? جاء في جرايد الاسبوع الماضي ان النائب الأول لرئيس الجمهورية أعلن خلال لقائه بقادة المؤسسات الإعلامية رفع الرقابة القبلية على الصحافة السودانية.. وسارع مجلس الصحافة والمطبوعات بالإعراب عن «انتباهه» لذلك القرار .. وادعى انه كان ينادي دوماً برفع هذه الرقابة عملاً «بمبدأ حرية التعبير وحرية الصحافة» «وهذا ادعاء مشكوك فيه».. ? ويمضي بيان المجلس انه «يراهن على قدرة المجتمع الصحفي التوازن المطلوب بين الحرية والمسئولية».. ? قبل نحو أربع سنوات كتبت في هذه «الزاوية» أعلق على ما أطلق عليه حينذاك «ميثاق الشرف الصحفي».. هذا الميثاق الذي شارك في صياغته وعلى ما أذكر عدد قليل جداً من رؤساء التحرير واتحاد الصحفيين.. بحضور بعض المسئولين التنفيذيين- أدى إلى رفع الرقابة القبلية عن الهيمنة السودانية ولكن ذلك كان مرهوناً بعدم تجاوز جرايدنا «الخطوط الحمراء» وتساءلت حينها ما هي تلك «الخطوط الحمراء» الذي تعهد المجتمعون بعدم تخطيها.. وقلت انها عبارة فضفاضة لا يمكن لأي صحفي ان يحددها.. والنتيجة ان الرقابة القبلية عادت للسريان في أقل من عام على إلغائها.. ? ويبدو ان نفس السيناريو يتكرر هذا الاسبوع باعلان النائب الأول برفع تلك الرقابة.. الشكوك تراود المجتمع الصحفي ازاء تنفيذ هذا القرار رغم انه لقى ارتياحاً من غالبية العاملين بمهنة المتاعب.. ? فما فهمنا من هذه الاصطلاحات رغم غموضها وحيثياتها التي يطالب المجلس بمراعاتها عند ممارسة العمل الصحفي- فإن ذلك قد ألقى المسئولية كاملة على عاتق الصحفيين أنفسهم وربما على الناشرين ? فالصحفي عند كتابة مادة «خبر أو تحقيق أو تقرير أو رأي» يفكر ويمضي في التفكير إذا كان المادة سوف تنال رضاء جميع اركان الحكم في البلاد بمختلف مواقعهم وتوجهاتهم.. وربما رضاء ناشر الصحيفة ذاته... ? وعندما يتوكل على الله ويبادر الصحف المكلف بكتابة المادة ويعيد صياغتها بحرص شديد- فإن المسئولية التالية تقع على عاتق رئيس القسم الذي يتدقق في المادة قبل تمريرها لمدير التحرير الذي يقرر إذا كانت المادة صالحة للنشر وربما يقوم بتصحيح بعض الفقرات أو تعديلها أو الغائها لتكون مادة «مقبولة».. ? وإذا رأى مدير التحرير ان المادة مهمة لجهة السبق الصحفي و لكنها في نفس الوقت حساسة.. فإنه يعرضها على رئيس التحرير الذي بدوره يقوم في بعض الحالات بالعمل بالامثال المشهورة على شاكلة «أبعد من الشر وغنيلو» والخواف ربى عيالو» فيشطب المادة من الماكيت.. ? طبعاً هذا التحليل لا ينطبق على كل الصحف السودانية .. فبعضها تتجرأ على قول الحق ولو أدى ذلك إلى الرقابة «البعدية».. وهي تعني مصادرة النسخ المطبوعة بعد تجهيزها للتوزيع- فتمني الجريدة والناشر خسارة مادية ضخمة ربما تؤدي إى توقفها.. ? الخلاصة ان القاء الرقابة القبلية على صحافتنا لا يعني بالضرورة ان الرقابة غائبة تماماً من الجرايد- فإن الرقابة الذاتية قد تكون أشد وقعاً وحذراً على مهنة النكد لأسباب يعرفها جيداً العاملون في هذا الحقل الملغوم..