انتخابية انما هي معادلة نسبية.. وقد يذهب بعض الناس أو لا يذهب، وقد يكون الاقتراع بنسبة كبيرة في منطقة وبنسبة قليلة في منطقة.. وقد يتم نسبة لعوائق طبيعية أو لا يتم.. ولذلك فعلى الناس لكي يتأكدوا من جدوى مشروع كهذا وهو مشروع مصيري وأنه يمثل رأي المسار العام في الشعب نصوا وتعارفوا على ان مثل هذه الاشياء تكون بأغلبية الثلثين.. حتى لا يتأثروا بالعوائق الطبيعية.. وحتى لا يتأثروا بمقاطعة مجموعة، وحتى لا يتأثروا إذا لم تصل صناديق الاقتراع من منطقة معينة.. أو حدثت تحولات امنية أو هكذا. تجربة اريتريا لكن لا يمكن ان يجرى اقتراع لشعب كامل كشعب الجنوب ويصوت فيه مليون أو مليونا شخص فإذا صوت النصف زائداً واحد ان يقع الانفصال.. لأنه يمكن ان يكون هناك مئات الآلاف لم يصوتوا وهم ضد الانفصال أو العكس.. وإذا كان أصلاً هناك ارادة غالبة للانفصال، فأغلبية الثلثين ستأتي.. ونحن رأينا ان دلالة دولة اريتريا حدثت بنسبة تزيد عن «99%».. وكثير من الدول كذلك ولدت بنسبة الثلثين أو اكثر.. وحتى في السودان فإن السودانيين الذين يتكلمون اليوم عن «1/1/1956» باعتباره محدداً للهوية، فذلك لأن البرلمان وبالإجماع اختار وبموافقة دولتي الحكم الثنائي خيار استقلال السودان.. تغييب الجنوبيين ثم لننظر بموضوعية إلى تغييب أبناء الجنوب الموجودين في الشمال، والخروج عليهم بأن من يريد المشاركة في تقرير المصير عليه ان يعود إلى الجنوب.. فبالرغم ان الكثير من الجنوبيين قد ارتبطت مصالحهم بالشمال في عمل ووظائف وسكن ورزق وكونهم يمتلكون حق «المواطنة» وهو حق أصيل في الدستور، وقد لا يتمكنون من الذهاب إلى الجنوب لموانع موضوعية منها الطبيعي أو اللوجستي أو المالي، فكيف يغيب كل هؤلاء عن المشاركة في حق تقرير مصيرهم.. والجنوب هو حق لكل الجنوبيين وليس ملكاً للحركة الشعبية.. ولذلك لا بد ان يقرر كل الجنوبيين مصيرهم سواء كانوا في الجنوب أو الشمال أو دول المهجر. ثم لننظر إلى واقع الجنوب الآن، هل يمكن ان يحتمل مزيداً من ابناء الجنوب وكثير من مناطقه تعاني من الفقر والمجاعة وضعف البنى التحتية، وتزداد النزاعات والحرائق يومياً بين القبائل بعضها البعض.. وهل فكرت ودرست الحركة الشعبية عواقب عدم اشراك كل أهل الجنوب في حق تقرير المصير؟.. ماذا يكون وقتها موقف الحركة الشعبية إذا اعلنت انفصال الجنوب؟.. وهل تستطيع دولتها ان تستوعب هجرة عكسية كبيرة من ابناء الجنوب من الشمال.. وما أثر ذلك على اقتصاديات الدولة وعلى أمنها.. فعلى الحركة الشعبية ان تدرس كل ذلك وعواقبه عليها، وان لا تزاود على الشمال بالانفصال الذي نراه مزيداً من اشعال الحرائق والخراب، ناهيك عن مطامع دول الجوار الجنوبي المزدحمة بسكانها في ثروات وأراضي الجنوب وما دون هاتين النقطتين فإن المشروع السياسي والبرنامج قد غاب عن بيان جوبا.. ونسأل: لماذا غاب المشروع والبرنامج السياسي.. ولماذا فشلوا حتى في تكوين بدايات تحالف لمعارضة راشدة.. ونقول إنهم فشلوا لسبب بسيط هو ان الجامع المشترك بينهم «غبائن» ضد النظام وضد المؤتمر الوطني.. دون حد أدنى لأي تفاهم حول معالم لمشروع مشترك.. اجتماع (يوتوبي) فالسيد الصادق المهدي هناك فكرة محورية تسيطر على ذهنه ويريد ان ينزلها في أي تجمع وفي أي موقع وهي مسألة المؤتمر السياسي الجامع، أو المؤتمر الدستوري كما يسميه هو.. ونحن لا ندري كيف سيتم عقد مؤتمره السياسي الجامع هذا.. ومتى سينعقد.. وما هي مساهمات الآخرين فيه.. وكيف يتم التفاهم والاتفاق حول الأجندة.. وحتى إذا حدث فهل سيأتي هذا المؤتمر بإجماع.. وما هي صلة هذا المؤتمر بالتحول الديمقراطي.. ومهما يكن، فإن مؤتمر الصادق المهدي أصبح «يوتوبيا» سياسية.. أو مثالية سياسية غير واقعية اكثر من كونها مشروعاً مدروساً ومحدداً وقابلاً للتنفيذ، ويؤدي إلى إجماع وطني.. لأنه قد يدفع الناس للاجتماع كما اجتمعوا في جوبا أو في أسمرا من قبل بعنوان القضايا المصيرية ثم يخرجون على ما اجتمعوا عليه. ولا يستطيعون ان يتابعوه.. ثم ان قضايا السودان لا يمكن ان تنتظر في حالة سكون لاجتماع مثالي و«يوتوبي» كهذا غير معروف.. في وقت أصبحت احجام وقوى الأحزاب السياسية القديمة مثار جدل.. فحزب الامة الذي نال مائة وواحد مقعد في انتخابات 1986والذي كان فيه وقتها كل رموز حزب الأمة ليس هو حزب الأمة اليوم.. الذي تشقق إلى سبعة أحزاب.. وأصبح حزب الأمة القومي اليوم مشروع عائلة ليس فيه مبارك الفاضل، وليس فيه عبد الله مسار وليس فيه المرحوم عمر نور الدائم وليس فيه المرحوم عبد النبي علي أحمد وليس فيه الامير عبد الرحمن نقد الله شفاه الله ورد غربته وقواه ومتعه بالصحة. غبينة الترابي وكذلك أصبح حزب الامة القومي فاقداً للبوصلة والاتجاه، ولذلك لا يمكن الحديث عن هذا المشروع «اليوتوبي» والخيالي.. أما الدكتور حسن الترابي أو «الشيخ» فقد ذهب إلى جوبا تدفعه «غبينة» مستحكمة.. تدعوه لسلوك أي درب للاطاحة بالانقاذ والاطاحة بأبنائه وتلامذته والاطاحة برأسهم الأول الرئىس عمر البشير.. والاطاحة بالعسكريين فيها.. ولو كانوا ساروا على رأي «الشيخ» في جوبا لعنى ذلك ان يكون هناك جهاد مضاد.. وعرس شهيد مضاد.. ونسخ لكل ما بناه «الشيخ» وهدم «المعبد» الذي بناه على من فيه.. وليس فقط من تحركات ومواقف ولكن حتى من مفاهيم بشر وأذن بها.. فالشيخ بات الآن يمضى عكس مشروعه وتياره القديم، وعكس مرتكزات مشروعه القيمية والروحية والفكرية.. ولو سار مؤتمر «جوبا» على ما يريده الشيخ ربما كانت هذه المرة ستنسال النصوص التي سيوردها الشيخ.. نصوص وشواهد من الكتاب المقدس ومن القرآن للجهاد الجديد ولعرس الشهيد الجديد ولكل حديث عند الشيخ شواهد ونصوص.. ومن أطرف ما قيل في العيد ويردده البعض، ان الشيخ وفي اجتماع مشهود في منزله وفي حوار مع بعض الذين كانوا يريدون التوفيق فاجأهم الشيخ قائلاً: «إن المؤتمر الشعبي كلام فارغ ولا قيمة له».. وكان بعض أعيان المؤتمر الشعبي موجودين. حكمة نقد والغريب ان اكثر الناس معقولية في هذا المؤتمر كان الاستاذ محمد إبراهيم نقد.. وربما ان العقود الثمانية علمته ان يصبح حكيماً بعد ان استعرض حقب السودان السياسية، وان كل حقبة كانت تنقض على الحقبة الأخرى لتنتقدها.. وان كل شخص كان يعتبر جراحاته الشخصية هي جراحات الأمة.. وينسى ان الامة كلها مثقلة بالجراحات وانها تحت الانقاض.. وما يهم فإن السيد محمد إبراهيم نقد رفض رئاسة الترابي للجنة المؤتمر.. وطالبه بالاعتذار عما حدث.. فلذلك لا عجب ان جاءت نصوص بيان جوبا عامة ليس فيها أية نواة لمشروع سياسي. ومن ناحية أخرى فإن مؤتمر «جوبا» بالنسبة للشماليين وكثير من السودانيين، كان يمثل مؤتمر «الأجداد».. بينما الناخبون الجدد يمثلون جيل «الاحفاد».. علماً بأن الناخبين الجدد والذين ولدوا بعد اكتوبر 1964يمثلون الآن ثقل الحياة السياسية السودانية.. وإذا كان الناخبون الذين ولدوا وشبوا في الانقاذ بعد العام 1989تخرج كثير منهم في الجامعات.. فإن الذين ولدوا بعد اكتوبر 1964أصبحوا هم سادة المرحلة العمرية «18-45» عاماً، وهؤلاء يمثلون اكثر من «40%» من الشعب السوداني، وبالنسبة إلي هؤلاء فإن السيد الصادق المهدي والدكتور حسن الترابي والاستاذ محمد إبراهيم نقد في عمر الأجداد.. وهناك فجوة زمنية مقدارها اكثر من ثلاثين عاماً بينهم وبين الأجداد.. أي -ان هنالك فجوة ثلاثة أجيال كاملة تفصل جيل الأجداد عن من يعمرون الحياة الآن بتطلعاتهم وتحركاتهم وما فيها من ثورة رقمية وثورة اتصالات وثورة تعليم.. وربما لا تعني هذه الاشياء كثير شئ للأجداد الذين اجتمعوا في جوبا.. لأن الاجيال الحالية أصبحت بالنسبة لهم ثورة أكتوبر صدىً بعيداً مثلها مثل ثورة «42» وحركة الاستقلال ومؤتمر الخريجين. هموم الشباب وجل الشباب اليوم يبحثون عن المستقبل وعن الوظيفة.. وعن اللقمة الحلال.. والبيت الحلال.. والسكن الآمن.. وليس فقط «الشنشنة» السياسية.. والدهاء والمكر السياسي.. والخطاب السياسي الذي يحمل في طياته السخرية والتهكم من بعضهم البعض.. فمشاكل فواتح الالفية التي تجابه «الأحفاد» الذين أصبحوا الآن ازواجاً أو باحثين عن الوظيفة وعن التأهيل العالي والترقي الوظيفي أعمق بكثير من «غبائن» النادي السياسي القديم.. فنادي السياسة ليس «متحفاً» .. وهل هناك رئيس لحزب سياسي على وجه الدنيا يمتد عمره الآن إلى اكتوبر 4691م..؟ مياه كثيرة وبعض الناس يتندرون على القائد القذافي أطول الرؤساء عمراً.. ولكن القذافي حكم ابتداء من 9691م وهو أصغر بكثير في عمره على من هم في ناصية النادي السياسي في السودان.. وقد مرت مياه كثيرة منذ اكتوبر 4691م.. وتغيرت ملامح الناس وثقافتهم وتغيرت الأحزاب والشعارات السياسية.. ذهب إلى رحمة ربه مغفوراً بإذن الله الزعيم اسماعيل الازهري، وتساقط ومات رفاقه الذين تلى بعضهم بعضاً والذين كان آخرهم الدكتور أحمد السيد حمد عليه رحمة الله، وذهب من قبل «السيدان» اللذان كانا يمثلان ثقل الحياة السياسية في السودان.. وذهب السيد علي الميرغني الذي كان يقال إن له مليونين من الاتباع.. وذهب من قبله السيد عبد الرحمن المهدي الذي أىضاً كان يقال ان له مليونين من الاتباع.. وذهب الاستاذ سر الختم الخليفة رئىس حكومة اكتوبر وذهب الاستاذ أحمد خير المحامي صاحب مبادرة مؤتمر الخريجين وذهب عبد الخالق محجوب رئىس أكبر حزب شيوعي في افريقيا والشرق الأوسط.. وذهاب عبد الخالق وطاقمه كان يمثل ذهاب حقبة بحالها ورجالها.. لان الحزب الشيوعي السوداني كان يمثل صفوة الحياة السياسية السودانية. كان فيه رجال مثل حسن الطاهر زروق وأحمد سليمان وعمر مصطفى المكي وصلاح أحمد إبراهيم وغيرهم وكلهم ذهبوا.. وذهب معهم الإطار العام والثقافة العامة والدنيا العامة التي أنجبتهم وأخذتهم. ثم ذهب السيد الامام الهادي الذي خاصمه السيد الصادق ثم صالحه.. وذهب معه كل طاقمه.. وذهبت معه كل تلك المعارك وكل تلك الأيام. وذهب الرئىس جعفر نميري الذي حكم «التكنوقراط» والذي لولا بعض الأخطاء ولولا زيارة الرئىس «بوش» الأب المشئومة لما انتهت مسيرة الحياة السياسية السودانية إلى ما انتهت إليه.. ولكن الرئيس النميري نفسه ذهب وهو من ذات الجيل.. جيل نقد والترابي والصادق المهدي والميرغني.. ثم حكم المشير سوار الذهب عاماً ثم تفرغ لما فيه مصالح البلاد والعباد.. وذهب الاديب محمد احمد المحجوب الذي صالح بين الرئىس عبد الناصر والملك فيصل .. وذهب عبد الناصر وفيصل.. وذهبت حقب سياسية بكاملها وذهبت أجيال سياسية بأكملها.. وذهب معهم نصر الدين السيد واختفي من مسرح السياسة بابكر عوض الله ومجموعته.. واختفى القوميون العرب وبابكر كرار والرشيد الطاهر بكر وكيان الاشتراكيين الاسلاميين.. ولكن فقط يتشبث «أبو عيسى» وجيله ونقد بالنادي السياسي ويغلقون الابواب.. السودان الجديد والسؤال الآن لنادي جوبا السياسي: من يمثل السودان الجديد.. بقايا من نجلَّهم شيوخ مؤتمر الخريجين الذين كان آخرهم الدكتور أحمد السيد حمد.. أم السيد الصادق ونقد والترابي.. أم يمثله البشير وعلي عثمان ونافع علي نافع..؟ متوسط أعمار النادي السياسي القديم فوق السبعين عاماً ومتوسط من يحكمون السودان الآن فوق ال «55» عاماً.. فلمن سيميل الجيل الجديد.. ومن يمثل السودان الجديد.. نادي جوبا بمتوسط أعماره فوق السبعين أم نادي المؤتمر الوطين بمتوسط أعمار «55»؟ ومع ذلك فنحن ما زلنا نطالب بأن يفتح المؤتمر الوطني أوعيته وأروقته ودهاليزه للشباب حتى يصبح نادي المؤتمر الوطني نادياً للشباب.. ليس فقط جيل محمد مندور المهدي وكمال عبيد وغيرهما ولكن الأجيال التي بعدهما بمتوسط أعمار «04» سنة وفوقها وتحتها. أما نادي اكتوبر بمتوسط أعماره أربعة وسبعين عاماً فلهم التجلة والتحية والاحترام، لانهم باتوا يمثلون جزءاً من تاريخ السودان السياسي.. ولا نريد الاستغناء عنهم فطنة ان فيهم شيئاً كبيراً من الحكمة.. وفيهم شيئاً من استمرارية نادي السودان السياسي.. ولكن كما في بريطانيا يكون لمثل هؤلاء مجالس متخصصة كمجلس اللوردات.. وقد ابتدع السودان مجلس الولايات.. ويمكن في مرحلة أخرى ان يُسمى مجلس الشيوخ ويكون له بعض التفويض في بعض الأمور وهذا النادي يمكن ان يضم هؤلاء ويضم معهم رؤساء وشيوخ القبائل وقادة الطرق الصوفية ورؤساء الاحزاب السياسية القديمة.. أما الدفع والتجديد السياسي والحياة السياسية بما فيها من مباهج ومتاهات.. وبما فيها من صراعات ومغامرات فتحتاج إلى الابداع وروح الشباب.. وتحتاج إلى تجديد النادي السياسي حتى داخل المؤتمر الوطني.. فكيف بهذا السياسي القديم الذي ظل مركوزاً وظل قابعاً وقابضاً علي احزابه وجماعاته منذ اكتوبر كأسماء محددة.. ومنذ أيام مؤتمر الخريجين وما قبله كعائلات وأسر ومسميات.