(من شابه أباه فما ظلم) هكذا جدد التاريخ أمس تأكيد الحكمة أو المثل بسلوك قرار مجلس السلم والامن الافريقي الاخير وهو ينفخ الروح في اتفاق نافع /عقار باعتباره الارضية المعترف بها للتحاور مع قطاع الشمال كما جاء في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2046. (قطاع الشمال) مفردة تستفز الخرطوم الرسمية في كل مستوياتها، وتثير حفيظة صقور الانقاذ، عاد للاضواء مجدداً أمس محمولاً على وثائق مجلس السلم والأمن الافريقي بتوجيهات الاخير على مستوى الرؤساء، للوساطة الافريقية بدعوة الخرطوم والحركة الشعبية قطاع الشمال، للبدء في مفاوضات مباشرة في موعد لا يتجاوز 15 فبراير، للتوصل الى حل سياسي لإنهاء النزاع في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.. القرار لم يترك للطرفين والوساطة قيادة دفة التفاوض كما يشتهي المفاوضون بل نص على ضرورة أن تضع الوساطة مسودة اتفاق وفق آليات مُحدّدة لوقف إطلاق النار وتقديمه للطرفين بغرض تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المتضررين مع تحديد آليات لرصد تنفيذ الاتفاق. مجلس السلم والامن الافريقي بدا مدركاً لقواعد اللعبة هذه المرة وهو يقطع الطريق على الطرفين بحسب رأي المراقبين على تكتيكات التفاوض بفرض شروط استباقية، فطالب المجلس الحكومة والحركة الشعبية بالدخول في مفاوضات مباشرة دون شروط مسبقة للتوصل إلى حل سياسي للصراع، وجدد التأكيد على أن الاتفاق الإطاري الذي وقّعه (نافع - عقار) في يونيو من العام 2011 م ومشروع اتفاق سبتمبر 2012م يوفران الأساس الوحيد القابل للتطبيق لتسوية تفاوضية للصراع في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان الخرطوم بطبيعتها الحساسة تجاه كل ما هو قادم من الخارج ، أعلنت رفضها على لسان كبير التكنوقراط بالخارجية ووكيلها السفير رحمة الله عثمان قبيل صدور القرار الافريقي أمس، بالاضافة لانطلاق حملة اعلامية من التيارات الرافضة لأية محاولات تقارب بين الحركة وبين الخرطوم، باعتباره تدخلاً في الشأن الوطني بالاضافة لأن التفاوض بإشراف اقليمي ودولي بين الطرفين يجعل القطاع دولة كالخرطوم لا جزءاً منها ، لذا تطالب بفك الارتباط أولاً.. تحدي الشرعية الاقليمية المبنية على الشرعية الدولية بنص القرار 2046، بدا امراً مثيراً للضجر في الاوساط الخرطومية ، فابعاد الرفض الحكومي اضحت مفهومة، وتكتيكات الحركة اصبحت مكشوفة، وأخذت التحليلات تدور حول شكل المقترحات التي يمكن أن تتقدم بها الوساطة، ومدى امكانية توسيع الوفد الحكومي المفاوض و تعالت أصوات هامسة بضم قيادات سابقة بالقطاع له. العقيد جمال الدين حسن مفوض الحركة الشعبية ? جناح السلام- للترتيبات الامنية بالDDR ، قال في حديثه ل(الرأي العام) بغض النظر عن مصدر القرار وطابعه الاممي ، أن التفاوض في حد ذاته يمثل انتصاراً لخط السلام وترك البندقية الذي اخترناه من قبل، وقلل جمال من حرص الحركة الشعبية على الجلوس وحسم الملف في هذا التوقيت لجهة عدم توصلها لاتفاق مع الجنوب باعتباره الاب الشرعي حول الموقف الذي بات محرجاً لكلاهما بالرغم من وصول عقار لأديس ابابا، وقال(باعتبار أن التفاوض مع الخرطوم وبحضور الوساطة وفق أجندة محددة واستناداً على نافع عقار ينزع من الجنوب والقطاع أي كروت ضغط بخلاف الحركات الاخرى ، ما يعني ضمنياً انقساماً سياسياً في صفوف الجبهة الثورية التي يعتمد عليها الجنوب في تعكير صفو الخرطوم. وأضاف :( بالتالي فالمتوقع تعثر سير المفاوضات بين القطاع والخرطوم، بسبب تكتيكات جوبا والقطاع، كما أن الخرطوم ستحتاج الى زمن أو مهلة قبيل التفاوض لاقناع تياراتها بضرورة الموافقة على الحوار المباشر).. وقطع جمال بأن جناح السلام لم يتلق أية دعوة من الحكومة للمشاركة في العملية التفاوضية سابقاً أو حالياً، وقال: (نحن نعي جيداً كيفية التفاوض مع القطاع لكن اذا توافرت ارادة سياسية من الجانبين، ولن نمانع حال تمت دعوتنا). في المقابل، رفض اللواء أمن (م) محمد مركزو كوكو نائب رئيس وفد التفاوض مع ابناء المنطقتين رئيس اللجنة السياسية لأبناء جبال النوبة بالمؤتمر الوطني ، رفض تحديد مدى امكانية قبولهم التفاوض المباشر مع القطاع واحتمال اجراء تعديلات في وفد التفاوض. دوائر عديدة في الخرطوم ترى أن الامر اكبر من قدرة احتمال الحزب الحاكم وتياراته ، وأن الواقعية السياسية ستفرض نفسها على المؤتمر الوطني في اسكات الاصوات الرافضة للحوار، وتوقعت أن لا تشهد منابر الجمعة أي خطاب تعبوي خوفاً من تأليب الشارع العام، حيال أي قرار محتمل بالموافقة الحكومية على توجيهات مجلس السلم والأمن الافريقي. فيما نصحت دوائر و مقربون من الاتحاد الاوروبي الخرطوم بضرورة وسرعة الاستفادة من الفرصة التي تهيأت باجبار قطاع الشمال على التفاوض، وقطعت مصادر فضلت حجب اسمها ل(الرأي العام) بوجود دوائر اوروبية اغضبها بشكل كبير قرار مجلس السلم والامن الافريقي لجهة أنها تدعم ما يحدث في المنطقتين وتوسيقه على أنه ازمة لاجئين على غرار الجنوب تمهيداً لتمرير خطاب حق تقرير المصير، وقال( من الضرورة أن يسكت الوطني المتفلتين من صقوره الرافضين لإتفاق نافع عقار، والانخراط بأجندة واضحة ومباشرة في التفاوض لقطع الطريق على تلك الاجندات). القيادي بالمجلس الثوري لتحرير والعدالة والناشط في المجال الانساني د. عبد الناصر سلم، أكد أن القرار مناسب من حيث التوقيت والموضوع وقال ل(الرأي العام) إن التفاوض هو الحل للنزاع في هذه المرحلة اذا توافرت جدية من قطاع الشمال ، خصوصاً وأن اتفاق نافع / عقار اتفاقية محمودة من كل الاطراف والجهات، وعلى الوطني حسم تياراته التي تقف حجر عثرة امام التفاوض. وطالب سلم الخرطوم بضرورة اشراك منظمات المجتمع المدني والمهتمين بالملف لإكمال نقائص اتفاق نافع /عقار حتى لا تتكرر تجربة نيفاشا التي اوصلت السودان لطريق مقفول. مراقبون اعتبروا أن التفاوض حيال الوضع بالمنطقتين لن يستقر وينفذ مهما كانت الضمانات طالما ظل ملف الجنوب مفتوحاً وأن الضمانة الاساسية هي التوصل لاتفاق نهائي مع جوبا، فهل تشترط الخرطوم تزامن التفاوض مع الطرفين في وقت واحد أم ستظل على موقفها الرافض للتفاوض مع قطاع الشمال ليستمر مسلسل الاستنزاف لحين إشعار آخر؟!!