عندما كانت جريزلدا الطيب الميلاد 1925 تتوكأ على عصاتها ويعفر أقدامها تراب الشارع المؤدي إلى منزل أهل زوجها عبد الله الطيب بحلة (التميراب) بالدامر كان البروفسير القادم معها كل سنة من الخرطوم أو لندن مسقط رأسها أو جامعة فاس بالمغرب يتجه إلى دكان صغير لبيع منتوجات السعف من المقاقيش والبروش والطباقة . وبعد أن يضجع على عنقريب بدون لحاف يبدأ سؤال أصحاب السوق ورواده من أهل الحلة قائلاً : أنت يا عثمان دحين بقرتك العمنول كانت داره جابت شنو؟ ... وأنت يا حسن وجع الراس المشيت تداويه في الخرطوم إن شاء الله خلاك ... وهكذا يمضي البروفسير الحائز على جائزة الملك فيصل العالمية والدكتوراه من جامعة لندن وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة وقام بتطوير كلية باييرو بكنو بنجيريا إلى جامعة كل إجازته وسط هؤلاء الغبش . هذا العبقري شاهدناه منذ أيام خلال احتفالية بمرور عشرة أعوام على وفاته ، يقف له حكام السعودية وخدام بيت الله الحرام تقديراً وهو يتسلم جائزة الملك فيصل العالمية والتي نالها كتابه (المرشد إلى فهم أشعار العرب) ... والذي تعهد الشيخ علي عثمان محمد طه بإعادة طباعته وتوزيعه لطلاب الجامعات ... كما شاهدنا ملك المغرب الحالي محمد السادس عندما كان ولياً للعهد يجلس أمامه على الأرض ويستمع مع كبار علماء دولة المغرب لمحاضراته التي يقدمها بحضرة (الحسنية) بمدينة فاس عندما كان أستاذاً للغة العربية بجامعتها ... ولا عجب أن تنال أرملته وسام الإمبراطورية البريطانية العظمى ... فقد قامت بتصميم الرسوم التوضيحية للعديد من مؤلفات زوجها الخمسين ، بالإضافة إلى لوحات رائعة عن الدامر وكسلا وأمدرمان ... وقد فاضت دموعها عندما قلدها النائب الأول لرئيس الجمهورية في ختام الاحتفال وسام الخدمة الطويلة الممتازة تقديراً لتعاضدها مع زوجها ... كما أنها ناشطة في الهلال الأحمر السوداني ودار تأهيل الأطفال المعوقين بالخرطوم وعضو جمعية الآثار ودار السلام UNDIP وقامت بتصميم نتيجة الخرطوم للعام 1994م . البروفسير عبد الله الطيب الميلاد 1921م والوفاة 2003م ... قام بتفسير القرآن الكريم بالعامية السودانية وكان لذلك أثره الواضح في تقريب فهم المصحف لملايين السودانيين ... وفد سعى كثيرون بعد رحيله لإعادة طبع ذلك التفسير في أشرطة فيديو او CD تجارياً ... لكنهم اكتشفوا أن هذا العالم ترك وصية بأن يكون هذا العمل وقفاً خالصاً لله تعالى وتصادف هذا مع وصية أرملة الحاج بشير النفيدي سعاد إبراهيم مالك بإنشاء إذاعة دعوية باسم (الريان) من منزلها بالخرطوم اتنين ... وتقرر أن تعيد بث ذلك التفسير الذي استغرقت حلقاته عشر سنوات من بداية عهد الفريق عبود عام 1958م .