استفز التصريح الذي أصدره مارك سيموندز وزير شؤون افريقيا في الحكومة البريطانية، حول مشاركة الرئيس عمر البشير في قمة الاتحاد الأفريقي بخصوص مكافحة أمراض الأيدز والملاريا والسل، في نيجيريا الأسبوع الماضي، الحكومة السودانية بشدة، مما دفع وزارة الخارجية إلى التصدي للأمر والتعامل على وجه السرعة مع حديث الوزير بإصدار بيان شديد اللهجة، في خطوة يرى بعض المراقبين انها ربما تشكل بداية أزمة بين الخرطومولندن اللتين تتصف علاقاتهما بانها تاريخية راسخة وضاربة الجذور، وهو أمر غير معهود في تاريخ العلاقات السودانية البريطانية التي تتسم بالتقدير المتبادل واحترام الخصوصية والتعاون البناء. ومما يرجح احتمال نشوب أزمة نتيجة هذا الموقف بين الجانبين، أن ما ورد على لسان وزير الشؤون الأفريقية مارك سيموندز لم يكن موقفا شخصيا يخص الوزير وإنما تعبير عن موقف رسمي للحكومة البريطانية، حيث أن البيان المنسوب لسيموندز تم نشره على الموقع الرسمي لوزارة الخارجية البريطانية، وبالتالي فإن أي اتجاه لنزع صفة الرسمية عن التصريح أو اعتباره موقفا غير رسمي من بريطانيا ليس ورادا على الأقل حتى الآن. وزير الشؤون الافريقية في الحكومة البريطانية، قال في البيان الذي أصدره في لندن، إن استضافة نيجيريا للرئيس عمر البشير توجه رسالة مفزعة للضحايا، مفادها أن المحاسبة التي ينتظرونها ستتأجل مجددا، وقال الوزير أيضا: ترتبط المملكة المتحدة بعلاقات قوية وثابتة مع نيجيريا وبالتالي خاب أملي لكون نيجيريا قد اختارت استضافة الرئيس السوداني البشير لحضور فعالية تتعلق بالاتحاد الأفريقي، رغم وجود مذكرات اعتقال صادرة ضده من المحكمة الجنائية الدولية تتعلق بزعم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وأعمال إبادة، إن ذلك يقوض عمل المحكمة الجنائية الدولية ويرسل للضحايا رسالة مخيبة للأمل بأن المحاسبة التي هم بانتظارها سوف تتأخر لفترة أطول. تتحمل الحكومة البريطانية التزاماتها بجدية كدولة عضو في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وتهيب دائما بالدول الأخرى الأعضاء في جميع انحاء العالم أن يتحملوا مسؤولياتهم أيضا. وفي الخرطوم، عبرت وزارة الخارجية - في بيانها الذي عاجلت به تصريح المسؤول البريطاني- عبرت عن أسفها للحديث الذي أطلقه حول مشاركة الرئيس البشير في قمة الاتحاد الافريقي المخصصة لمكافحة أمراض الايدز والملاريا والسل التي استضافتها نيجيريا، وأوضحت أن الخرطوم ترى أن حديث المسؤول البريطاني يتضمن إحتقاراً بالغاً للإتحاد الإفريقي الذي قرر في قمتين متتالتين في كل من سرت وأديس أبابا؛ عدم التعاون والتعامل مع محكمة الجانيات الدولية، ونبهت الخارجية المسؤول البريطاني إلى أن قرار عدم التعاون مع الجنائية صادر عن منظمة تعبر عن إرادة الدول الأفريقية جمعاء وهي الاتحاد الافريقي، اضافه الى أنه ضرب بحديثه عرض الحائط بحكمة القادة الأفارقة وإحساسهم بمسؤولياتهم السياسية والأخلاقية، وهو بالقطع حديث ينم عن إستخفاف بإرداة الشعوب الأفريقية وخياراتها الديمقراطية المتاحة - طبقا لبيان الخارجية-. حديث الوزير البريطاني يصنف وفقا لبيان الخارجية - بانه أسوأ نموذج لازدواجية المعايير وعدم الإتساق الأخلاقي والسياسي، يوضح أن معايير المحاسبية طبقا لافادة البريطاني المتبني لمبادئ المحكمة الجنائية مختلة وغير عادلة، حيث أن الخرطوم ذكرت بريطانيا بمشاركتها في غزو العراق عام 2003م وتضليلها للرأي العام المحلي والعالمي بمبررات كانت هي على قناعة بأنها كاذبة، حيث تسبب الغزو في مقتل قرابة المليون شخص، الأمر الذي يفقد لندن وبالتالي وزيرها السند الأخلاقي للحديث باسم ضحايا العنف في دارفور أو أي مكان آخر في العالم، ونبهت الخرطوملندن بالمقابل إلى أنها ما زالت تستضيف قيادات حركات التمرد بدارفور المسؤولة عن استمرار العنف وإغتيال الموقعين على إتفاقية الدوحة، علماً بأنهم مطلوبون للعدالة لمحاسبتهم على تلك الجريمة، كما ان حديث الوزير البريطاني يعد استخفافا بإرادة الشعوب الأفريقية وخياراتها الديمقراطية، لجهة أن البشير تم اختياره فى انتخابات حرة ونزيهة. مصدر حكومي تحدث ل (الرأي العام)، حمل لندن مسؤولية حديث وزيرها للشؤون الافريقية في حق الرئيس البشير، ويرى المصدر أن حديث الوزير يشكل رأي حكومة بلاده باعتبار أن بريطانيا دولة مؤسسات وأن أي حديث ما يصدر عن أي مسؤول يعبر بالضرورة عن رأي وموقف حكومته ما لم تصدر من لندن إشارات مختلفة بعكس ما قال به وزيرها. مراقبون يعتبرون أن حديث الوزير البريطاني بالقطع لا يمكن أن يصدر على عواهنه، ويرون أنه يشكل موقفاً رسمياً من الحكومة البريطانية ما لم يصدر عن حكومته عكس ما قال به وهو ما لم يحدث حتى يوم أمس، وبما أن الاتجاه الغالب للإتحاد الأفريقي والدول المنضوية تحت عضويته هو التمسك والوقفة الصلبة مع قراره القاضي بعدم التعامل والتعاون مع المحكمة الجنائية وقراراتها، فإنه بالمقابل ستنشط الجهات والمنظمات التي تتبنى خط المحكمة في إجراء تحركاتها للفت الانتباه وهي - برأي المصادر المطلعة- تمثل زوبعة في فنجان، ويعتقد البعض أنه ليس من مصلحة بريطانيا او أي دولة اوربية أخرى اتخاذ اي مواقف جديدة فيما يلي تبني توجهات محكمة الجنايات الدولية نحو أفريقية لجهة أن أية خطوة في هذا الخصوص سوف تعضد وتقوي من مواقف الدول الافريقية المسنوده بقرار اتحادها. السفير أبو بكر الصديق الناطق باسم الخارجية قال ل (الرأي العام)، إن الوزارة تعاملت مع التصريح الصادر عن مسؤول شؤون افريقيا باعتباره موقفا رسميا من الحكومة البريطانية، ولذلك أصدرت البيان، وأضاف بأن الوزارة لم تستدع السفير البريطاني في الخرطوم لاستجلاء الأمر يوم أمس، غير انه لم يستبعد الخطوة حتى تقف على الحقائق. عليه فإن ردة فعل وزارة الخارجية السودانية طبيعية وعادية، فيما يعتبر موقف الوزير البريطاني مشوشا لعلاقات البلدين، وإلى حين أن تتلقى الخرطوم اشارة من لندن غير التي عناها وزيرها للشؤون في افريقية، يبقى أن ثمة أزمة دبلوماسية بدأت تلوح فى الأفق بينهما.