الخرطوم تجدد تمسكها بقرار الرئيس البشير في التعامل مع قطاع الشمال والتأكيد على رفضهاً الجلوس للتفاوض مع مرافقة كل ما هو انساني وسياسي مع الملف الامني. مفاوضات الوطني لقاطع الشمال اعتبره مقربون من الحزب الحاكم نقطة فاصلة في مسيرة الحزب ربما تعصف باستقراره الداخلي في توقيت يتيح ل(شمات) المعارضة التشفي في (فراعنة) الوطني كما يصفه ناشطوها، بينما قلل منسبو الحزب الحاكم من تأثير قرار الوطني بمفاوضة أو عدم مفاوضة قطاع الشمال ويذهبون الى ان تماسك الحزب وانضباطه لن يتأثر، طالما كانت القرارات تتخذ عبر النقاش والاقتناع داخل المؤسسات، كما أنه يرتبط أيضاً بالعمل التنظيمي الذي يديره مساعد رئيس الجمهورية نائب رئيس الحزب للشئون السياسية والتنظيمية د. نافع علي نافع، ما يستبعد معه حدوث تأثير كبير.. رافضون لخطوة الوطني في قطع العملية التفاوضية في وجه الحركات بما فيها قطاع الشمال، يرون أن الوطني ملزم بالجلوس والتفاوض باعتبار أن الحرب لا تحسم شيئاً وليس فيها منتصر ومهزوم، وأن التعنت والتطرف لا يرتبط بالصواب، ويذهبون الى أن التفاوض يخرج البلاد من ازماتها المستحكمة، ويحسم كل المشكلات والتوترات خصوصاً في ظل الدعم والتأييد الدولي للعملية بالاستناد على القرار 2046 الصادر من مجلس الامن.. ويتفق جزء منهم مع رؤية المؤتمر الوطني في شرط وضرورة تحقيق اختراق في الملف الانساني يستلزم تحقيق الامن والاستقرار لضمان استمرار تدفق الاغاثات للمتضررين والمنكوبين بفعل الصراع السياسي العسكري، ما يجعل الملف الامني والسياسي سابقاً على الملف الانساني، في تكتيك مشابه لذات تكتيك الخرطوم في مواجهة جوبا، بتغليبها أولوية الملف الامني على ما عداه من ملفات، ويستدعي أنصار هذا الرأي اتهامات قطاع الشمال للمؤتمر الوطني في فترات سابقة بالمماطلة والتسويف وشراء الوقت بشأن التفاوض حول الاوضاع الانسانية للمتضررين من الحرب.. المحلل السياسي المقرب من دوائر المعارضة ايهاب محمد الحسن يذهب الى أن قرار التفاوض من عدمه ليس بيد الوطني وأن الامر أصبح أكبر من الطرفين المتصارعين خصوصاً بعد الاحداث الاخيرة، ويرى الحسن أن الوطني باختيار توقيت التحرير لاعلان عزمه عدم التفاوض يهدف لارسال رسالة سياسية للمجتمعين الدولي والاقليمي وتعلية للسقف حتى يضمن اجبار القطاع للجلوس وفق شروط أخرى، غير تلك المحمولة على أجندة القطاع، وقال ل(الرأي العام)(البشير يدرك جيداً أن رفضه التفاوض لا يعدو سوى ان يكون تكتيكاً سياسياً من الوطني، بهدف تطبيق استراتيجية (فرق تسد) في مواجهة الجبهة الثورية ن من خلال جر قطاع الشمال بالموافقة بعد ذلك على مفاوضته، كفصيل واحد من ضمن فصائل الجبهة الثورية، ما يؤثر على خطوط الجبهة وترتيباتها السياسية والعسكرية).. تحليلات أخرى ترى أن الوطني سيلجأ لخطابه المعتاد بأن قضية القطاع ضمن قضايا (الشأن الداخلي) والسيادة الوطنية، وسيرفض التدخل فيهما.. بعيداً عن محاولات تفسير خطوات الوطني وتأويلها على مستوى قطاع الشمال، الا أن الوقائع على الارض تشير الى أن الازمة أضحت مستحكمة في جنوب كردفان في سياق احتمالات بانتقال العدوى لدوائر أو مناطق أخرى، بالاضافة لما يثيره اتهام الخرطوملجوبا من قلق دولي يجعل المجتمع الدولي في حالة ضغط دائم على أطراف النزاع للجلوس خوفاً على استقرار العلاقات السودانية / الجنوبية.. تحليلات أخرى ترى أن ثمة معوقات أخرى تحول دون مواصلة الخرطوم في تكتيك الرفض، وترتبط على ما يبدو بالمحيط الدولي المراقب للتطورات في الساحة السودانية، ونقل موظف كبير باحدى المنظمات الاممية بدارفور - فضل حجب اسمه- ل(الرأي العام) بأن المجتمعين الدولي والاقليمي يشعران بالملل من الحالة السودانية، وكشف ل(الرأي العام) عن قرب ايقاف الدعم المقدم من تلك المنظمات بسبب تأخر عمليات التنمية رغم الاستقرار الامني نسبياً بالاقليم المنكوب بسبب محاولات الشروع في العمل والبرامج التي يحبطها صوت السلاح الذي لا يخفت الا ليرتفع من جديد، وهو ما ينسحب على جنوب كردفان والنيل الازرق.. الملل الدولي من الملف السوداني لا يبدو حصرياً على دارفور، ورمالها التي (تلهط) الدعومات والتمويل العابر للحدود بفخامة الدولار، بل يمتد ليشمل كل ما من شأنه أن يثير توترات بفعل حمل السلاح في مواجهة مشروع الدولة الاسلامية التي يصر الحزب الحاكم بالاتجاه نحوها دون قيد أو شرط. فرضية أخرى ترى أن ما تم في جنوب كردفان اعاد احياء ملف الترتيبات الامنية بين الشمال والجنوب في فقرة فك الارتباط بعد اعلان الخرطوم اتهامها لجوبا بالتورط في دعم الهجوم الاخير، ويذهب الخبير الامني حسن بيومي في حديثه ل(الرأي العام) بأن الوضع الامثل هو أن تتم عملية فك الارتباط من الجهة الحاضنة والممولة، باعتبار أن الجنوب هو الذي يقدم الدعم السياسي والامني والعسكري للفرقتين، أي أن جوبا هي المعنية بفك الارتباط عسكرياً والمستويات الاخرى بحيث يكون انهاء لسيناريو طويل وممل، بالاضافة لتكوين آلية محايدة بغض النظر عن الجهة المشرفة عليها، وبرر لمطلبه بالقول( لأنها ستعمل دون عواطف أو انحيازات غير موضوعية، فالمجاملات يمكنها أن تعود بالمشكلات).. بينما يرى مقربون من فصائل الحركات المسلحة أنها الاسرع انفعالاً بأي قرارات دولية أو اقليمية من شأنها اعادة التفاوض بين الوطني والقطاع، بحكم التأثير الذي احدثته الحركة الشعبية وتكتيكاتها العسكرية في سيناريو العمليات العسكرية للجبهة نفسها، من خلال انتقال خبرات الحركة الشعبية لبقية فصائل الجبهة بكشف ديناميكية حرب العصابات الحديثة واستراتيجياتها المتعددة.. ويذهب آخرون الى أن الخرطوم باتت تتوقع الايام السوداء، وزيادة وتيرة العمليات العسكرية من قبل الحركات المسلحة في هذا التوقيت كمحاولة لخلق واقع جديد، قبيل اجبار الطرفين على الجلوس تنفيذا لنص القرار الاممى 2046 خصوصاً وان القضية الامنية أو الملف الامني هو الاساس بالنسبة للحكومة ويشكل أولوية، ما يجعل الاطراف الاخرى تحاول وضع عراقيل لاضعاف الحكومة من خلال التصعيد الحربي ولصالح اجبار النظام على الجلوس معها ايضاً... الجبهة الثورية بحسب رأي الخبير آدم عوض تحمل على عاتقها عبء إسقاط نظام الخرطوم عبر منهجين، أولهما هي التعبئة المدنية والطريقة الأخرى هي طريق العمل المسلح وإصدارها لبيانات تدعم هذا الخط ، بالتالي فإن الاتفاقات التي تتم بين الخرطوموجوبا من شأنها التأثير على الخطاب التعبوي للجبهة ويقلل بالتالي من حجم الالتفاف العسكري .. العقيد جمال حسن بالحركة الشعبية للسلام، يرى أن قطاع الشمال لم يعلن عن عزمه واستعداده للتفاوض الا لمعرفته برغبة المجتمع الدولي والاقليمي في استقرار سريع بالمنطقة يتعارض جوهرياً مع أية محاولات لتغيير نظام الحكم في الخرطوم عبر العنف طبقاً لما افاد به دبلوماسيون ورسميون امريكان في الفترة الماضية، ويذهب الخبير في شئون الحركات القيادي بتحرير السودان- القيادة العامة- آدم عوض الى أن ترجمة قطاع الشمال عن خطه المعلن في اسقاط النظام عبر نقل الحرب الى العاصمة بعد تجربة اب كرشولا، أمر وارد في العمل السياسي طبقاً للتجارب التي تقول إنه كلما تعنت المؤتمر الوطني تجاه القضايا الاساسية للهامش بحركاته واحزابه وتياراته وتعمد عزلهم ، كلما كان الرد اعنف ، لذا يظل وارداً الهجوم على الخرطوم في ظل وجود خلايا نائمة . ورفض عوض اعتبار رؤية المجتمع الدولي نهائية في عدم تغيير النظام بالخرطوم وقال (المجتمع الدولي رؤيته غير ثابتة تجاه اسقاط النظام، لأنه يتبنى خطوط دول عظمى فقط كأمريكا، بهدف تمرير بعض القرارات، ومع ذلك فهو يواجه النظام بآليات اخرى كالجنائية الدولية ويضغط بوسائل اخرى عليه، خصوصاً وان رغبة الدول العظمى عدم تغيير النظام بالقوة او العنف ، لكنها مع تغيير النظام)واضاف( بالتالي رؤيته الحالية لا يمكن الاعتماد عليها ، لأنها ترتبط بتوقيت الانتخابات الامريكية فقط). اتهامات الخرطوم لقطاع الشمال بعدم الحرص على السلام، خصوصاً بعد التفاوض الاخير، لم تكن الاولى ولن تكون الاخيره، خصوصاً وأن الوطني يعتمد في تصوره على أن اتفاقه مع الجنوب بأديس ابابا سينهي قطاع الشمال ويخنقه بعد تطبيق فك الارتباط، بينما يذهب مناصرون للحركة الى أن ثمة فائدة عادت على القطاع من الاتفاق الاخير بأكثر مما يتوقع، ويرون ان الاتفاق فصل قضايا المنطقتين وخط القطاع عن الطمس الذي لازمه ابان محاولات ربطه برغبات جوبا وتحركاتها، وافتراض أن تهدئة يمكن ان تحدث طالما تم الاتفاق مع جوبا، ويؤكدون أن خط القطاع هو ما اعلنه الناطق باسم قطاع الشمال ارنو لودي وتناقلته التقارير الاعلامية في الفترة الماضية ، بأنهم سيواصلون القتال، فهل ينجح المجتمع الدولي في حسم الامر وجر الطرفين بعيداً عن التكتيك ؟ أم سيكون الحال انتظار نهاية سيناريو الجبهة الثورية في جنوب كردفان ؟!!