لم يستطع الموسيقار بشير عباس إخفاء إحباطه مما يدور على صعيد التأليف الموسيقي.. فالرجل الذي يجلس على قرابة خمسين مقطوعة موسيقية يوشك أن يبارح المجال الذي أفنى فيه عمره بعد أن هجره الموسيقيون متوجهين الى ألحان الأغاني بدلاً عن التأليف الخاص.. بشير عباس غاب عن السودان طيلة عقد من الزمان وعاد ليجد متغيرات في مجال الموسيقى تتكشف له رويدا رويدا.. في هذه المساحة بشير عباس كمراقب للساحة الفنية. * هل أنت متواجد فنياً أم مراقب فقط لما يدور في الساحة؟ الاثنان معاً. * كيف؟ أنا متواجد منذ ثمانية أشهر في السودان وهذه أطول فترة أمكثها منذ فترة غيابي التي امتدت لأحد عشر عاماً، وفي هذه الفترة ظهر الكثير من الفنانين فمنهم الجيد والوسط وما دون ذلك. * ماذا فعلت طيلة هذه الأشهر الثمانية؟ أربعة أشهر ضاعت منها هباءً منثوراً، لأن هناك شركة وهمية منذ وصولي تبنت يوبيلي الذهبي وبعد اجتماعات وجري واتصال بفنانين اتضح أنها وهمية ولا وجود لها، وكل ما يحددون موعداً يتراجعون عنه. أخيراً تقدم الطيب مصطفى مدير جامعة المستقبل وتبنى هذا الاحتفال كتكريم ويوبيل ذهبي في نفس الوقت، وقالوا إنهم سيقيمون تكريما لم يحدث في تاريخ السودان، وأرى أنهم يعدون من أجل ذلك، وسوف يبدأ في منتصف أغسطس وحتى الثاني والعشرين منه، كما ستقوم كل القنوات بنقل حفل الختام. * الملكية الفكرية خلقت مشاكل بين الفنانين، هل الأمر سوء فهم بالقوانين أم جشع من أصحاب الحقوق؟ عدم فهم من الفنانين الذين يهضمون حقوق الفنانين، مثلاً لي أغنية (بلادي يا سنا الفجر) التي يؤديها الراحل أبو داؤد، أربع مرات تقدم على أنها من ألحان برعي محمد دفع الله وهذه من الخلافات التي بيني وبين قناة النيل الأزرق، أيضا عبد الوهاب وردي قال إنه يريد أن يجدد في لحن أغنية (لون المنقة) قلت له إن اللحن لوالده ولحنت له كل الاكتوبريات، وقلت هذا الكلام في حياة وردي حتى لا يقول الناس اني ادعي بعد مماته هناك أشياء لا يعرفها، مرات الحق الأدبي أهم من الحق المادي. * كيف علاقتك مع البلابل الآن؟ البلابل بناتي وليس لديّ معهن مشكلة ولا هن لديهن معي مشكلة تجاوزنا القديم وأصبحنا في سن لا تسمح لنا بالمشاكل. * هل هناك مشاريع جديدة معهن؟ نعم هناك تعاون جديد معهن، وفي حفل الختام في تكريمي سيتغنين بأغنية سمعها الناس مرة أو مرتين. * الموسيقى السودانية كيف تراها وإلى أين تتجه؟ الموسيقى في محنة ما بعدها محنة، والله نحن كنا عندما نعلن مقطوعة جديدة كل السودان يتحدث عنه.. الآن من الذي لديه تأليف موسيقي.. أنا أول من أدخل موسيقى الأغاني، والآن أغلبية الموسيقيين توجهوا لهذا النمط، لكن تأليف (مافي) وأتحدى أي موسيقي لديه مقطوعة يعرفها الناس. * ولكن حافظ عبد الرحمن والفاتح حسين وعثمان محيى الدين لديهم حفلات قرّبت الناس للموسيقى البحتة؟ حافظ رجل له تأليف موسيقي جاد.. الفاتح حسين مجتهد.. عثمان محيى الدين يعمل في ألحان الأغاني أكثر من التأليف وهو عازف متمكن وله شخصية وفنان بمعنى الكلمة. * ما سبب شح التأليف الموسيقي؟ الآن هناك مناصب فنية وموسيقية وبدون موهبة فنية دكتور.. بروف.. ولا يوجد مردود أو أعمال موسيقية. والسبب كذلك هو كثرتهم (كتروا لدرجة ان الواحد ما يعرف يسوي شنو؟ المطربون أصبحوا أكثر من المستمعين). * تردد كثيراً أن الجنوب هو ملهمك في كثير من ألحانك.. هل غاب هذا الإلهام بالانفصال؟ صحيح الجنوب ملهمي، ومشاعرنا وعاطفتنا تجاهه لا يمكن أن تنفصل، هي باقية إلى الأبد، أما فصل الحدود فهو قرارٌ سياسيٌّ. * ألحان بشير عباس هو اسم لإحدى بناتك ماذا قصدت به؟ رد ضاحكاً: عشان زول يغالطني مافي. * برأيك لماذا لم تترك تجربة الملحنة أسماء حمزة في التلحين؟ أسماء أول ملحنة في العالم العربي والأفريقي، وإن لم أبالغ في كل العالم لم أسمع بملحنة، دائماً السودان محظوظ بأن لديه اشياءً فريدة فليس هناك في العالم مثل الفنان ابراهيم الكاشف أو الملحنة أسماء حمزة، فالكاشف أنا اعتبره ثامن عجائب الدنيا السبعة. * لماذا لم تتجه امرأة الى مجال التلحين برأيك على الرغم من وجود فنانين كثر؟ هذا شئ علمه عند الله لذلك يفترض أن تجد أسماء الاهتمام. * هي من علمتك عزف العود، ألا يتنافى ذلك مع تقاليد المجتمع الذكوري؟ أبداً هي أختي بت عمي أبوها توأم والدي، كنا في بيت واحد، كان عادي جداً وهي كانت من تمتلك العود الحمد لله امتلك اعداداً من العود، فهناك عود أهداني إياه صدام حسين موجود في الإمارات أريد أن أعمل له بعض الترميمات، فهوايتي الآن كلما أجد عوداً قديماً أفضله أكثر من أي شئ آخر. * العود مقارنة ببقية الآلات في انحسار، ما سبب ذلك؟ الانحسار بسبب الفنانين أنفسهم وأصبحت الحكاية كي بورد على الرغم من أن العود آلة رئيسية تغني وتلحن وتحفظ، إلا أن عصر السرعة دخل حتى على الموسيقى فأصبحت على شاكلة فاست فود، يفترض أن ينتبه الموسيقيون للأمر. * كليات الموسيقى.. ما دورها في ذلك؟ معهد الموسيقى الجهة الرئيسية المسؤولة عن ثقافة الفنانين، هي جهة أكاديمية بخطط فنيه ينتهجها كل العالم ورغم ذلك الموهبة هي الأهم لأن الوظائف الفنية عملت مظهراً للفنانين أكثر من الفن للمجتمع. * هل لديك اتجاه للتلحين لشباب الفنانين؟ أنا مع تشجيع الشباب، لحنت أغنيتين للفنان حسين الصادق وهو كرمني، فلابد أن أكرمه أنا كذلك.. هذا إلى جانب دعمي للأصوات الجميلة وكل من اقتنع به سأدعمه.. وأنا كذلك من المعجبين ببرنامج نجوم الغد الذي يشير إلى أن عجلة الفن غير متوقفة، كل يوم نسمع أصواتاً جديدة.