(ابراهيم الكاتب) عنوان رواية ألفها الكاتب الشهير ابراهيم عبد القادر المازني وهو من مواليد القرن التاسع عشر.. وهي رواية يتلاقى فيها جانب من المجتمع المصري المتطور والمتمغرب وجانب آخر من حياة الانسان في ثوابته العاطفية والفكرية والاجتماعية، فالحضارة الغربية وعاداتها وملابسها ومآكلها وملاهيها وانماط عيشها قد تسربت إلى بعض الاسر المصرية في ذلك الزمان، كما ان عناصر كثيرة وطاغية من تقاليد الماضي لا تزال مسيطرة على تصرف الجماعات والافراد وكثيراً ما تجتمع المفاهيم المتطورة الدخلية بالمبادئ الموروثة الراسخة في اسرة واحدة أو في شخص واحد ضمن هذا الاطار الاجتماعي العام. حرك المازني شخصيات الرواية ليعالج قضية انسانية متكررة وهي مقدرة قلب الرجل على التوزع والتعلق بأكثر من حب واحد في آن واحد. تتلخص حبكتها في ان ابراهيم الكاتب بطل الرواية قد ماتت زوجته بعد ان رزق منها بولد وأنه ذهب الى المستشفى للتداوي من مرض اصابة فتعرف هناك الى ممرضة حسناء ونبيهة فاحبها ولما ذهب الى الريف وهو في طور النقاهة التقى ببنت خالته (شوشو) المترعة بالجمال والصبا وكان يستلطفها ويأنس إليها قبل زواجه فحركت كوامن عاطفته وود لو اتخذها زوجة له، ولكن تقاليد الاسرة تقضي بأن تسبقها اختها الكبرى. في هذا الطريق ارتطم بهذا الجدار وتبعثر حلمه الجميل وغادر الريف آسفاً الى (الاقصر) وهناك تعرف على (ليلي) وهي نوع مميز من النساء جميلة وحلوة الحديث فاغرم بها فبادلته عاطفته بأحسن منها، غير ان المرض قد عاوده فرجع الى القاهرة تاركاً قلبه موزعاً في محطات طريقه الثلاث وانتهى به الأمر بعد مدة الى ان يتزوج (سميرة) وهي فتاة ما خطرت له ببال من قبل انما ارتضاها رفيقه عمر لأن أمه قد اختارتها له. واضح من صفحات هذه الرواية القديمة ان ركائزها الفنية ثلاث: أولها: ما ذهب إليه المازني من تحليل نفسيات ابطاله وإبانة البواعث في سلوكهم وطغيان الانفعال في بعضهم وسيطرة الكبت على بعضهم الآخر فقد خرج المازني من نطاق التأملات العامة وغاص احياناً في اعماق ابطاله البشرية. والركيزة الثانية هي اللوحات الرائعة التي رسمها للريف المصري الممثلة لمختلف جوانبه من جمال السكينة وسذاجة النفوس الى القسوة في الطباع، والبلادة في التصرف.. والركيزة الثالثة هي الاسلوب الطريف الغني بمفرداته الملئ بالحيوية الموشى بالدعابة والفكاهة حتى في احرج المواقف فيثير يقظة القارئ ويمسك بانتباهه ليرافق شخصيات الرواية في شغف ولذة الى نهاية المطاف. ومن هو الكاتب ابراهيم عبد القادر المازني؟ انه كاتب وناقد روائي مصري (1889 - 1949م) نشأ في بيئة محافظة متواضعة الحال وتوفي ابوه وهو في بداية عمره فتعهدته والدته برعايتها وارسلته الى المدارس الحكومية فاتم فيها تحصيلة الابتدائي والتحق بمدرسة الطب ولكنه لم يطل التردد عليها لأن مشهد التشريح لم يكن ليأتلف مع مزاجه الحساس فتوجه الى مدرسة الحقوق وفيها ايضاً لم يُقِم طويلاً فتحول نهائياً إلى مدرسة المعلمين ومنها تخرج استاذاً لتدريس مادة الترجمة والتاريخ في العام 1909م.. من العوامل التي كونت شخصيته الادبية مطالعاته الموسعة والمعمقة لاسيما استقاؤه من المنابع الاجنبية فضلاً عن العربية القديمة والحديثة فقد طالع دواوين الشعراء الانجليز وعاش في اجوائهم، كما قرأ للناثرين وتفهم اساليبهم في التفكير والتعبير ووقف على الآثار الروسية والفرنسية من خلال اللغة الاجنبية التي اجادها اجادة كبرى ورافق الحركة الادبية العربية الناشطة في الولاياتالمتحدة، وكل هذه العوامل اصبحت بعد مرحلة المران رافداً تصب في انتاجه او تكيفه وتصقله وتضفي عليه رونقاً من الابتكار ما عرفته الكتابات فيما سبق.. وفي نهاية الحرب العالمية الأولى ترك التدريس الرسمي والخاص ونزل إلى ميدان الصحافة والتأليف وظل مناضلاً فيه إلى آخر حياته. من مؤلفاته «حصاد الهشيم» 1935م و«ابراهيم الكاتب» و«الطريق» 1936م ثم «ميدو وشركاه» و«ثلاثة رجال وامرأة» ثم «إبراهيم الثاني» و«من النافذة» وإن جاز لنا تركيز خصائصه الفنية في واحدة لقلنا إنها بلا ريب الدعابة التي أسالها قلمه في كل هذه المؤلفات.. يعمد إليها حتى في مواقف الترصن يعابث بها الناس ويستثير البسمة في قارئه، فاذا لم يجد من يعرض له اخذ من نفسه موضوعا يلهو به ويستخرج منه ما يطيب له من انواع السخرية اللطيفة الموشاة بأبرع الاشارات وأحلى العبارات.