الجدل المثير بين هيئة الكهرباء ووحدة السدود الذي انتقل من أضابير العمل الإداري إلى تراشق على صفحات الصحف .. هذا الجدل كان شيئا مؤسفا. ولكي أكون أكثر انصافا أقول إن الاسمين اللذين ارتبط بهما، وهما المهندسان مكاوي محمد عوض المدير العام السابق لهيئة الكهرباء وأسامة عبد الله مدير وحدة السدود .. كان هناك تفاوت بينهما في العرض الإعلامي. فبينما كان نشاط مدير الكهرباء (السابق) أكثر وضوحا، فهو استخدم التصريحات والخطب والحوارات الصحفية لم نجد أيا من هذه ارتبط باسم مدير وحدة السدود. هذه واحدة، الثانية أن من يتكلم كثيرا يخطىء كثيرا. فالإنسان ليس معصوما من الخطأ لكنه إن مال إلى الصمت فسيستره صمته، لكن إن مال إلى الكلام فسترصد كل زلات لسانه. وقد رصد الشارع بالفعل خطأ كبيرا لمدير الكهرباء عندما قال (مروي لن يدخل الشبكة حتى «يلج الجمل سم الخياط»). ماذا يعني هذا؟. هل هو تهديد؟ أم يقصد أن في يده ما يمنع دخول كهرباء سد مروي إلى الشبكة القومية؟. لكن الواضح أن هناك خطأ لغويا أو تعبيريا في كلام السيد مكاوي. فما أظن أن الخصومة وصلت بين الكهرباء ووحدة السدود درجة تمنع مدير الكهرباء السابق من إدخال كهرباء سد مروي للشبكة القومية. وعلى ما يبدو فإن الدولة كلها فهمت أن هناك خللا في التعبير وإلا فإنه يفترض أن الشرطة تحقق الآن مع السيد مكاوي. على كل حال هذه واحدة من أخطاء الأحاديث الشفهية للصحافة، وواحدة من أخطاء الانفعال الذي يصاحب الخصومة. نأتي بعد هذا للمهم وهو كيف تسمح الدولة بنشر ما يعتبر شأنا داخليا وسريا على الملأ دون أن تحرك ساكنا؟. داخل المكاتب يمكن لكل طرف أن يقدم حججه بحرية كاملة. وقد لوحظ أن هذا الخطأ تكرر عدة مرات وفي عدة مناسبات حيث يفلت زمام الإختلاف في المسائل الإدارية ويتحول إلى خصومات عندما ينزل إلى الشارع. نحن الآن على أبواب انتخابات تشريعية ورئاسية. كم نتمنى على الرئيس عمر البشير أن يجعل على رأس خططه الانتخابية مقترحات لإصلاح الخدمة المدنية، ويجعل على رأس تلك المقترحات تأكيد نظام المساءلة والمحاسبة، وتجريم نشر المداولات الإدارية والفنية التي تجري داخل مكاتب الدولة .. ومنع نشرها على الملأ، ووضع حد أعلى لسن التقاعد وتطبيقها بصرامة، ووضع أسس عادلة لمعالجة سلبيات الخلافات والتباينات بين وجهات النظر المختلفة. وبعد .. تابع المجتمع مناكفات الكهرباء والسدود بسلبية وحزن. فهذا ليس شأنا سياسيا حتى يعالج بهذه الطريقة. وتساءل الناس : أين المساءلة، وأين القانون، وأين فطنة الدولة وهيبتها؟. ولكننا نحسن الظن ونقول إنها مسألة تعلم، وفي التعلم يخطىء المتعلم ويصلح خطأه. ويكفي أن كل المتابعين قالوا إن ما يحدث عبارة عن خطأ .. وهذا يكفي.