(لا اعتراف او تفاوض مع قطاع الشمال والعدل والمساواة وتحرير السودان)عبارات رئاسية لا تزال ترن ويتردد صداها في اذن الخرطوم، كرد فعل على دخول الجبهة الثورية لأب كرشولا وام روابة، لكن مجلس الامن أمس الاول، تجاوزها محاولاً وضع نقاط التحدي في مواجهة قرار الخرطوم، بتشديد بيانه على ضرورة الاستئناف الفوري للمباحثات المباشرة بين الطرفين، والسماح لمواد الإغاثة بالوصول للمتضررين في المنطقتين جنوب كردفان والنيل الازرق.. لتكون أولى بوادر التحدي هل ستفاوض الخرطوم قطاع الشمال؟!! تاريخياً موقف الخرطوم الرسمي والمعلن كان رفض التفاوض مع القطاع ككيان سياسي وتم اختزاله في حالة تمرد وخروج على شرعية الدولة ليس إلا، وظلت قيادات حزبها الحاكم تعتبر ما يغذي بقاء القطاع ينبع من أحقاد الحلو وعقار وعرمان واعتبر مسئولوها ان النظر للقطاع ككيان سياسي يفتح الباب لتمردات أخرى بحسب منطق الحزب الحاكم وان النظر له يجب ان يكون عن طريق مكوناته من أبناء النيل الأزرق وجبال النوبة.. من جانبها ظلت الحركة الشعبية قطاع الشمال تربط زمنياً بين موافقتها على الحوار بأديس أبابا وبين تحركات دبلوماسية مكوكية تقوم بها الى واشنطون وغيرها من عواصم العالم الاول، بهدف كشف تكتيكات الحزب الحاكم في الخرطوم وإحكام الحصار حوله، بالاضافة لأنها طرحت في مواجهته قدرتها في تكوين التحالفات وإمكانية تطويرها سواء في الجبهة الثورية او الفجر الجديد من بعد ذلك. التفاوض بين الخرطوم والغاضبين من ابنائها في الحركة الشعبية قطاع الشمال كطرفين، أخذت ملامحه الاولى تتشكل عقب انفجارات كادوقلي والدمازين التي دشنها عبد العزيز آدم الحلو وأردفها مالك عقار في عام الانفصال 2011م، لتكون محصلة أول لقاء بين الوطني وقطاع الشمال على أرض الحبشة ما يعرف باتفاق نافع/ عقار في 28 يونيو 2011م، الذي اعتبر بداية اعتراف الخرطوم بقطاع الشمال سياسياً، ليحيله الرئيس البشير بعد عودته من زيارة الصين الشهيرة ومن داخل منبر مسجد النور وبناء على توصية المكتب القيادي الى خانة الالغاء.. الخرطوم ظلت مستعصمة برفضها طويلاً أحياناً بدعوى ومبررات القرار الرئاسي واحيانا اخرى بدعوى الاستجابة لمن يعتبرون الاتفاق بمثابة (نيفاشا تو)، ليضع قرار مجلس الامن 2046 حداً لممانعة الخرطوم واستعصامها الرافض، بالنص على أن يكون اتفاق نافع/عقار مرجعية للتفاوض وارضية للحوار بين الطرفين.. يوليو من العام 2012م، كان اولى خطوات الخرطوم وقطاع الشمال في الاستجابة للشرعية الدولية امتثالاً لقرار مجلس الامن، فكان يوليو ذاك توقيتاً لأولى الجلسات عبر الملف الانساني لتنتهي الجولة باتهامات حكومية صارخه، وصف خلالها د.كمال عبيد رئيس الوفد الحكومي المفاوض، وفد الحركة الشعبية ? قطاع الشمال- بغير الجاد وغير الراغب في الوصول إلى سلام واستقرار وما فيه خير مواطني المنطقتين- بحسب تعبيره . يوليو لم يكن يتيماً، وتبعه سبتمبر من العام الماضي كموعد لانطلاق الجولة الثانية بين الخرطوم وقطاع الحركة الشمالي، جولة جاءت مترعة بالتعبئة والتعبئة المضادة، أصرت فيه الحركة على تبني الملف الانساني وفتح الممرات لمرور الاغاثة، فيما كان للحكومة اجندتها الواضحة والمباشرة وكروتها التفاوضية المعلنة بربط الملف الانساني والامني تفاوضاً في ذات التوقيت، لتنتهي الجولة كما سبقتها دون نتائج.. ثالث الجولات بين الطرفين وآخرها جاءت في أعقاب أجواء ايجابية وتركيز عالي لجهود المجتمعين الدولي والاقليمي على ملف دولتي السودان وجنوب السودان تمخضت عنها ما يعرف باتفاقات التعاون التسع في 27 سبتمبر من ذات العام، ليمهد الطريق أمام الثالث والعشرين من ابريل من العام الحالي، فجاء محملاً بتغييرات متبادلة في هياكل المفاوضين وشخوصهم، ودفع الحزب الحاكم في الخرطوم بأكثر رجالاته قبولاً من القوى السياسية وأوفرهم مرونة وسمى البروفيسور ابراهيم غندور رئيساً لوفده، فيما فجر آنذاك قطاع الشمال حينها مفاجأة عدها المتابعون من العيار الثقيل باختياره ياسر عرمان رئيساً للوفد لجهة أنه يعتبر عدو الخرطوم الاول، واستبقت الحركة الجولة وقتها بالدفع بما عرف بمبادرة الحل الشامل لحل قضايا البلاد، واقترحت فيها عقد مؤتمر دستوري قومي جامع لكل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني برعاية آلية الوساطة الافريقية برئاسة ثامبو امبيكي ورئيس منظمة الايقاد بجانب مشاركة المنظمات الاقليمية والدولية وأعلنت رفضها القاطع لتجزئة قضايا التفاوض، لتنتهي الجولة كما شقيقاتها دون نتائج تذكر ويغلق الملف متزامناً مع هجوم الجبهة الثورية على أب كرشولا، ويختم عليه بالتصريح الرئاسي (بلا تفاوض) .. مبدأ التفاوض مع قطاع الشمال اعتبره أنصار الحزب الحاكم نقطة فاصلة في مسيرة الحزب، ويمكن أن تعصف باستقراره الداخلي، ويتيح ل(شمات) المعارضة التشفي في صقور الوطني، بينما قلل قطاع آخر من تأثير أي قرار للوطني حول مفاوضة قطاع الشمال، ويذهبون الى أن تماسك الحزب وانضباطه قبل ان يكون عبر النقاش والاقتناع داخل المؤسسات، يرتبط أيضاً بالعمل التنظيمي والانضباط الذي يتيح الانصياع لتوجيهات المكتب القيادي حال تم اتخاذ قرار بالتفاوض، ويرى عضو وفد التفاوض الحكومي العميد(م) الشفيع الفكي المأمون مسئول القطاع السياسي للمؤتمر الوطني بجنوب كردفان في حديثه ل(الرأي العام) أمس أن التفاوض من حيث المبدأ لا غبار عليه ، وأن الحوار والتفاوض لابد منه حتى وان حدثت حرب، واستدرك :(لكن فقط تحكمه الظروف التي ادت الى رفض التفاوض كحل، فاذا زالت مبررات رفض التفاوض، يكون لا مناص من الجلوس والتفاوض والحسم). وقطع الرجل بعدم ابلاغهم كأعضاء في الوفد بالاستعداد لجولة قادمة وان لم يستبعد أن يكون رئيس الوفد على علم بالدعوة بناء على ما أوصى به قرار مجلس الامن. تكتيك الوطني التفاوضي المبني على ربط القضايا والملفات حزمة واحدة، يجعل الوطني في موقع الساعي لحسم كل المشكلات والتوترات من خلال إعادة ترتيبات الأولويات بصورة صحيحة، ويذهب المختص بالشأن الانساني د.عبد الناصر سلم مدير المركز الافريقي لدراسات حقوق الانسان بالدول الاسكندنافية في حديثه ل(الرأي العام) ان أي اختراق في ملف الأزمة الإنسانية يستلزم تحقيق الأمن والاستقرار لضمان استمرار تدفق الاغاثات للمتضررين والمنكوبين، بفعل الصراع السياسي والعسكري وقال(ذلك ما يجعل الملف الأمني والسياسي سابقاً على الملف الإنساني في التفاوض مع قطاع الشمال، في عرف الخرطوم، وهو أمر تم توظيفه ايضاً واستخدامه كتكتيك في مواجهة جوبا في وقت سابق بتغليب أولوية الملف الأمني على ما عداه من ملفات). فرضية الرجل السابقة اكدتها اتهامات قطاع الشمال في الفترة الماضية للمؤتمر الوطني بالمماطلة والتسويف وشراء الوقت بشأن التفاوض .. ويرى المحلل السياسي المقرب من دوائر المعارضة إيهاب محمد الحسن في حديثه ل(الرأي العام)ان موافقة الوطني مجدداً في الذهاب الى أديس لمفاوضة قطاع الشمال، بعد بيان مجلس الامن، لن يعدو سوى ان يكون تكتيكاً سياسياً من الوطني بهدف تطبيق إستراتيجية (فرق تسد) في مواجهة الجبهة الثورية من خلال جر قطاع الشمال للتفاوض كفصيل واحد من ضمن فصائل الجبهة الثورية ما يؤثر على خطوط الجبهة وترتيباتها السياسية والعسكرية بعد تصاعد وتيرة الأعمال العسكرية في جنوب كردفان ودارفور في الفترة الماضية. الأجندة المقبلة للتفاوض حال وافقت الاطراف بدت مكشوفة للكثيرين لجهة ان التفاوض يتم بالاستناد الى ما نص عليه قرار مجلس الأمن 2046، أي الاتفاق الإطاري نافع/ عقار يونيو 2011م وهو الأمر الذي رفضه نائب رئيس وفد التفاوض د. حسين حمدي في حديثه ل( الرأي العام) في وقت سابق وقال(نحن حالياً لا نتحدث عن اتفاق إطاري أو نافع/ عقار ، نحن نتحدث عن المنطقتين ونسمي بوفد حكومة السودان للتفاوض لمنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان) وأضاف ( وغير ذلك فإن المسألة ليس لنا بها علاقة). وتوقع نائب رئيس وفد التفاوض ان تكون الجولة القادمة أكثر جدية من قبل التمرد بحسب تعبيره ويتجاوز المنهج التكتيكي بالولوج للاهداف الأساسية وقال : ( نحن كوفد حكومي نركز على القضية الأساسية أي على المضمون أكثر من الشكل ، بالتالي الهدف الأول والأخير هو حسم النزاع في الولايتين، وكل من أراد الالتزام بهذه القضية والتعامل مع عناصرها دون اقرانها بقضايا أخرى نرحب به). تململات لاحت في سماء الخرطوم ازاء الموقف المتماهي مع القرار الرئاسي بعدم التفاوض، وبرزت اصوات تطالب به باعتباره الحل، كانت آخرها في 22 أغسطس الجاري وحملتها تصريحات آدم الفكي والي جنوب كردفان بالبرلمان، اعتبر فيها أن توقف الحركة عن الهجوم في ولايته مبرراً لاتخاذ الخطوة الاولى والجنوح نحو التفاوض ..