دارت الحلقات السابقة حول الطاريء الذي نزل على إفريقيا والمتمثل في اقتصاد النفط ، وأن النفط نعمة وهبة ولكنه تحول نتيجة للحكومات الإجرامية والمافيا العالمية إلى نقمة ولعنة على إفريقيا ، حتى أدى إلى الفساد والحروب وبروز الدولة الريعية التي وضعت عينيها على النفط وأهملت بقية الشأن مما أدى إلى ورم سرطاني في عائدات الدولة التي تسربت للمافيا والعصابات والأحزاب السياسية تحت مختلف دعاوي التمكين والايديولوجية والسرية والتدليس على المحكومين، وأن ما يدور في انجولا والجابون والكنغو برازافيل وغينيا الاستوائية ونيجيريا أصبح يؤثر على السياسة في أوربا وامريكا لأن أموال النفط السائبة تتسرب للأحزاب والمنظمات السياسية الاوربية واجهزة الاستخبارات، كما تؤثر على حركة السياسة في مجمل إفريقيا وأن مفعول هذه النعمة للأسف في الجسم الإفريقي والنخب أصبح كمفعول الهيرويين وسط الشباب والمدمنين. النفط وإتلاف روح أمة نيجيريا : تصلح قصة الحاج مجاهد دوكويو اساري ، لتكشف عن سرطان النفط في نيجيريا ، فالحاج مجاهد ينتمي لقبيلة الاجاوا (Ajaw) وهي كبرى قبائل دلتا نهر النيجر ويأتي ترتيبها كرابع قبيلة في العدد على مستوى نيجيريا بعد الفولاني والهوسا واليوربا وإقبو . يشن - أساري وهو سليل أسرة غنية ومتجذرة - حربا على شركات النفط الأجنبية واليوم هو قابع في السجن ، لأن عائدات النفط لا تظهر بين بني شعبه ، علما بأن الدلتا تجلس على احتياطي نفطي يبلغ (35) بليون برميل ، يستخرج منه يوميا حوالي المليونين ونصف المليون برميل من النفط الخام ، واصبح هذا النفط يغذي الولاياتالمتحدة بنسبة (10%) من احتياجاتها يوميا . ونسبة للأخطار الذي تهدد هذا النفط بالإضافة إلى نفط غرب إفريقيا أوصى معهد الدراسات السياسية والاستراتيجية المتقدمة الذي يسيطر عليه اليهود تأسيس قيادة عسكرية أمريكة تتخصص في إفريقيا لحماية النفط الإفريقي من النظم غير الموالية، وكذلك من الصين والقاعدة. وكذلك لتسجيل حضور استخباراتي وعسكري وأمني واقتصادي وسياسي في هذه القارة الغنية بمواردها المتعددة ولمواجهة أمثال دوكويو أساري . ولد اساري في يونيو 1964م ، وتم تعميده مسيحياً، ودرس في مدارس الكنيسة، ثم اصبح ماركسيا تروتسكيا في الجامعة. ثم ربما ذهب إلى ليبيا وأفغانستان. واعتنق الإسلام في العام 1988م. ثم اعلن الجهاد على شركات النفط الأجنبية « أساسا شل « حينما وجد أن معظم فتيات القبيلة تحولن من مهنة الزراعة إلى الدعارة لخدمة احتياجات العاملين بالنفط وبرولتاريا مدن النفط ، كما تلاشت زراعة اليام والكسافا ومطلوبات الغذاء المحلي. كما ماتت الأسماك نتيجة للتلوث وانتشرت الامراض الجديدة ، كما لم تبرز ابدا على سكان المنطقة ثمار العشرين بليون دولار عائدات النفط سنويا . بدأ اكتشاف النفط عام 1956 ونجحت المقاومة المحلية في ايقاف ضخ النفط في الفترة من 76/1988م مائتي مرة. وامتدت المواجهات في التسعينيات إلى درجة تدخل السلطة الفيدرالية واعتقال الكاتب النيجيري سارو ويواWiwa) ) ثم تقديمه لمحاكمة وأعدامه في نوفمبر 1995م مع ثمانية آخرين. وأدى ذلك لتوهيج المقاومة ولمعان قيادة مجاهد اساري ، وأصبحت مجموعة أساري أهم مجموعة من مجموعات المقاومة المختلفة التي وصل عددها إلى خمسين مجموعة ، وأصبحت المقاومة العنيفة هي أساس المجتمع المدني والحياة السياسية في نيجيريا حتى وصلت التقديرات إلى أنه يتم يوميا الاستحواذ على مابين (275) ألف برميل إلى (006) ألف برميل من قبل هذه المجموعات أي ما يعادل عائداً يساوياً (5) بلايين دولار سنوياً ، وأن جزءاً من هذه الأموال يتسرب إلى الاحزاب السياسية في الولاياتالمتحدة . في عام 2005 تم اعتقال اساري ولكنه مايزال يدير من معتقله حركته ، وأدى النفط إلى بروز حركة إنفصالية في المقاطعة وأدى إلى أن تصبح هوية الاقليم هي هوية ابنائه وليست الدولة ، لأن ابناء الاقليم أخذوا يحسون أن الوطن أو البلد ضدهم وعلاقته بهم هي نهب ثروتهم ، كما تأكدوا من أن النظام الدولي وعلى رأسه امريكا يتواطأ مع قيادة البلد وشركات النفط لنهب ثرواتهم ، لأن بنوك الولاياتالمتحدة تقبل الأموال والودائع المهربة القائمة على المضاربة غير المشروعة والاموال المسروقة وأموال الجريمة.. ألخ . ولا يخلو منطق المقاومة من حقائق ، في وقت وصل فيه حجم الاصول والاموال غير الخاضعة للضرائب ثلث الاموال المتداولة في العالم وهي تعمل في مجال المخدرات والجنس والقمار وتجارة الرقيق والإرهاب بمختلف أشكاله ، وهذه الأموال هي التي تدور تجارة السلاح والهروب ، وفي هذا الإطار فإن مقاطعة الحكومة الأمريكية للسودان ومنعها للشركات الأمريكية من العمل فيه، تبدو كالنكتة لأن أول خارق لهذا القانون أمريكا ذاتها ، التي استثنت الصمغ لمصالح بعض الشركات. «وإذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص»، وحيثما كان ربح فإن الشركات الأمريكية تعرف كيف تلتف حول الموضوع ، لأنها خبيرة بإدارة ملف الابتزاز والمخدرات وغيرها ، لأن المجرمين العالميين يفكرون عولمياً. ويجتهد مؤلف الكتاب في الوصول لمعادلة لتقليل حجم الفساد في تجارة النفط الإفريقي ويقترح معادلة أخذ أموال النفط من ايدي السياسيين واعطائها مباشرة للمواطنين وذلك بتقسيم عائدات النفط مباشرة على المواطنين ، حتى يتمكنوا من أدخارها واستثمارها بطريقتهم وأن تصبح علاقة الدولة بهم فرض الضرائب والرسوم وتقديم الخدمات المدفوعة الأجر ، ولكن هل تنجح مثل هذه المعادلة في إفريقيا ووسط النخب الإفريقية المدربة على السطو على الارواح والإنتخابات وأقدار ومصائر البلاد والعباد؟!.ربما كانت مجرد فكرة للشحذ الذهني والعصف الفكري. في وقت استوردت فيه الولاياتالمتحدة في عام 2005 ( 721) مليون برميل من النفط الخام من إفريقيا ، بمعدل مليوني برميل يوميا مقارنة ب(556) مليون برميل استوردتها في ذات العام من السعودية و(84) مليون برميل « اي (230) ألف برميل يوميًا» من الكويت ومعظم انتاج الخليج يذهب لآسيا وأوربا . ومن المتوقع أن يزداد اعتماد الولاياتالمتحدةالأمريكية على النفط الإفريقي أكثر فأكثر في السنوات المقبلة . وبما أن السودان هو قلب إفريقيا ، وبما أن السودان مرشح لتنامي إنتاجه من النفط ، وبما أن الولاياتالمتحدة عينها كذلك على النفط السوداني وعلى إدارته - فالسودان أمامه ثلاثة تحديات وهي : 1- القسمة العادلة المقنعة وبشفافية لموارده النفطية حتى يتجنب ما يحدث في غرب إفريقيا من حروب حول النفط. 2- الأمر الثاني الشفافية الكاملة في حسابات النفط . 3- الأمر الثالث إدارة أموال النفط بصورة تجعلها تدور في المجالات الإنتاجية والتي هي أساسا الزراعة والصناعات الزراعية واستصلاح الأرض والمياه وخلق الوظائف الكفيلة بامتصاص العطالة حتى تدور أموال النفط في الجسم الإنتاجي ويصبح قادرا بعد فترة على تحقيق الوفرة والنهضة وتدريب الايدي العاملة الممكنة من الاستغناء عن أمراض الدولة النفطية الريعية التي يتفشى فيها الاعتماد على السلطة الاستراتيجية الواحدة وما يصاحبها من كسل وعقلية استهلاكية وتبديد الموارد في قطاعات غير انتاجية . ولا يمكن تطوير الزراعة دون تطوير البنية التحتية من طرق واتصالات وكان مشروع الجزيرة ناجحا لأنه قام على بيئة اتصالية ناجحة ، من سكك حديدية داخلية واتصالات وجسور وطرق وخدمات مياه وتعليم وكهرباء أدت للإستقرار وجعلت هذا المشروع أساس حياة الدولة السودانية ومشروع السودان الحديث منذ عام 5291 حتى أواخر ايام نميري ستين سنة ، فهل نستطيع اعادة تعمير المشروع ورده لشبابه وحيويته؟ كما هل نستطيع انجاز مشاريع أخرى في حجمه في الرهد وبحر العرب والرنك والدالي والمزموم.. ألخ .. وذلك يحتاج للرؤية والدراسة والتخطيط والبنية التحتية والقيادات - ولكنه كذلك أمر ميسور إذا توافرت له الإرادة والمال .