لا أعتقد أن موقف المؤتمر الوطني ومطالبته بمناقشة الملف الأمني أولاً في الحوار مع قطاع الشمال يناسب المرحلة والمواقف الحالية. في التفاوض مع الجنوب كان هذا الموقف ضرورياً ومبرراً واليوم الحدود مغلقة في وجه الجبهة الثورية والتحولات مع الجنوب كثيرة وإيجابية. الموقف من الإغاثة أيضاً يحتاج إلى خطوة للأمام ولا غضاضة في أن يناقش أولاً مع القطاع طالما الفرصة قائمة في الاتفاق حولها بما يؤمن النتيجة النهائية التي توقف القتال. موقف الحكومة اليوغندية الأخير موقف إيجابي وأكاد ألمح فيه خطىً إيجابية من حكومة جنوب السودان. ولقد وقف الرئيس سلفا كير موقفاً مُميّزاً بإعلانه الرغبة على التوسط مع القطاع وبعدها موقفه من تطورات أبيي التي سَكبت ماءً بارداً على أزمة خطيرة. والقوة ليست حكراً دائماً على التمسك بالموقف الواحد، بل القوة الحقيقية أن ندور مع الحق حيث دار والقوة أن يتوفر لنا إيمان حقيقي اننا مع السلام حيث دار وأن الخطوات كم حولنا تنطلق إيجاباً ولم يكن متصوراً الموقف اليوغندي ولا موقف الجنوب في أبيي ولا أن يتحوّل الرئيس سلفا من إعلانه لقادة التمرد أنهم لن ينسوهم إلى دعوتهم للبحث عن دولة أخرى إذا أرادوا أن يعملوا ضد الخرطوم. غبار المعارك التي تديرها الجبهة الثورية يعكس يأساً وقنوطاً وفقدان أمل، وقد أضحت الجبهة عارية على النطاق الإقليمي ومُحاطة في الداخل ونخرت فيها أفاعيلها الجسيمة ضد مواطني شمال كردفان وأسّست موقفاً تستطيع الحكومة أن تبني عليه خطوات تزيد من تعريتها وتلجئها قسراً إلى مفاوضات منتجة بتكلفة قليلة. الحكومة السودانية تقف اليوم على أرضية قوية، فقد تمسكت بموقفها في التفاوض مع الجنوب حتى وصلنا إلى نتيجة إيجابية اكتملت أركانها بزيارة الرئيس البشير إلى جوبا وسيصل الرئيس سلفا للخرطوم مع وصول النفط إلى موانئ التصدير. لم تقف الحكومة يوماً واحداً موقفاً رافضاً للتفاوض، وكم من مرة فاوضت والحروب قائمة والحشود والتآمر من حولنا. حانت ساعة الموقف القوي الجديد الذي يحقق السلام في كردفان شمالها وجنوبها وينطلق بالعلاقات مع الجنوب ويمد يداً بيضاء ليوغندا، بل للولايات المتحدة إذا تمت الزيارة المرتقبة. ساعة أمل وقطاف ثمار ليتنا نقتنصها لعلها لا تتوفر كما هي اليوم.