أثار مقتل نائب القائد العام للعدل والمساواة التي وقعت على الدوحة مع الخرطوم صالح محمد جربو على يد حركة العدل والمساواة الأم بفوراوية بشمال دارفور، جملة من ردود الأفعال حيال مستقبل الفصائل المسلحة بدارفور واحتمالات نقل الصراع الى المحاور الداخلية للحركات فى ظل تناقض الخطوط تجاه الخرطوم، وعما اذا كانت الحادثة الأخيرة إيذاناً بتغيير فى طبيعة الصراع فى دارفور.. مراقبون اعتبروا أن الطرق على الموضوع أو إثارته ربما يزيد من سخونته ويعمل على إشعال نار الفتنة الداخلية بدارفور أو بين الفصائل تحرياً للدقة، فيما فسره آخرون الى طول العمل الميدانى وما يحدث خلاله من شروخ بفعل عشرة أعوام أو ما يزيد، منذ الرصاصة الأولى لعمل عسكرى نظامى فى دارفور- أى منذ 2003م.. المشهد فى دارفور طيلة العشرة أعوام أو ما يقاربها، حكى عن استعار النار منتقلة من فصيل الى فصيل، يلازمها فى كل مرحلة خروج جديد لحملة سلاح يطالبون باصلاح مسار الرصاصة أو تعديل الوصاية على القضية، ليكون المشهد مجموعات من حركات تحرير دارفور بالاضافة لتيارات العدل والمساواة.. الناشط الدارفورى ناصر بكداش أرجع فى حديثه ل(الرأى العام) تناقض الخطط أو تعدد مسارات النظر للقضية الدارفورية ومحددات الحل والعلاج من قبل أبنائها، لتزايد مستوى الوعى لدى ابناء دارفور وتجاوزهم للانتماءات التحتية ممثلة فى القبلية أو الجهوية، واندفاعهم فى تكوين الحركات من تيارات حزبية ومؤسسات مجتمع مدنى قومية، ما أفرز تعدد وتشكل فى المرجعيات الفكرية والسياسية بتعدد المجال أو المحيط الذى يأتي منه القادمون لصفوف الحركات، وقال(ليسوا كلهم محايدين أو مستقلين أو عروبيين او يسار ماركسى أو إسلاميين) ويذهب بكداش الى أن التصدعات التى شهدتها الحركات هي نوع من الحراك الداخلى الايجابى بتطور حالة النضج الخاص والجمعى لدى المقاتلين ومساحة كل منهم فى اختيار خطه واضاف(لكن المؤسف أن تكون النتيجة هى الرفض عبر البندقية والاقتتال لأنه يزيف طبيعة الصراع). التصريحات الرسمية للمجموعة الموقعة فى الدوحة، لا يعبر عما تضمره تجاه الحادث ، ونقلت تقارير إعلامية عن نهار عثمان نهار، المستشار السياسي للمجموعة، إن الاعتداء على جربو هو الثالث من نوعه منذ انطلاق المفاوضات مع الحكومة بالدوحة، وأن ثمة أحداثا استبقته بسوق فوراوية، وكشف نهار عن عزم الحركة لتستخدم سبل الرد القوى والحاسم بعد مقتل جربو، متهماً العدل والمساواة الأم بالخيانة وتقويض فرص السلام لإطالة أمد أزمة دارفور (لأشياء في نفوسهم).. محذرًا أعداء السلام من استخدام قضية دارفور ومشاكل أهلها غطاء لتحقيق أجنداتهم.. رد الفعل السياسى من قبل العدل الأم جاء سريعاً، ونقلت تقارير عن جبريل آدم بلال، الناطق باسم العدل والمساواة اعتباره مجموعة الدوحة الموقعة أخيراً مع الخرطوم، جزءاً من القوات الحكومية، وأضاف(حذرناهم بألا ينجرفوا وراء أنشطة حزب البشير، لأنه العدو الأول لقوات المقاومة الثورية في السودان، وأكدنا أننا لن نفرق بين قوات المؤتمر الوطني والميليشيات والحلفاء التابعين له)، واتهم المجموعة بانها أصبحت ميليشيا تابعة وتخوض المعارك ضد الثوار في دارفور، لذا قررنا حسمها عندما حاولت الاستيلاء على بئر جبل درمة في شمال دارفور وطردناها حتى مدخل منطقة كرنوي بعد تجريدها من السلاح والممتلكات.. كاشفاً عزم حركته على استهداف القوات الحكومية وحلفائها من الميليشيات السودانية والأجنبية مثل الجماعات القادمة من مالي وقوات الحكومة التشادية، واعتبرها أهدافا عسكرية لقوات حركته، وقال(سنتعامل مع كل هذه المجموعات بحسم لأنها خطر على شعبنا وأمام تقدم الثورة لإسقاط النظام، وسنعمل على تنظيف المنطقة منها). الملاسنات السياسية والاتهامات المتبادلة والتهديدات المستمرة، بدت للكثيرين كخطر يهدد مسار المقاومة الدارفورية كما يسميها المعارضون أو متمردو دارفور كما تسميهم الخرطوم، وبين هذا وتلك، برزت أصوات تطالب بالتهدئة واللجوء لصوت الحكمة واصدر فصيل حركة تحرير السودان بقيادة منى أركو مناوى بياناً طالبت فيه الأطراف بالتهدئة لقطع الطريق على الفتنة الداخلية.. كمال الدين إبراهيم الامين العام لتصحيح مسار أزمة دارفور أعرب عن حزنه على فقد جربو واصفاً إياه بالقائد المحنك، مرجعاً تطورات الأحداث بدارفور مؤخراً الى وضعية العدل والمساواة التنظيمية وقال ل(الرأى العام)(ما حدث ترجمة عملية لما ظللنا نحذر منه من ان الدخول للعدل والمساواة مشكلة والخروج منها مشكلتان) واضاف( أكثر المصطلين بنار هذه المشكلة كل المنضوين لها وهم بالأصل ليسوا عدل ومساواة، وينتهى خروجهم دوماً بقتال، ولا يدركون أن الامر طوعى برمته)واضاف( العدل والمساواة لديها أزمة ادارة أنفسهم، ما يجعل الثمن باهظاً إزاء الخروج). عموماً الاقتتال بين الفصائل الدارفورية لم يكن الأول من نوعه، وشهدت ساحة الفصائل الدارفورية عامة والعدل والمساواة خاصة، أولى حالة اقتتال فيما بينها فى العام 2003م ابان خروج القائد جبريل كيك، تلى ذلك الانقسام الاكبر بخروج بحر ادريس أبو قردة وتاج الدين نيام ترتب عليه اقتتال عام 2007م، واستبقت ذلك حوادث ما يعرف باولاد الميدوب فى العام 2006م، ثم المساليت بقيادة ابراهيم يحيى فى 2007/2008م ، ليشهد العام 2008م أشهر وأشرس أشكال القتال الداخلى بين الفصائل بين مجموعة منى فى مهاجرية بعد توقيعهم على اتفاق سلام فى مهاجرية ولبدو، واعتبر كمال الدين أن مستقبل العمل الدارفورى فى خطر حال استمرت طريقة التفكير الحالية ، مؤكداً أن ثمة مجهودات ضخمة تمت فى الفترة الماضية للملمة الفصائل وتوحيدها وتكوين ما يعرف باسم اللجنة المحايدة لتوحيد فصائل التحرير والمقاومة بدارفور فى الفترة من 2007م- 2009م برئاسة العميد عبد الرحيم محمدو وأن العدل والمساواة فوتت فرصة تاريخية بقبول خطاب اللجنة وشروطها فى ذلك الوقت بأن تقود كل الفصائل تحت د.خليل ابراهيم بشرط وقف الاقتتال الداخلى بينت فصائل المقاومة بدارفور وتغيير اسم العدل والمساواة واعتبار أى شخص أو مجموعة تحمل السلاح هى مجموعة صديقة ومعادية للحكومة، وأن الخطاب تم توجيهه للمكتب السياسى للعدل والى الآن لم ترد.. اذاً ثمة مخاطر جمة تحيط بخط المقاومة بدارفور حال لم تتجاوز الفصائل ذاتيتها فى النظر للعمل الجماعى بهدف حل أزمة دارفور، ومالم تغادر العدل والمساواة مربعها فى انها أحسن وأشرف الفصائل واكتساب صفة المرونة فى استيعاب تراجع الأفراد وارتمائهم فى أحضان الخرطوم..