يبدو أن السياسة الجديدة التي أعلنها الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» تجاه السودان والتي سُميت ب«الجزرة والعصا» قد بدأت الآن ب«العصا» ولم تبدأ ب«الجزرة» فإعلان الرئيس تمديد العقوبات الاقتصادية لمدة سنة وطلبه من الكونجرس الإجازة بالسرعة المطلوبة ما هو إلا بداية «بالعصا» والقرار في حد ذاته ليس بجديد على السودان، فالسودان من قبل تسع سنوات تعرض للحصار الاقتصادي الأمريكي وحلفائه وهو الآن قد وفق أوضاعه وأصبح القرار لا يؤثر فيه كثيراً، فالشركات والمصالح الحكومية التي تأثرت بالحظر الأمريكي قد كيفت نفسها ووجدت البدائل بالإتجاه شرقاً الى الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان ولم تعد لها أي ارتباطات تجارية أو فنية مع الشركات الأمريكية. أما المصارف السودانية فهي ماضية في عملها المصرفي العادي الذي اعتادت عليه منذ التسعينيات ولم ولن تتأثر بالقرار لأنها أصلاً لا تتعامل مباشرة مع المصارف الأمريكية أو مع مصارف الحلفاء، وقد أدت الأزمة المالية لأن يتحول السودان مصرفياً من التعامل بالدولار الى التعامل بسلة العملات مفضلاً بالتعامل «باليورو» في تسويق نفطه وانتاجه الصناعي، وليس هناك ما يربطه رباطاً قوياً «بالدولار» المنهار هذه الأيام. السودان هو الدولة التاسعة من بين الدول التي تفرض عليها أمريكا الحصار الاقتصادي ومن بين تلك الدول إيران والعراق «سابقاً» وكوريا الشمالية وسوريا والصومال وكوبا وبنما وفنزويلاً وأخيراً غزة وفي كل هذه الدول لم تستطع سياسة «الحصار الاقتصادي» ان تنجح في تحقيق مآرب الولاياتالمتحدة أو حلفائها بل على العكس أدى فشلها الى خسارة بالمليارات للاقتصاد الأمريكي وأدى الى اضمحلال دور أمريكا الاقتصادي ودور شركاتها في هذه الدول. وهذا القرار الخاطيء أعطى الفرصة الى دول أخرى ناشئة لكي تنتشر تجارياً واستثمارياً في هذه الدول وتسحب البساط من الشركات الأمريكية التي كانت تهيمن على الاستثمار والتجارة في ما وراء البحار. أوباما بإعلانه هذا القرار يظهر جلياً أنه يمضي على درب سلفه السابق جورج دبليو بوش بل هو أحياناً يتخبط اكثر من بوش فإذا كان الأخير يطلق عليه لقب «الثور الهائج» الذي يسرح ويمرح في حقل من «الخزف» فإن الأول يستحق ان يطلق عليه لقب «الرجل الحيران» الذي لا يدري هل يقود «الفيل» من «خرطومه» أم «ذيله». إن إعلان تمديد العقوبات الاقتصادية على السودان لمدة سنة لن يغير من الأمر شيئاً لا في الوضع في دارفور ولا في الوضع في الجنوب، لأن الأوضاع الراهنة في هذين الإقليمين تبدو هادئة اكثر من ذي قبل فيما عدا بعض النزاعات القبلية في الجنوب، وعندما ينظر المرء الى القرار والتوقيت الذي صدر فيه يجد نفسه محتاراً، ماذا تريد الولاياتالمتحدة؟ ماذا تريد أن تفعل الحكومة السودانية في دارفور؟ وماذا يريدها ان تفعل في الجنوب؟ إن الولاياتالمتحدة اكبر دولة في العالم من حيث القوة الاقتصادية واكبر دولة في العالم من حيث التدفقات المالية وأسواق المال بات لا يهمها أبداً ان تترك قضايا الجوع والفقر والتغير المناخي وتجري وراء معاقبة الشعوب التي تعاني.