لو لم تحسن الكثير من الجهات والمؤسسات الحكومية الترشيد المصاحب لرفع الدعم عن المحروقات وتعديل صرف الجنيه، فإن الكثير من الممارسات غير الرشيدة سترتد إلى ملعب الحكومة، تماماً مثل ضربة الجزاء الهلالية التأريخية في الستينيات عندما احتسب الحكم تلك للهلال وتشاكس لاعبوه فيمن ينفذها وتركوها صاغرين لأكثرهم صوتاً وأقواهم بدناً وإن لم يكن من المبدعين، والذي انطلق من بعيد وعندما وصل مكان الكرة تعثر بجانبها ولامستها يده فاحتسبها الحكم ضده، وهذا ما نخشاه عندما يبدأ رسمياً ترشيد رفع الدعم في الأيام القادمة، كانت مقدمة هذا الخطأ منذ يوم أمس عندما احتج ركاب بصات شركة المواصلات العامة المسماة «بصات الخضر» على عدم تشغيل جهاز التكييف، وجاء الرد من الكمساري مدعوماً من السائق بأن أحد المسؤولين في الشركة طلب منهم إيقاف المكيفات.. هذا المسؤول غير المسؤول استبق رفع الدعم عن المحروقات ليوفر بهذا القرار جالونات بنزين يستهلكها جهاز التكييف، وبهذا تم حرمان الركاب من حق أساس كفله لهم القانون عندما كانت الشركة تفاخر بأن بصاتها بها تكييف مركزي ولهذا يتسابق المواطنون عليها باعتبارها واحدة من وسائل الترحيل المريحة رغم ارتفاع سعر تذكرتها، كما أن هذا المسؤول إذا كان مهندساً أو فنياً ألا يعلم بأن مصمم هذه البصات عندما قام بذلك وهي مستوردة من الدول الخليجية، كان يدرك أبعاد الطقس في تلك المنطقة المشابه لحر السودان، ولهذا زودها بذلك التكييف ونوافذ مغلقة تماماً ومناور صغير لم تسمح بنسمة هواء للركاب الذين كانوا يتصببون عرقاً.. إن هذا المسؤول لا بد أنه حائز على سيارة خاصة من الشركة مزودة بجهاز تكييف ومخصصات للتبريد، فهل قام لترشيد الصرف بإيقاف جهاز سيارته و تقدم بطلب لإيقاف مخصصات الوقود الخاصة بالجهاز، وهل قام برحلة على تلك البصات بعد إيقاف التكييف ليلمس معاناة الناس وجهدهم بالسوء لمن فعل بهم هذا، وما يخشاه هؤلاء أن يتبع ذلك زيادة في أسعار التذاكر عندما يتم رفع الدعم عن المحروقات، بينما كان المؤمل أن تحافظ الشركة على الأسعار الحالية حتى تقف سداً منيعاً في مواجهة أصحاب الحافلات الذين حتماً وكالعادة سيقومون بإضافة أكثر من فارق رفع الدعم إلى التعريفة الحالية. الجميع يدرك ان أكثر المناطق عرضة لاحتجاجات المواطنين وتجمعهم بدون استقطاب من المعارضة هي مواقف المواصلات، ولهذا فإن الخطط الموضوعة لرفع الدعم عن المحروقات يجب أن تكون دقيقة جداً ولها حساباتها لمجابهة مردوداتها السالبة، وفي مقدمة ذلك المعالجة الفورية لما صاحب توزيع المواقف الجديدة من صعوبات تأثر منها المواطنون، وما أفرزته التجربة من تحميل المواطنين تكلفة مواصلات وسيطة لم يكن لها داع. يشهد التأريخ أن اتحاد أصحاب البصات كان من المؤسسين لجبهة الهيئات التي أطاحت بنظام عبود عام 1964م التي كان يتصدرها اتحاد أساتذة الجامعات، وقد أهلها لذلك أن قادتها كانوا سياسيين بزعامة الخليفة ود الحسين، كما ان الاتحاد كان فعالاً في انتفاضة 1985م التي أسقطت نظام نميري، ومن هنا فإن الإنقاذ قامت باستقطاب اتحادات البصات والترحيلات في شعب بالغرف التجارية، ولهذا يسهل إقناعهم بدعم خطط تجاوز رفع الدعم عن المحروقات، بعدم رفع تذاكر المواصلات ومنفستو الترحيلات مقابل إعفاء جزئي من ضرائب وجمارك الإطارات.