موسيقى تصويرية هادئة ، مع أضواء خافتة بأحد المطاعم ، يجلس مجموعة من الرجال حول طاولة، تقترب رؤوسهم وهم يتهامسون ، ثم ترتد أجسامهم بقوة إلي الخلف وسيل من الضحكات المجلجلة يملأ فضاء المطعم الخالي من الرواد عدا الجالسين حول الطاولة ، صمتوا فجأة وفي وقت واحد، فقد ارتفع صوت نغمة يعرفونها جيدا من هاتف الشخص الذي يتصدر الطاولة وبدا أنه كبير الجلسة ، خطف هاتفه سريعا وقد تغيرت ملامحه من كبير للجلسة إلى تابع للصوت القادم من الهاتف ، ظل يردد كلمة ( تمام) باستمرار والمنديل يمسح الوجه بحركة لا إرادية ، واليد تذهب في اتجاه الكوب ترفعه وتنزله سريعا قبل أن يرتفع جيدا من مكانه ، دار الحوار الذي لم يفهم تفاصيله المسمرون في كراسيهم خوفا من إصدار صوت يصل إلي المتحدث الغامض فيعرف مصدره . انتهت المحادثة ، وظهرت الجدية علي وجه كبير الجلسة ، فنطق بكلمتين بعد أن أطرق برأسه برهة من الوقت ( الريس زعلان) . بعد سماع الحديث استأذن إثنان للذهاب إلي الحمام ، وطلب ثالث إجراء محادثة مع (ناس البيت) ، فأجلسهم كبير الجلسة بإشارة من يده والعرق يغطي وجهه المكتنز قائلا:( اقعدوا ياجماعة أنا ذاتي عندي وجع بطن وعايز أمشي الحمام لكن لازم نقعد عشان نحاول نرضي الريس وانتو عارفين الريس لما يزعل نشوف لينا بلد تانية أحسن .) . هذه الصورة التي تعكس العلاقة بين (الريس والحاشية) هي علاقة مصالح متقاطعة ، الجزء الاكبر من الحاشية (قطيع) يساق بالإشارة حسب متطلبات الزمان والمكان الذي يفترض أن يتواجدوا فيه ، أما البقية فهم مجموعة من الانتهازيين بعضهم له مطامع في مرحلة يتوقعونها قادمة ، وبعضهم له مصالح آنية يسعى للخروج منها بأكبر المكاسب . الهدف من العلاقة التي تجمع ( الريس والحاشية) تدمير النادي الكبير تحت شعار إنقاذ النادي ، والغاية هنا تبرر الوسيلة فالمكيافيللية تكاد تكون في جينات ( الاداري الصغير) ، وهو الاسم الذي يستحقه في تقديري ، وإن كنت أرى صفة (الاداري) أكبر من مقاسه بكثير ، ويكفيه أن يكون (صغيرا) لأن كل ممارساته وسلوكياته في عالم الإدارة الذي دخله في غفلة من الزمن تؤكد أنه لم يصل حتى مرحلة ( الحبيان). الإداري الصغير ، عمليا هو خارج مشهد النادي الكبير ولم يعد ينتمي له ، وعلى أرض الواقع هو جزء لايتجزأ من نادي آخر منافس في الدوري الممتاز ، لايملك صفة رسمية ، ولكن ضعف مجلس الإدارة وهشاشة تكوين هذا النادي جعله الكل في الكل من البوابة التي قدمته كأسوأ وأفشل رئيس مجلس إدارة مر في تاريخ النادي الكبير وهي ( بوابة المال) . رغم كل هذه الحيثيات التي تجعل ( الصغير) الأبعد عن النادي الكبير ، إلا أن مراراته الشخصية وهي مرارات الصغار مازالت كالعلقم في حلقه وهو يتلقى الضربات الموجعة واحدة وراء الأخرى ، آخرها السقوط المدوي في انتخابات النادي الكبير الأخيرة ،متذيلا ترتيب المرشحين عن جدارة واستحقاق ، جعلته يعمل من أجل الانتقام ، وهي دلالة أخرى على عقلية هذه النوعية من الإداريين الصغار الذين لايؤمنون بالعملية الديمقراطية ، ولايفرق معه كثيرا أن تحرق روما بمن فيها في سبيل تحقيق رغبته الخايبة في الانتقام . أواصل