قال السفير بلال قسم الله الصديق مدير ادارة الصين بوزارة الخارجية، انّ الصين ابدت تفهما للقرار الذي اتخذته الحكومة السودانية بوقف تصدير نفط الجنوب عبر الأراضي السودانية، واصفاً القرار بأنه قرار وطني وسيادي. وقال في حوار أجرته معه (الرأي العام) امس حول احتمالات انعكاسات سالبه للقرار على علاقة البلدين ان السودان لم يستشر الصين، وان سفيرها تعرف على القرار بعد، وكشف عن زيارة مرتقبة للمبعوث الصيني للخرطوم الأسبوع المقبل غير أنّ (الرأي العام) ابتدرت حوارها بسؤال السفير حول: * السيد السفير ما هي دواعي ومبررات إنشاء ادارة متخصصة تعنى بشؤون الخرطوم وبكين بوزارة الخارجية؟ في تقديري ان دواعي انشاء ادارة مستقلة معنية بشؤون العلاقة مع الصين جاء بفهم لدى قيادة الوزارة بان العلاقة مع الصين علاقة متنامية ومتطورة بشكل مضطرد وتشهد حراكا كثيفاً في كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية، وهناك حركة كثيفة للوفود المتبادلة والصين انفتحت على السودان بشكل اكبر بعد نجاح تجربة استخراج النفط في السودان، وهذه التجربة جعلت من السودان رقما كبيرا لدى الصين فى العلاقات الخارجية وبذلك فتحت الصين للسودان مجالات جديدة وبالتالي العلاقة اصبحت راسخة ومبنية على اسس قوية وتتنوع فيها الانشطة الكثيرة بشكل مستمر ولهذا كان لابد من انشاء ادارة تتولى الملفات. * وبما ان العلاقة بهذا الحجم، فان كل الحسابات تشير الى ان قرار وقف تصدير نفط الجنوب اكثر الاطراف تضرراً منه هي الصين، كيف تقيِّمون تعاطيها مع القرار على ضوء الموقف المبدئي الذي ابداه القائم بالاعمال عقب استدعائه امس الاول؟ الصين ابدت تفهما لدواعي قرار السودان لكنها في نفس الوقت ابدت الامل في ان يعود الطرفان السودان وجنوب السودان الى مائدة التفاوض والتحاور لمعالجة المشكلة بعيداً عن التصعيد، والصين منذ فترة بعيدة من خلال نشاطها السياسي عبر زيارات مكثفة للمبعوث الصيني حتى قبل هذه الازمة كانت تسعى الى ان يتم تقريب المسافة بين السودان وجنوب السودان ومعالجة المشاكل وكانت تسعى في هذا الاتجاه الى ان وقع الطرفان الاتفاقيات، وبالتالى نتوقع ان تسرع الصين خلال الفترة القادمة الى ترضية الخواطر ومعالجة انعكاسات هذا القرار ومحاولة جمع الطرفين مرة اخرى الى الحوار والمعالجات الهادئة. * وهل تتوقع ان تقود الصين تحركات سريعة فى هذا الاتجاه لرأب الصدع بين الدولتين؟ المبعوث الصينى سيصل الخرطوم الاسبوع المقبل للمشاركة فى اجتماعات «يونميد» فى دارفور الاسبوع القادم، وسيجرى ايضاً مقابلات مع عدد من قيادة الدولة ووزارة الخارجية للتعرف بشكل اكثر على قرائن ودواعي قرار الحكومة وتفهم الأسباب، * مقاطعة.. ولكن سعادة السفير كما هو معروف ان الصين شريك استراتيجي للدولتين واستخرجت بترول السودان فى ظل الحرب، هل جرى تشاور معها من قبل الجهات المعنية قبل اتخاذ القرار ام ان القرار سوداني سيادي بحت؟ بالتأكيد القرار سوداني وسيادي بحت وقام على بينات وحقائق ووقائع وهو مرافعة وطنية خالصة و تم ابلاغ السفير الصيني من خلال الاستدعاء. * والى ايِّ مدى يمكن ان يؤثر القرار على الاستثمار الصيني فى السودان حتى فيما يلي الاستثمارات الاخرى غير البترول؟ لا نتوقع ان تتأثر الاستثمارات الصينية بهذا القرار وهنالك عمل جارٍ تقوم به الشركات الصينية فى الاستكشاف للبحث عن نفط فى مناطق اخرى وهنالك شركات تعدين تعمل فى مجالات تعدين اخرى غير البترول، وهناك شراكات جديدة في مجال الزراعة ولا نتوقع ان تتأثر بالقرار. * وكم يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين؟ قبل قرار وقف تصدير نفط الجنوب كان حجم التبادل التجاري بين الخرطوم وبكين يبلغ حوالي مليار ونصف دولار تراجع الرقم بعد وقف النفط الى اقل من مليون دولار ولكنه سيعود حالماً استأنف التصدير. * هل فى تقديركم ان وقوف الصين فى منطقة محايدة شجع الحكومة على اتخاذ القرار دون استشارة الصين ورعاية مصالحها وهي الموصوفة بالحليف الاستراتيجي؟ قطعاً كما هو معروف دواعي القرار وطنية لحسابات سياسية بالدولة، ولكنّ السودان يؤكد دائماً ان الصين حتى وإن فقدت أو تأثرت بضخ النفط هنالك مجالات اقتصادية كثيرة في السودان يمكن ان تنشط فيها الصين وبدأ العمل فى بعضها والسودان شريك اصيل للصين فى نشاطها الاقتصادى ورقم كبير في علاقاتها مع افريقيا، وبالتالى يمكن للصين ان تجد عوضاً في نشاطات اخرى غير النفط والصين تدرك ذلك بان هنالك مجالات غير النفط يمكن ان تسفيد منها خاصة الزراعة ومجالات اخرى كالتعدين. * سعادة السفير مثل هكذا قرار دائماً تعطي إيحاءً للمستثمرين عموماً بان هنالك عدم استقرار والمستثمر بطبيعة الحال يكون حريصا على رأسماله، ما هي التطمينات التي يمكن ان تبثها الدولة لإعادة الثقة للمستثمرين؟ قرار وقف النفط كان الغرض منه أن تلتزم حكومة الجنوب بالاتفاقيات وهي تهدف اصلاً للاستقرار الذي ينشده المستثمرون، وعندما نجد ان حكومة الجنوب تدعم التمرد وتثير الفتن والقلاقل كان لابد من وقفه بمثل هذه الخطوة، وقرار وقف الضخ مقصودٌ منه أن تعود حكومة الجنوب الى رشدها وان تعود لطاولة التفاوض لتنفيذ اتفاق السلام وهي تهدف لخلق الاستقرار الذي يستفيد منه الشمال والجنوب والمستثمرون، وبالتالي المستثمر الحصيف يمكن أن يقرأ القرار قراءةً صحيحةً طالما ان هناك دعما دوليا بين السودان وجنوب السودان من خلال الوسيط الأفريقي والأمم المتحدة واصدقاء السودان كلهم يسعون لأن تعود العلاقات بين الخرطوم وجوبا الى حالة من الاستقرار، سليم ونحن نهدف في الآخر الى علاج المشاكل وهذه واحدة من الوسائل. * البعض يرى ان التقارب السوداني الروسي ربما خصماً على التقارب السودانى الصيني وادى لبعض الفتور في علاقات البلدين خاصة وان روسيا تسعى بقوة للاستثمار في السودان ولديها مبعوث خاص للسلام فى السودان فى حين ان المبعوث الصينى معني بالدولتين، كيف تقرأ هذه الفرضيه؟ للمبعوثين الصيني والروسي تحرك متوازٍ فى الحجم و الدرجة و كل دولة لها مصالح، و العلاقات الروسية الصينية علاقات جيدة، و كما نتابع السودان لديها من الفرص المتنوعة ما يمكن كل دولة ان تجد مجاله، حسب قراءاتي الشخصية لم تتأثر علاقات الصين مع السودان بوجود نشاط روسى وهذه قد تكون تحليلا لمن لا يدركون خفايا الملفات، ولكن روسيا لديها مجالات وتخصصات وللصين خبرة لا تتوافر لدى روسيا والسودان يمكنه ان يستفيد من الدولتين من غير خلق حساسيات بعلاقاته مع هذه الدولة وتلك. * وما هو تقييمكم لأداء المبعوث، المتابع لزيارته للسودان دائماً ما تكون مرتبطة بالأحداث عندما تقع فى البلدين ولا يوجد نشاط له لتأطير السلام بين البلدين؟ أداء المبعوث الصيني ليس بمستوى الطموح الذي نطمع اليه كدور للصين، فالصين شريك استراتيجي للسودان في حركته الاقتصادية وعلاقاته مع الجنوب ونتطلع دوماً ان يكون دورها اكبر في معالجة المشكلات بين الشمال والجنوب، وان تكون نشاطات المبعوث ذات انعكاس كبير على مجمل حركة علاقاتنا مع الصين في جوانبها الاقتصادية والثقافية وغيرها، ولكن المبعوثين دائماً يخصصون لقضايا عاجلة وذات طبيعة خاصة ويسهم دورهم خلال الدبلوماسية الماكوكية لمعالجة القضايا العالقة والأزمات، اما القضايا الأخرى ذات الطبيعة الهادئه تعالج خلال الملفات الثنائية والسفارات فى عاصمتي البلدين ووزارتي الخارجية وعبر الوفود رئاسية او وزارية أو غيرها، فالنشاط لا يتوقف على حركة المبعوث فقط. * البعض يرى ايضاً ان الموقف الصيني الصلب مع سوريا لم ينسحب على الملف السوداني ولم نشهد ان الصين استخدمت حق النقض لصالح قضية تخص السودان ما هو تعليقك؟ بالتأكيد لكل دولة مصالحها وقراءاتها الخاصة لمصالحها ولها درجات كذلك في التعامل مع كل قضية وأنت اذا فقدت مواقف صعبة للصين في بعض القضايا تجدها داعمة لك في قضايا أخرى قد تكون غير معلنة وغير مقروءة للرأى العام، ولكن دعم الصين للسودان كبيرٌ في كل المحافل، هناك تنسيق كبير بين بعثة السودان وبعثات الصين فى نيويورك، وهناك تنسيق على مستوى مجموعة ال (77) والصين، ويمكن ان نقول ان الصين لم تؤد ما عليها من دور تجاه السودان، لكن مصالح الدول لا يمكن قياسها بما تطمح إليه انت شخصياً في ان يقف معك الطرف الآخر بمستوى معين من المستويات التي ترغب فيها، غير أنّني يمكن أن أقول هناك توافق في كثير من القضايا في المحافل الدولية وقضايا السودان الداخلية. * اتفاق التعاون المشترك أحد نتائج القرار «2046» وحالياً الحكومة اوقفت الاتفاق، هل تتوقعون اية مترتبات من المؤسسة الدولية، وإلى أي مدى ستنشط الدبلوماسية السودانية لاحتواء آثار القرار، وما هو موقف الصين المتوقع في مجلس الأمن الدولي؟ يمكننا أن نقرأ موقف الصين من خلال مصلحتها هي في النفط باعتبارها رابطا بين السودان و جنوب السودان، ولا نتوقع ان يخرج الملف بسياقه الحالى من السياق الافريقي المدعوم من الاممالمتحدة و الجامعة العربية، و يمكن للطرفين السودان و جنوب السودان ان يصلا الى نوع من التفاهم، و لا يوجد اي تخوف كبير من ان ينفلت هذا الملف، الصين بالتأكيد تتفهم ما طرحه عليها السودان من مسببات القرار و لا نريد ان تعجل فى الحكم على ما يكون عليه القرار الصيني بشأن قرار وقف الضخ. * سعادة السفير هل القرار في تقديركم يمكن أن يؤثر على التمويل الصيني لبعض المشروعات في السودان ام ان الصين ستستمر في مشروعات التنمية بالسودان متجاوزة آثار القرار؟ بالعكس المبعوث الصيني في واحدة من زياراته الماضية ذكر بان العلاقة يجب ألا تقف في محطة النفط فقط وان نوسع من مجالات التعاون الاقتصادي، والسودان بادر بأن ترعى الصين كثيراً من الأنشطة فى مجالات اقتصادية جديدة وبالتالي يمكن مثل هذا القرار ان يدفع الصين بأن تتوسع اكثر فى مجالات اخرى وحتى النفط تتوسع اكثر فى الشمال حتى تجد العوض، واعتقد استثماراتها في نفط الشمال ستزيد.