خلال عمل ميداني أجراه الباحث حسن مصطفى الخضر لتكملة بحثه المقدم لنيل درجة تمهيدي الماجستير من جامعة الخرطوم، تمّ الكشف عن مستوطنة أثرية تعود للعصر الحجري في منطقة (فتوار) شمال الباوقة بمحلية بربر. وشارك في العمل الميداني الأستاذ محمد الفاتح حياتي من قسم الآثار جامعة الخرطوم والأستاذ أحمد حامد (كبوشية) من قسم الآثار بجامعة النيلين. وتمثل العمل الميداني في اختيار (3) مربعات، (2) منهم بمقاس 3x3 أمتار لجمع المادة من السطح في الجزء الشرقي والغربي لموقع جبل الخزنة وهو موقع أثري معروف يقع بمنطقة المشرع بمنطقة (فتوار)، وتمّت قراءة ما يحتويه السطح. أما المربع الثالث فقد كان عبارة عن حفرية اختبارية تم من خلالها التعرف على العمق الطبقي للموقع الذي بلغ 45 سم، وأبعاد الحفرية هي 150x150سم ، وعثر فريق العمل على طبقات احتوت على كم هائل من القطع الأثرية التي تباينت في نوعها وشكلها، وهي عبارة عن مخلفات عضوية وغير عضوية، تمثلت العضوية منها في عظام الأسماك وعظام الحيوانات الكبيرة والصغيرة والأصداف. أما المخلفات غير العضوية تمثلت في الأدوات الحجرية وقطع الفخار، وأشار البحث الى ان الموقع يعود لفترة العصر الحجري الحديث حسب الدلائل اي حوالي 4000 سنة قبل الميلاد. وأسهمت هذه الأعمال في التعرف على النمط الاقتصادي لسكان المستوطنة، حيث توصل الباحثون الى ان القدامى قد اعتمدوا في غذائهم على الحيوانات والأسماك والأصداف، كما اعتمدوا ايضاً على الحبوب وذلك نسبةً لوجود حجارة الرحى التي ربما كانت تستخدم في طحن الحبوب . من خلال هذه الأعمال تمت الاجابة على العديد من الأسئلة، وحققت بعض الفرضيات المتعلقة بموقع جبل الخزنة، وأثبت أن هنالك مستوطنة دائمة تعود لفترة العصر الحجري الحديث، وكشفت الحفرية عن العُمق الثقافي لمنطقة (فتوار) التي سكنتها المجموعات البشرية منذ فترة العصر الحجري الحديث أي قبل 6000 سنة. وأشار الباحث حسن مصطفى الخضر الى أن البيئة المحيطة بالمنطقة من موارد طبيعية جذبت الإنسان واستغلها في تشكيل أنماط حياته المختلفة، ما يوضح أهمية المنطقة وطبيعة مستوطنات العصر الحجري الحديث بمنطقة الشلال الخامس عامة. والمنطقة تعج بالمواقع الأثرية غير جبل الخزنة، فالعصر المسيحي (504 - 1504م) في الكنائس التي توجد في منطقة الشلال الخامس والموزعة على الجزر وضفتي النيل، ومنها كنيسة (القروناب) الواقعة في الحدود الشمالية لقرية (فتوار) المجانبة للشلال الخامس. يصف عثمان الخويلدي الذي يعمل بالزراعة في الأراضي التي توجد فيها الكنيسة ان مساحتها حوالي (5) أفدنة وتبقت منها حجارتها العتيقة المنتشرة في المكان، ولها بوابتان جنوبية وشمالية وسبق أن زارها آثاريون وطنيون وأجانب، كما يوجد على ضفة النيل الذي ترقد عليه آثار الكنيسة (مربط) للمراكب الشراعية مخصص للكهنة في زفافهم، والغالب أنهم كانوا من (العنج) الذين انتشروا كسكان في المنطقة في التاريخ القديم، وكانوا يتخذون من (جبل النخرة) بمنطقة السلم بمحلية بربر مكاناً لتحصيل الجبايات والضرائب. مشيراً الى ان المنطقة الغربية للنيل كانت مكاناً للعبادة ودفن الموتى، إذ توجد ثلاثة أماكن عبارة عن مقابر قديمة تعود الى ذلك الزمان. وغير بعيد من المكان عثر مواطنون في (وادي السلع العطشان) الذي يبعد عن محطة الشريك شرقاً حوالي (3) ساعات، وجدوا فيه بئراً عميقة تفوح منها رائحة حنوط، إذ كانت مقبرة تعود الى ما قبل العصر الفرعوني لحضارة قد كانت في ذلك المكان النائي، ويظن البعض أن الحنوط الفرعوني قد انتقل من هناك لمصر عبر درب الأربعين.