توضيحات قوى الاجماع الوطني ونفيها لنفي الامام المهدي علمه بخطة المائة يوم أو عدم مشاركة حزبه فيها ، أعاد للاذهان مماحكات فترة التجمع الوطني الديمقراطي أواخر تسعينيات القرن الماضي، وتعرجات حزب الامة صعوداً وهبوطاً الى حين خروجه عقب مؤتمر مصوع وعودة قيادته للخرطوم فيما يعرف ب(تفلحون).. السيناريو ربما يعيد نفسه في اطار اشمل واوسع، وفي سياقات تبدو مغايرة بقوى الاجماع الوطني ، وبالرغم من ان (خطة المائة يوم) طبقاً لقيادة قوى الاجماع الوطني لاستنهاض فكرة التغيير بالعمل السياسي السلمي وتفعيل العمل الجماهيري، ما يصب في ذات خط حزب الامة الرافض للتغيير عبر العمل العسكري أو المسلح ، الا أن الامام تبرأ منه، حتى قطعت قوى الاجماع بأن مطبخ الخطة كان حزب الامة بكلياته عضوية ومبنى وقيادة.. ليكون المشهد مثيراً للارتباك داخل قوى الاجماع في تكييف موقف حزب الامة في الحد الادنى من الخطة ناهيك عن استراتيجية قوى الاجماع برمتها، ليؤكد حزب الامة أن التحالفات السياسية السودانية تحفل بتاريخ طويل من التفاعلات التي يحفزها دوماً العمل المعارض في مواجهة السلطة الحاكمة، وما تلبث تلك التحالفات أن تخفت إعلامياً وسياسياً بغض النظر عما حققته من اهدافها.. التاريخ المحترم لا يعيد نفسه، عبارة وحكمة مأثورة لكنها على ما يبدو لا تنطبق على الشأن السوداني، طبقاً للعديد من المراقبين، فالتحالف الذي انشئ عقب فترة وجيزة من انقلاب يونيو89 بدأ يتصدع ويضعف وينهار بعد اعلان حزب الامة القومي التوقيع على ما يعرف بنداء الوطن وجيبوتي، لتنسخ (تفلحون) (تهتدون) التي دشنت عودة الامام الصادق المهدي الى الخرطوم، وخلقت نوعا من الحساسية السياسية بين الأمة وبين أحزاب أخرى.. مقاربة تاريخية تفرض نفسها بين أجواء خروج الامة من التجمع عقب مؤتمر مصوع 1999م، وبين أجواء إعلان الامة القومي بالتبرؤ في وقت سابق عن خطة المائة يوم.. المسؤول السياسي لحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر عبد السلام قطع في وقت سابق ل(الرأي العام)بعدم تأثر برنامج عمل قوى الاجماع الوطني وخياراتها جراء عدم مشاركة أي حزب في نشاطات قوى الاجماع بأي شكل من الاشكال وبرر ذلك بقوله (لأن وجود الاحزاب ضمن قوى الاجماع الوطني وفي سياق اتخاذنا لقرارات ومواقف مصيرية وكبيرة لا يسمح باي نكوص أو تراجع أو تخاذل) )، ولعل حديث كمال يوحي بمدى الاستعداد النفسي مسبقاً لدى قيادة قوى الاجماع الوطني لخياراتها، قبل أن تشيد بقيادات قوى الاجماع أشادت بموقف قواعد حزب الامة، واضاف قيادي - فضل حجب اسمه- ل(الرأي العام)(نحن على قناعة كاملة بأن قواعد حزب الامة بالضد من قرار الامام في التبرؤ من الخطة خصوصاً وانها تعمل جاهدة وبشكل مقدر في عمليات التعبئة التي تقوم بها قوى الاجماع الوطني) وزاد بقوله (لذا فنحن نعول على قواعد حزب الامة في تغيير خط الحزب لأننا ندرك حجم تبرمها).. تحليلات كثيفة ربما مصدرها الحزب الحاكم كمستفيد من حالات الاحتقان داخل قوى الاجماع الوطني تناولت مصير حزب الامة على ضوء قراره الاخير وتجديد الامام لمبادراته اقل التحليلات تشاؤماً أكدت حدوث هجرة جماعية لرافضي القرار الى تيارات الامة المختلفة مع الامام سواء مبارك الفاضل أو مادبو، لكنها ما زالت تستمسك بالعروة الوثقى في عدم المشاركة مع الوطني، فيما اعتبر آخرون الخطوة نفسها ستقود الى تصدعات وانشقاقات في الحزب بسبب وقوف بعض واعتراض بعض القيادات على خط الامة الموصوف في كثير من الاحيان بالرمادي. واخر التسعينات الحزب الحاكم أعتبر خطة المعارضة محاولة لاستنساخ التجربة الليبية المسلحة التي تمكن عبرها الثوار من إسقاط نظام القذافي وأن الحكومة لن تسقطها هذه القوى ولو منحت مائة عام , و إن إسقاط الحزب الحاكم لن يتم إلا إذا اختار ذلك الشعب السوداني عبر صناديق الاقتراع في انتخابات حرة ونزيهة، وإن حزبه حينها سيكون أول من يقبل بالنتيجة. الوطني لم يقف عند حدود (تبخيس) خطة المعارضة وسعى لربطها بالعواصم الاجنبية من قبل بعض الدوائر الغربية والدول التي لها عداء مع السودان ومشروعه الوطني والإسلامي التحرري في محاولة لتجميع الحركات المسلحة مع بعض قوى الداخل من أجل إحداث التغيير وإسقاط النظام بالقوة العسكرية . المعارضة السودانية لم تحفل كثيراً بسخرية الحزب الحاكم أو تخوينه لخطتها ، ومضت لتقر عملياً تنفيذ خطة (المائة يوم) لإسقاط النظام ونقلت تقارير اعلامية عن فاروق أبو عيسى رئيس هيئة تحالف قوى الإجماع الوطني ان الخطة غير سرية , وبدأت في الأول من يونيو الحالي وتشمل حراكا جماهيريا عبر عقد ندوات في مدن العاصمة الثلاث والجامعات، رافضاً التطرق الى عمل عسكري في سياق الخطة. المفاجأة التي سممت أجواء الخرطوم بحسابات المعارضين أو ربما لطفتها بحسابات منسوبي الحزب الحاكم، حملتها تصريحات الامام المهدي بتبرؤه من خطة المعارضة، طارحاً مبادرة جديدة أطلق عليها اسم ?مشروع ميثاق لنظام جديد، وشدد المهدي في مؤتمر صحفي عقد بدار حزبه على أن حزبه لم يكن ضمن الأحزاب التي باركت خطة المائة يوم، وأنه يجري حوارا مع الجبهة الثورية للاتفاق على أعتماد الحل السلمي، مبيناً أن مبادرته الجديدة تهدف إلى جمع أكبر قدر من التوقيعات، لتغيير النظام عبر الوسائل السلمية، وقال إن هذا المشروع يعتبر البداية الفعلية لتغيير النظام، مشيراً إلى موافقة قواعد حزبة بالمركز والولايات، على الميثاق بعد اطلاعها على بنوده، لافتاً إلى ضرورة وقوف الأحزاب والقوى السياسية وراء الميثاق. من جانبه أوضحت قوى الاجماع أن كل خطوات قوى الاجماع في سياق خطة المائة يوم تمت بعلم وهندسة حزب الامة، وكشف محمد ضياء الدين عضو قيادة قوى الاجماع ان خطة 100 يوم للتغيير، التي تبرأ منها رئيس حزب الصادق المهدي، تم طبخها في دار حزب الامة القومي ، وان الاخير كان لاعبا اساسيا فيها ، وتعهد التحالف بالمضي في التغيير الديمقراطي للنهاية وعدم انتظار أي متخلف، وجدد التحالف تمسكه بالنهج السلمي الديمقراطي في تغيير النظام ولوح باللجوء الى خيارات سياسية اخرى من بينها العمل السري وتعبئة الشارع حال اصر النظام على اعاقة فعاليات المعارضة في اطار خطة المائة يوم، وحملت قوى الاجماع ،المؤتمر الوطني والحكومة مسئولية اي تفلتات أمنية يمكن ان تنجم عن ملاحقة رموزه والتضييق على نشاطهم، وشدد عضو هيئة التحالف ضياء الدين محمد في مؤتمر صحفي عقد امس بدار حزب المؤتمر الشعبي ،انه لا شئ »يمكن ان يخفينا أو يسثنينا عن تنفيذ الخطة«، مؤكدا استعداد قادة التحالف لاية مواجهات مع النظام ،واشار الى ان خطة ال 100 يوم حملة لاستنهاض العمل السياسي والقوى الجماهيرية وتعبئة الشارع للتغيير الديمقراطي ،وليس القصد منها التغيير خلال 100 يوم. واضاف »يمكننا من خلال الحملة تغيير النظام قبل او بعد المائة يوم، ولسنا اغبياء لنحصر اسقاط النظام في مائة يوم فقط، والا لما بقينا 24 عاما«، واستنكر تصريحات الحزب الحاكم المستهزئة بخطة المعارضة ووصفها بغير العاقلة، واعلن عن قيام ندوة مركزية في الاسبوع الختامي للمرحلة الاولى نهاية يونيو بميدان المولد. ووجه ضياء الدين صوت لوم للاعلام واتهمه بالتحول من سلطة رابعة الى سلطة تابعة للنظام ، وقال » حتى كتاب الرياضة بقوا بتعلموا في المعارضة » ، مشيراً الى ان المعارضة بصدد اتباع كل الاجراءات القانونية والديمقراطية لعقد الندوات الجماهيرية . من جانبه ، اعتبر عضو التحالف كمال عمر ربط الحكومة بين برنامج الجبهة الثورية وخطة المائة يوم، مؤشراً على ان النظام يضع سيناريو لاعتقال قيادات التحالف ،ورأى ان النظام آيل للسقوط، ويمكن ان يذهب في 30 يوما وليس 100 يوم ،وحمل عمر الحكومة مسئولية بنية الدولة. واشار الى ان خطة اسقاط النظام ماضية و«ماح ننتظر احد وما ح نعاين لاي متخلف«،وتعجب من تصريحات رئيس حزب الامة الصادق المهدي التي تبرأ فيها من خطة المائة يوم، وقال ان الخطة كانت وصفة من داخل مطبخ الحزب، وان الامة عضو في كافة لجان التحالف بجانب مشاركة شباب الحزب في ندوات التحالف، فضلا عن توقيعه وثيقة البديل الديمقراطي التي حددت خيارات التعامل مع النظام بين الاسقاط اوالتغيير . وكشف عن رغبة حكومية لعقد لقاء بالخرطوم، يجمع كافة القوى السياسية الموالية والمعارضة للحكومة، مع الرئيس عمر البشير لتطرح الرؤى والأفكار، للخروج بحل لأزمة البلاد الراهنة، ودعا المهدي، حكومة الخرطوم، للتراجع عن قرار إيقاف ضخ نفط دولة جنوب السودان، وإلغاء اتفاقيات التعاون التسع، واصفاً مبررات الحكومة لإغلاق الأنبوب، بالواهية. اذاً ثمة سحب سوداء تتجمع في سماء المعارضة السودانية على ضوء موقف الامام، المتخندق في خندقها والرافض لفكرتها في آن، الامر الذي وصفه د.ربيع عبد العاطي القيادي بالمؤتمر الوطني بأنه طبيعي ومتوقع من الامام المهدي لجهة أن للرجل دائماً وجهة نظره المختلفة وقال ل(الرأي العام)(خطة المائة يوم تكشف بوضوح أن المعارضة ليست لديها خطة ليوم واحد ، وانما هي مجموعة من الاكاذيب التي تطلقها المعارضة فتقول ما لا تستطيع فعله) وسخر ربيع من تاريخ المعارضة وأنها لم تستطع اخراج مظاهرة ناهيك عن اسقاط نظام مشيراً الى تجربة الفقيد محمد ابراهيم نقد وحضوره بعد الاتفاق على مظاهرة ولم يجد أحداً واضاف( على المعارضة أن تستحي) واعتبر ربيع أن الصادق يتفق أو يختلف حسب اتجاه الريح وأن له وجهة نظره وأضاف( لكن بالتأكيد تبرؤ الامة من الخطة المزعومة يجعلها معدومة وكأن لم تكن). محللون مقربون من دوائر المعارضة يذهبون الى ان الامام المهدي دائماً يلعب في المساحة التي تلقي طوق الانقاذ للنظام، ويرجعون ذلك بطبيعة الامام التوافقية ويرى ايهاب محمد الحسن الناشط بصفوف المعارضة في حديثه ل(الرأي العام) أن موقف الصادق لا يتسق مع قواعد حزبه من الشباب والطلاب والقيادات الحريصة بالعبور بالبلاد الى بر الامان وقال( المهدي يستصحب دوماً التقارب الايدولوجي والعقائدي بين حزب الامة بخلفيته الدينية وبين نظام الخرطوم، لذا تأتي مواقفه ربما حنونة نوعاً ما على النظام في مفصل تغييره، لكن المهدي بالتأكيد لا يقصد بيع المعارضة او تخذيلها). وأعتبر الحسن أن مستقبل الخطة على ضوء موقف حزب الامة، لا يتغير بأعتبار أن قرار مؤسسات الحزب أو الاحزاب الاخرى يتيح للعضوية التحرك بدون قيود والتفاعل مع قرارات قوى الاجماع الوطني دون أن تصادر الاحزاب رغبات العضوية حال كان التمثيل شخصياً، وأضاف(الامة أو غيره من الاحزاب ، لا يعني قراره أن عضويته غير متفاعلة او مشاركة أو حتى مساهمة بفعالية، بل يعني ذلك التحلل من قيود الحزبية لصالح الاطار الكلي في التحالف ومن ثم الانخراط في العمل عبر قنوات التحالف دون ازدواجية بقنوات حزبية) وتابع(الخطة ستمضي فعدم وجود الامة أو غيره لا يلغي التحالف أو قراراته او خططه).