في يوم الجمعة 26 /10 /1926 وفي ذلك الطقس الشتوي الجميل امتلات مدرسة امدرمان الاميرية بالمواطنين ذكورا و اناثا علي اختلاف طبقاتهم الاجتماعية و الاقتصادية وكان الهدف من ذلك التجمّع هو جذب اكبر قدر من التبرعات لبناء مدرسة اهلية سودانية_ لماذا هذا الحشد الصاخب و في ذلك التوقيت؟؟؟ كان بامدرمان مدرسة ابتدائية حكومية واحدة فقط و باقي المدارس للارساليات الاجنبية اما الانجليزية او الامريكية. كان الناس يحجمون عن ادخال ابنائهم للمدارس الاجنبية خوفا من التنصير و طمس الهوية العقائدية ويكتفون بتلك المدرسة الحكومية الواحدة و التي لا تستوعب سوي نذر يسير من التلاميذ والباقي يدخل زمرة الفاقد التربوي من غير ذنب.اتخذت مدارس الارساليات منهجا ناجعا لكسر الحصار المضروب حولها من جانب ابناء البلد حيث صارت تصطاد ابناء الفقراء و الهائمين بالطرقات فتدخلهم الي مدارسها و تمدهم بالملابس و الكتب بل وبعض الوجبات خلي بالك...اضافة الي ان التعامل كان خاليا من العقوبات البدنية .. نجحت هذه الخطة و انضم نفر كثير من ابناء البلد لهذا النظام التربوي المنضبط. لم يكن الاهالي يعلمون ان الطلاب السودانيين يدرسون الانجيل بل و تم تنصير اعداد كبيرة منهم الي ان قفزت الي السطح حادثة الطفلين. من هما الطفلان و ماذا حدث لهما؟...هذه هي الاسئلة التي تدور بذهنك الان يا صديقي فلا تستعجل انا ماشي عليك. طلق احد الرجال زوجته و ترك لها طفلين نسبة لعدم قدرته علي رعايتهما اما لسوء احواله المادية او لانه يريد ان يتزوج باخري و كلا الاحتمالين مقبولان. الام الضحية ذاتها كانت فقيرة ولا تقوي علي اعاشة نفسها سيبك من الطفلين. لما اشتد بها الضيق ذهبت بهما الي احدي مدارس الارساليات هذه فتلقفهما الاساتذة او قل المبشرين في بشاشة شديدة (ديل وصلو تب) . احسنت المدرسة الي هذين الطفلين و شملتهما بالرعاية و التعليم والغذاء بل عملت علي تنصيرهما حيث صارا يذهبان الي الكنيسة كل يوم احد واجادا التراتيل و الترانيم و كل طقوس الدين المسيحي. تناقلت المدينةالخبر بسرعة الريح و سمع والدهما بذلك فرفع قضية للمحكمة الشرعية بامدرمان. بعد جدل و مداولات طويلة حكمت المحكمة بارجاع الطفلين الي ابيهما . اثارت هذه القضية الراي العام في العاصمة المثلثة(زمان طبعا) وبالذات امدرمان وقد كان هذا هو السبب في تجمّع الاهالي و جمع التبرعات التي ذكرتها في اول المقال(نسيتوا و للا شنو؟).المدرسة هي امدرمان الاهلية الوسطي الواقعة جوار منزل الرئيس الاسبق ازهري.كانت زوجة البكباشي نور(جد الاستاذ محمد ابراهيم نور) هي اول سيدة خلعت الذهب من يديها و اذنيها كتبرع و بعدها انهمرت التبرعات... في هذه المناسبة قال الشاعر يوسف مصطفي التني قصيدته المشهورة التي شدا بها المرحوم بادي محمد الطيب فاشعل الحماس في كل اهل السودان نحوا من اربعة عقود وما زال... في الفؤاد ترعاه العناية بين ضلوعي الوطن العزيز الي ان يقول: عندي وطني بقضا لي حاجة كيف اسيبو و اروح لي خواجه يغني وطنه و يحيجني حاجة في هواك يا وطني العزيز هذه المعلومات ذكرها الاديب (الجقر) في كتابه _القصص الحبيبة في اغاني الحقيبة_ لكن يا جماعة انا عندي بعض الاسئلة لم اجد عليها اجابة وهي: 1 _ هل كانت تلك الام مخطئة ام مصيبة حينما اخذت طفليها الي الارسالية؟ 2 _ما هي الدفوع التي قدمها ذلك الاب التعيس كي تحكم له المحكمة بكفالة الطفلين الذين لم يكن يعرف اين هما ناهيك عن اكل و شراب و كلام من النوع دا؟ لو شعرت باي لجلجة او اضطراب فارجو ترك ورقة الاجابة خالية. حفظا للحقوق الادبية اقول ان المصدر الوحيد لهذه المعلومات هو كتاب الاستاذ محمد الحسن الجقر( القصص العجيبة في اغاني الحقيبة) له مني كل الثناء.