شيء من القلق اكتنف البعض في الخرطوم بعد أكثر من تصريح لسياسيين ظلوا يتحدثون منذ إطلاق ما يسمى بالجبهة الثورية للرصاص في أبو كرشولا وأم روابة عن خطة كانت تستهدف الخرطوم حيناً، والحديث عن تكوين كتيبة إستراتيجية من القيادات لتأمينها حيناً آخر. فخطة الجبهة الثورية للوصول الى الخرطوم كانت ستنفذ عبر ثلاثة محاور من أجل إسقاط النظام، حسب د. نافع علي نافع الذي كشف لدى مخاطبته شورى المؤتمر الوطني بنهر النيل عن قيادة الطابور الخامس وأحزاب المعارضة لما أسماه ب (بحرب التخذيل) وإطلاق الشائعات بدنو أجل النظام وتشكيكه في القوات المسلحة، معلناً فى الوقت ذاته أن المعلومات متوافرة حول تحركات التمرد ومواقعه وأهدافه ومحاوره الثلاثة من كردفان ودارفور.. إمكانية مهاجمة الخرطوم فى سياق مشابه لتجربة حركة العدل والمساواة 2008م، وهو تشاؤم أطل برأسه مع استعادة أحاديث وتصريحات سابقة للحزب الحاكم ابان الناطق الرسمى باسمه بروفيسور بدر الدين أحمد ابراهيم عن وجود مخططات تخريبية لقطاع الشمال كأحد ابرز أضلاع الثورية فى الخرطوم.. ذكرت قيادات الحزب الحاكم فى الخرطوم فى تصريحاتها المتكررة أن مهاجمة الخرطوم ترتبط دوماً بعمل تخريبى وتوترات أمنية بالخرطوم من خلال استغلال مجموعات وخلايا نائمة لزعزعة الاستقرار، مفسرين عملية نقل الحرب الى الخرطوم بسبب اليأس جراء نجاح الاتفاق بين الخرطوموجوبا، بالاضافة لما تعده رد فعل على إفلاحها فى كسر طوق العزلة التى سعت لفرضه الحركات إقليمياً ودولياً.. تقبل الكثيرون للأمر وتفاعلهم معه إحتمال نقل الحرب للخرطوم، أو أم درمان أرجعه محللون لما خاضته المدينة في تجربة سابقة في 2008م وعرفت بعملية الذراع الطويل في 10 مايو 2008م. الخرطوم تحت القصف أو قابلة للهجوم لم يكن سيناريو جديد على العاصمة المركز، لكنه بدا بعيداً موغلاً في التاريخ ، فشهدت ذات المدينة من قبل ترجمة عملية لحرب المدن ابان دخول قوات المعارضة في 1976م لأمدرمان فيما عُرِف باسم (المرتزقة). عضو مجلس قيادة الانقاذ سابقاً العميد (م) صلاح كرار يذهب لامكانية نقل المعركة للخرطوم، وفي حديث ل(الرأي العام) يذهب الى أنه من الناحية التكتيكية فإن الأمر متوقع ومحتمل، ويعدد الرجل العديد من التجارب والنماذج لانتقال الحروب الى العواصم بهدف إسقاط النظام، وحصر فى حديثه، تحالف جبهة تحرير ارتيريا وجبهة تحرير التقراي لاسقاط نظام منقستو في اثيوبيا بتوجههم نحو العاصمة اديس ابابا، واستشهد ايضاً بحال الجيش الحر في سوريا وأن تركيزه حالياً ينصب على إضعاف النظام من داخل دمشق، وتوجيه ضربات موجعة للتأثير معنوياً وتكتيكياً ما زاد من معدل الانشقاقات وأضاف :(بالتالي فالحديث عن نقل الحرب الى العاصمة ليس جديداً بل مجربا، حيث يعتبر البعض أن ضرب العاصمة أسهل وسيلة لإسقاط حكومة ما، لأن بها كل شرايين الحياة ، وما تجربتي 1976 م و 2008 م ببعيدتين عن الأذهان ، بالتالي فالأمر محتمل). عملياً ، بدا سيناريو زحف الجبهة الثورية نحو الخرطوم، ضربا من العبث إن لم يكن من الجنون في ظل المساحات الشاسعة التي تبقت عقب انفصال الجنوب، لنقل الحرب الى العاصمة الخرطوم، وهو الأمر الذي استبعده ايضاً كرار، الذي يرى أن عملية الزحف تتطلب قوات ضخمة جداً وتعددا في محاورها ، وهو ما لا يمكن أن يحدث. وقال: (الأمر لن ينجح الا اذا تحركت الخلايا النائمة بعمل داخل الخرطوم يسبب الارتباك، بالتالي يتم تطوير الخطط الهجومية للقوات الزاحفة بناء ً على ما حدث في الخرطوم).. وعن خطورة الخلايا النائمة في نقل الحرب إلى العاصمة، قال عضو مجلس قيادة الانقاذ السابق: (خليل ابان زحفه على أمدرمان لم يكن يعتمد في هجومه على القوات المرافقة له، والدليل انه حمل اسلحة متطورة جداً لا يعرف من معه من الجنود استخدامها، كالمضادات للدروع، وانما حملها لتستخدمها الخلايا النائمة التي تعرف كيفية التعامل معها)، وقطع كرار بوجود خلايا نائمة للجبهة وستظل نائمة الى حين تحديد ساعة التحرك كجزء من خطة كبيرة، لأن التحرك الى الخرطوم زحفاً أمر في غاية الصعوبة ، لكن بعد تحرك الخلايا النائمة الأول يمكن ان يتم الوصول الى الخرطوم في غضون عشر ساعات على أكثر التقديرات. عموماً .. ربما زاد من الشعور بالقلق إزاء الخرطوم ما أعلنته وزارة الداخلية عن تحسبها لخلايا نائمة بالعاصمة في هذا التوقيت فى سياق التخطيط لنقل الحرب الى الخرطوم، بالاضافة لما راج فى الفترة الماضية عن الوزارة نفسها بضبطها وإفشالها لمحاولة تهريب سلاح للبلاد بشكل عام.. لكن تحليلات ترى ان الجبهة الثورية لم تعلن عن عزمها ذلك لمعرفتها برغبة المجتمع الدولي والإقليمي في استقرار سريع بالمنطقة يتعارض جوهرياً مع أية محاولات لتغيير نظام الحكم في الخرطوم عبر العنف طبقاً لما أفاد به دبلوماسيون رسميون أمريكان في الفترة الماضية بالإضافة لإدراكها بأن الخرطوم ستقابل أية خطوة كهذه بالحسم وتوحيد الجبهة الداخلية، فضلاً عن محاولات الحزب الحاكم اجراءات تغييراته الداخلية في هدوء ولو نسبياً بعيداً عن الضغط الجماهيري الباحث عن تغيير في معادلات السلطة بالدولة نفسها. المؤتمر الوطني يرى ان اتفاقه مع الجنوب بأديس ابابا، ينهي الجبهة الثورية ويخنقها وتحرياً للدقة أبرز مكوناتها كقطاع الشمال، بينما يذهب مناصرون للحركة الى أن ثمة فائدة عادت على الجبهة الثورية والقطاع من الاتفاق الأخير تمثلت في فصل قضايا المنطقتين عن رغبات جوبا وتحركاتها، وافتراض أن تهدئة يمكن ان تحدث طالما تم الاتفاق مع جوبا. آخر أحاديث معلنة للحزب الحاكم عن مخططات تخريبية جاءت في منتصف العام الماضى عندما أعلنت الحكومة إلقاء القبض على (13) من عناصر الحركة الشعبية قطاع الشمال والحزب الشيوعي ومجموعة (قرفنا) ومنسوبين لأحزاب معارضة واتهمتهم على لسان معتمد محلية أم درمان الفريق شرطة أحمد إمام التهامي بأنهم يسعون من خلال مخطط تخريبي لتدمير المنشآت الخدمية للمواطنين، وإثارة البلبلة لتسهيل دخول القوات المهاجمة. عموماً، فإن الحديث عن هجوم أو دخول للجبهة الثورية الى الخرطوم يعد أمراً في غاية الخطورة إذا كانت هناك نوايا حقيقية للجبهة بوضع ذلك الأمر في حيز التنفيذ، ما يستدعي التعامل بجدية مع مثل هذه الأنباء التي تضع الخرطوم في دائرة الخطر المحتمل، بينما يرى عسكريون أن إحداث أي اختراق للخرطوم سيواجه بيقظة الأجهزة المختصة، ولكنه قد يحدث شيئاً من (الفوضى الخلاقة) التي قد يستغلها أنصار الجبهة في تحقيق وتصفية بعض حساباتهم السياسية القديمة.