السكر سلعة استراتيجية لا يختلف اثنان في اطلاق هذا الوصف عليها، بل إن هذه الاستراتيجية والاهمية للسكركانت تبدو في اشكال عديدة من بينها ان السكركان المورد الاساسي للدولة،والممول الاساسي لمشروعات التنمية الريفية في كل بقاع السودان، بل حتى ثورة الانقاذ عندما جاءت في يونيو 1989 كانت تعتمد في تنفيذ مشروعات التنمية الريفية والولائية على السكر، ولعل طريق (الانقاذ الغربي ) خيرشاهد على ذلك.. كما ان للسكر حساسية عالية مع السياسة والسياسيين فكانت الحكومات تخشى زيادة اسعار السكر والرغيف والوقود .. ولكن يبدو أن السكر فقد هذه الاهمية الاستراتيجية وذلك البريق السياسي وانحدر نحو (الهامش) في قائمة الاهتمامات والتخويف، والدليل ما يحدث الآن من ارتفاع لاسعارالسكر فاقت ال (200) جنيه للجوال في بعض الولايات ونحوها في العاصمة الخرطوم. ولعل بداية القصة او أزمة الغلاء هذه مرتبطة بسياسات التحريرالاقتصادي التي تبنتها الدولة في مطلع تسعينيات القرن الماضى حيث قررت الحكومة الغاء دور شركة تجارة السكرالتي كانت تنظم هذه التجارة على مستوى المركز والولايات بل لديها مخازن تؤمن فيها امدادات الولايات من السكر في زمن الندرة والخريف تفادياً لارتفاع الاسعار والغلاء، ولكن هذه الشركة اصبحت في (خبركان) بفعل سياسة التحريرالاقتصادي وآلية السوق التي التفت الآن الحكومة عليها بسياسات الاحتكارلاستيراد السكر عبر شركات انتاج السكر ( كنانة وشركة السكر السودانية) والتي اصبحت الخصم والحكم بجمعها بين الصناعة والتجارة في دور يتناقض مع صناعات اخرى رغم نبل الهدف القاصد لحماية الانتاج الوطني (شركات انتاج السكر).. حيث تعود تفاصيل هذا الهدف النبيل الى جلسة مجلس الوزراء التى انعقدت في كنانة في مارس من العام 2008م، حيث قررالمجلس حظراستيراد السكر الابيض والسماح لشركات السكر باستيراد سكر مكررلسد الفجوة بين الانتاج المحلي البالغ (750) الف طن، والاستهلاك المتزايد والبالغ (1.5) مليون طن أي استيراد (50%) من السكر لسد تلك الفجوة، ولكن كانت المفاجأة انه مع قرب شهر رمضان بدأت اسعار السكر ترتفع، وسارع مجلس الوزراء مشكوراً لاصدار قرار بالسماح لشركات انتاج السكر (كنانة والسكر السودانية) باستيراد سكرابيض بدلاً عن سكر مكرر لضيق الوقت وسد الفجوة البالغة وقتها وفقاً لتقديرات المجلس الموقر (300) الف طن سكر، غير ان هذه الشركات عجزت عن استيراد هذه الكمية الكبيرة لعدة اسباب من بينها شح النقد الاجنبي وارتفاع اسعار الدولار، وضيق الوقت الامر الذي شكل أرضية صالحة لاستمرارارتفاع اسعار السكر لتقفز من(104) جنيهات للجوال في بداية رمضان عبر منافذ التوزيع التي خصصتها شركات انتاج السكر الى (140) جنيهاً وارتفع بموجب ذلك رطل السكر للمستهلك من جنيه ليبلغ جنيهاً و(40) قرشاً أي بزيادة (40%). ولما كانت امدادات السوق بالسكر ضعيفة ومحدودة، ومع تزايد الطلب قفزت الاسعار بمتوالية غير مسبوقة في تاريخ السكر بالبلاد، بل تراجع الوفاء بالسكر المخصص للصناعات الغذائية وهي مرشحة الآن بارتفاع في اسعارها خاصة العصائر والمياه الغازية والمربات والطحنية وغيرها من الصناعات التي تعتمد على السكر كمدخل انتاج، بل تفاقم الوضع ليبلغ سعرجوال السكر بالولايات التي امتد اليها الغلاء الى نحو(200) جنيه للجوال بولايات دارفور وكردفان والجنوب، وبل وحتى الخرطوم وصلت تلك المعدلات الجنونية لارتفاع اسعار السكر . ومن هنا نطالب بمراجعات سريعة لسياسة الدولة تجاه سلعة السكر وعودة هذه السلعة الى مرتبتها الاستراتيجية لاسيما وان مقومات هذه الاستراتيجية للسلعة متوافرة الآن في هذا الوقت الذي بدأ فيه تسجيل الناخبين لانتخابات الرئاسة ، الامرالذى يتطلب من الدولة الاهتمام بأعباء المواطنين واصوات الناخبين منهم ، وليس كما يرى ويفسرالبعض بأن هذا الارتفاع مقصود به تمويل الانتخابات ، وانما في اعتقادي ان اعادة الاستقرار لاسعار السكر هوالذي يوصل المترشحين للنجاح في الانتخابات، ولذلك لابد من مراجعة سياسات السكر وفك الارتباط بين انتاج السكر وتجارته والسماح للتجار بالاستيراد لسد الفجوة القائمة والتي لن يسدها بداية انتاج الموسم الجديد لشركات السكروالتي تنتج في افضل حالاتها نحو (750) الف طن بينما يتوقع ان يقفزالاستهلاك الى اكثر من (1.5) مليون طن في العام المقبل مع زيادة السكان والوافدين الاجانب في ظل الانفتاح الاقتصادي وتدفق الاستثمارات الاجنبية والتي تعاني من تطبيق تحريريتم الالتفاف عليه بالاحتكار.