مشكلة لم تدر بذهن الكثيرين داخل المؤتمر الوطني يبدو أنّها في طريقها لمواجهة الحزب في الانتخابات المقبلة. فالأمر لا يقتصر على إيجاد بديل مقنع للرئيس البشير يصلح لأن يكون مرشحاً للرئاسة فحسب، بل بإيجاد من يصلح كذلك ليكون في منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه. فتعبير الرئيس البشير الصريح عن زهده في الترشح للرئاسة مَرّةً أخرى من واقع الإحساس بعظم المسؤولية، اعتبره طه في مؤتمره الصحفي الأخير تعبيراً عن ذواتهم جميعاً، ما يعني ضمنياً أنهم يتقاسمون مع الرئيس ذات عدم الرغبة في البقاء على مقاعدهم الحالية، بل أنّ طه كان سباقاً في ذلك عندما قدم دليلاً عملياً في ترك المناصب منذ غادر كابينة قيادة الحركة الإسلامية في مؤتمرها الفائت. طه، لم يقل إنه لن يأتي إلى موقعه مَرّةً أخرى، بل أشار إلى ملفات واستحقاقات وقضايا وطنية تقتضي أن يواصل البشير. لكن ما لم يقله طه، إنّ ذات الملفات والقضايا تتطلب مواصلته هو، من واقع إلمامه الكبير ومعرفته العميقة بجميع تلك الملفات والقضايا التي أشار إليها. عدول الرئيس عن قراره بعدم الترشح مَرّةً أخرى للرئاسة، هو القرار الوحيد ربما الذي سيُبقي منصب النائب الأول بعيداً عن الجدل والتغييرات، أما في حال إصرار البشير على المغادرة، فإنّ مُغادرة طه تصبح في حكم المؤكد. مُغادرة طه قد تكون لأعلى بالطبع، فهو يبدو من أوفر قيادات الوطني فرصاً في خلافة البشير، وقد تكون بمُغادرة المنصب كلياً في حال تم الدفع بمرشح رئاسي آخر، فمن الصعب توقع طه نائباً لغير البشير لأي من الأسماء التي تتداولها المراصد الصحفية كمرشحين محتملين للرئاسة سواء أكان ذلك في الحزب أو الدولة. وبالتالي فهو إما أن يكون رئيساً في المرحلة المقبلة أو لا يكون. أجهزة المؤتمر الوطني في مؤتمره المقبل، هي وحدها التي تجيب على السؤال أعلاه، لكن هناك حديثاً يدور في بعض دوائر الحزب الحاكم عن أن مُغادرة البشير يجب أن تتبعها مُغادرة جيله كذلك، حسبما صرّح بذلك د. قطبي المهدي. منصب النائب الأول قد لا يشهد أزمة في حال إلغائه بموجب الدستور المقبل الذي ستجرى بموجبه الانتخابات - على الأرجح - في حال إقراره لنظام برلماني أو (برلماسي) أي نظام برلماني رئاسي، فيصبح الوضع في السودان كما الوضع في فرنسا (رئيس ورئيس وزراء)، وفي حالة احتفاظ المؤتمر الوطني بمنصب الرئيس، عليه أن يفسح منصب رئيس الوزراء لشركاء من القوى السياسية الفاعلة في البلاد، وقد تؤثر المحاصصات الجهوية في ترجيح الكفة لشخص دون آخر. مهما يكن من أمر، فإنّ من السابق لأوانه التكهن الآن بمدى الجدل الذي سيحدثه ملء موقع النائب الأول في حال عدم ترشح الرئيس، فكل الاحتمالات تبدو واردة، بما في ذلك أن يتم بمنتهى اليسر والمفاجأة مثلما حدث في منصب الأمين العام للحركة الإسلامية تماماًً.