? عندما أرغم أكثر من خمسين ألف حلفاوي على الهجرة إلى حلفاالجديدة قبل نصف قرن وتركوا مدينتهم وقراهم القديمة وسجنها خالياً من السجناء.. فلم تشهد حلفا القديمة في ذلك الزمن الآمن سوى جرائم صغيرة Petty Crimes- وكانت النزاعات على صغرها تسوى بين الأهالي بطرق سلمية. ? ولكن أحوال الحلفاويين قد تغيرت كثيراً خلال العقود الماضية حسب تقرير نشر يوم الجمعة في جريدة «الصحافة».. ? كاتب التقرير الرائع إبراهيم عربي التقي مسئولين حكوميين ومواطنيين من أهل البطانة والحلفاويين ووافدين إلى المنطقة من شتى انحاء السودان لأرض الميعاد».. - أولاً لتشييد مشروع خشم القربة ولاحقاً للعمل في شتى ضروب العمل.. التجارة- الزراعة- ومختلف المهن- وبمرور الزمن زاد عددهم ليفوق عدد المهجرين من حلفا القديمة وعلى قبائل البطانة.. رئيس الكيان النوبي بحلفاالجديدة أحمد محمد حسن أحميدي تحسر على ماضي أهله وعلى ما آلت إليه أحوالهم منذ توطينهم في خشم القربة: «المجتمع النوبي ظل محافظاً ومعافى لا يعرف الاعتداء او التعدي للغير بعيدا عن الجرائم المجتمعية التي تفشت في حلفاالجديدة».. ? ويتباهى أحميدي بالطريقة الساخرة التي اشتهر بها الحلفاويين ان سجن حلفا القديمة «تم انهاء خدماته وقفل أبوابه تماماً لعدم وجود زبائن له وسط الحلفاويين».. ? مراسل «الصحافة» كان في الاصل يتحرى عن نزاع نشب قبل اسابيع بين الحلفاويين في قرية «26» وبين ما اطلق عليه «كمبو الثلاث شجرات».. ويقول عضو المجلس التشريعي بولاية كسلا عن دائرة حلفا الحديثة بابكر عبد الكريم ان الأمر المؤسف ان «النزاع» تطور من مجرد أمر إداري بداخلية مدرسة الأساس في القرية إلى مواجهات استخدمت فيها الاسلحة البيضاء بين مواطني القرية «26» وكمبو الثلاث شجرات أدت إلى إصابة «6» أشخاص ثلاثة من كل طرف نقل على أثرها أحد أفراد القرية لتلقي العلاج في الخرطوم.. ? ويقول أحميدي ان سكان القرية «26» يتهمون بعض سكان الكمبو بإدخال عادات وتقاليد وثقافة لم تكن مألوفة في المنطقة.. إلا ان مراسل «الصحافة» نسب إلى مراقبين قولهم ان العملية ليست مجرد خلاف بسيط لتترك هكذا.. فالحادثة تشير إلى أزمة خطيرة تشبه الأزمة في دارفور قد تندلع في حلفاالجديدة إذا لم يتم تداركها باكرا». ? مواطنو المنطقة قالوا لمراسل الصحيفة ان الظاهرة مزعجة واعتبروها مؤشراً خطيراً يهدد التعايش السلمي في حلفاالجديدة ,ويشيرون إلى ان الحادثة بدأت فردية وتحولت إلى جماعية ولولا رحمة الله لتجاوزت المنطقة المحددة وتحولت لحرب قبلية تخندقت فيها المجموعات السكانية .. فيما لم تشفع فترة ثلاثين عاماً من التعايش السلمي بين مختلف كيانات السكان.. ? ويقول اسماعيل حسن أشهر القيادات الأصلية لقبيلة الفور بحلفاالجديدة الذين نزحوا إلى المنطقة ان العملية تشير إلى إنزلاق خطير يحدق بالمجتمع بل انه يعتبر من المؤشرات المجتمعية السالبة إذا لم يتم التعامل معها بالبتر والمعالجة الفورية لتتسع الدائرة وتصبح ازمة شبيهة بأزمة دارفور.. ? بعض المراقبين لأحداث حلفاالجديدة يرون ضرورة ان تضع الحكومة في حسبانها حتى لا تصبح المنطقة دارفور أخرى ويقولون ان حلفاالجديدة موعودة بتدفقات بشرية إضافية.. إلا أن اسماعيل حسن القيادي الفوراوي هو الآخر نبه الحكومة على ضرورة حسم هذه التفلتات وإلا فإن المنطقة سوف تنزلق إلى الخطر.. وتضاعف اعداد سكان حلفاالجديدة بعد قدوم اسر تنتمي إلى قبائل الفور والزغاوة والبرتو والمساليت والنوبة والهبانية والبقارة والرشايدة وبني عامر والهدندوة والجعليين والشايقية.. معظمهم إمتلكوا بيوتاً وحواشات في بعض قرى الاسكان.. ? ويقول عضو المجلس التشريعي السابق ان هذه القبائل أصبحت قوة اقتصادية ضاربة في مدينة خططت اصلاً لاستيعاب «75-100» ألف مواطن والآن تجاوز عددها هذا السقف بنحو «200%».. ? هذه المجموعات تشكل قوة بشرية هائلة فيما تواضعت الخدمات- مياه وصحة وتعليم وكهرباء أما بالنسبة للحفاويين فإن المنطقة أصبحت طاردة وقد انتشرت أشجار المسكيت والأمراض المصاحبة لها وانخفض منسوب خزان خشم القربة وبالتالي الرقعة الزراعية .. فبدأ بعضهم الهجرة إلى الخرطوم ولجأ آخرون إلى الهجرة المعاكسة لحلفا القديمة- مدينتهم الأصلية.. ? ومن المفارقات التي لاحظها الاستاذ إبراهيم كاتب التقرير الضافي ان الحلفاويين اعتبروا حلفاالجديدة منطقة طاردة بينما اعتبرها الوافدون من شتى انحاء السودان ملاذاً آمناً وجاذبا لتوفدوا إليها هرباً من جحيم الحرب والفتنة القبلية وغياب الأمن والاستقرار والمصير المجهول في مواطنهم الأصلية..