أعاود الإطلالة اليوم بعد عطلة سنوية اخترت أن أمضيها فى سياحة روحية بعيداً عن رهق البلاط العزيز ومتاعب المهنة، لم أجد بقعة تحتوي ألم النفس ورهق الجسد وشقاء مفاصله سوى الأراضي المقدسة. يمّمت شطر المملكة العربية السعودية أطهر بقعة قاصداً الاستجمام والاقتراب من أشواق الروح الهائمة في حب الحرمين والتائقة الى العوالم الطاهرة والمقامات العليّة. زيارة المملكة وفرت لي فرصة نادرة لأجوب مدنها شرقها وغربها، شمالها وجنوبها ووسطها، وأقف على تجربة حكم راشدة ونادرة نجحت في تسخير السياسة لخدمة الناس ووظفت الاقتصاد لراحة المواطن والمقيم على حد السواء، نهج إصلاحي مستمر ورؤية حديثة لإدارة الدولة بروح التنمية التي تسري في شرايين المملكة وتحيل الحياة هناك إلى مشروع إنجاز يومي يجعل حواجب الدهشة مرتفعة طوال العام. نجح الملك عبد الله بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين في أن يمضي بالسعودية إلى مصاف الدول الكبيرة، ذات الإستراتيجيات المواكبة لأحدث ما يشهده العالم في إدارة الحياة الحديثة. أجمل ما بهرني في تجربة السعودية وحكامها الحس الوجداني الذي يمنح ملفات التعليم، والإسكان، والصحة، والنقل، والصناديق الاجتماعية، أولوية قصوى في منظومة الحكم، اسرني البحث الدائم في اجتراح الحلول لتحسين مستوى المعاش وتعزيز معادلات الاقتصاد رغم أنها مسكونة بالعافية ومحتشدة بمقومات النماء. الاهتمام بالإنسان ومقومات حياته ملمح أساسي في مسيرة الحكم في السعودية، كل سلطان الدولة وهيبتها وصولجانها مسخر بالضرورة لرفاهية المواطنين والمقيمين بلا استثناء، الانحياز الدائم للأسرة والتوقير الكبير للمرأة رسم مسيرة فاضلة لأداء القائمين على الأمر في المملكة. الحكمة السياسية التي تتحلى بها حكومة خادم الحرمين الشريفين جعل من المملكة قبلةً للتسويات والتقريب والإصلاح بين الفرقاء، ومنحها أدواراً متعاظمة في المحيط العربي والدولي خاصة في دعم القضية الفلسطينية سياسياً ومادياً، وهيأها لأن تلعب أدواراً إيجابية في دعم الشعوب العربية والإسلامية ومنحها القدرة على تعزيز قيمة الحوار بين الأديان بعد تبني الملك عبد الله بن عبد العزيز مبادرة في هذا الصدد لإشاعة روح التسامح والحوار توّجت بتدشين مركز الملك عبد الله للحوار بين اتباع الأديان. رأيت في السعودية نهجاً عادلاً وحكماً راشداً وإحساساً متنامياً بقيمة الإنسان ومناصرة لافتة للعرب ولكل المسلمين من واقع حرص تاريخي على تعميق وتعزيز أواصر الترابط والتواصل بين المسلمين وخدمة قضاياهم، وجدت هناك دولة حاضرة الوجدان ومستيقظة الضمير ومشرقة بالفضائل ومترعة بالبشارات. دعوت كثيراً لسعادة سفير حكومة خادم الحرمين الشريفين بالخرطوم السيد فيصل حامد المعلا ? وأركان حربه في السفارة وهم يجعلون من هذه الزيارة أمراً ممكناً، متمنياً للمملكة العربية السعودية دوام التقدم والازدهار في ظل القيادة الحكيمة للملك عبد الله. تابعت هناك الدوري السعودي حيث (الإتحاد إتحاد والهلال هلال والأهلي أهلي).. صادفت (الفتح والاتفاق) في الدمام، ووصلت الرياض في ذات المساء وأصداء مباراة الزعيم والعميد تملأ أرجاء (الملز) وما حوله من أحياء ترفل في أضواء السؤدد والجمال. أعجبتني هدأة القصيم.. واسرتني روعة الدمام.. واستهواني بحر جدة.. وغسّلتني مكة من وعثاء الحياة ورهقها.. واعتقلتني المدينةالمنورة في مقاماتها البهية فلذت (بالقبة البلوح قنديلا) أتسلى عن حظوظي وأنا أفارقها وفي خاطري - مدحة حاج الماحي.. (البلد العجوها يميلا - قلبي يحن لها وناويلا).. شكراً للسعودية ومزيداً من التقدم.