الاخ د. البوني بصحيفة (الرأي العام) السلام عليكم ورحمة الله اولاً ارجو ان اشكر لكم اهتمامكم بقضايا التعليم العالي، وبالاشارة لما جاء في عمودكم المقروء «حاطب ليل» المؤرخ في 7/1/8002م، والذي أثرتم فيه حزمة من القضايا المتعددة التي تخص التعليم العالي، فقد رأينا التعليق على بعض ما جاء فيه، ايماناً منا بأن من واجب الصحفي ان ينتقد ويبدى وجهات النظر، وعلينا إبداء الرأي فيما يقول، وانطلاقاً من ذلك نود، وفي وقفة اجرائية سريعة قبل الخوض في ابداء وجهات النظر، أوكد بأن كثرة الحديث عن التعليم - كما اشرتم - تعد بادرة حسنة وظاهرة ايجابية، تؤكد تقارب المسافة بيننا والجمهور، لان وزارة التعليم العالي احوج ما تكون لابداء وجهات النظر التي تساعدنا كثيراً في تقييم برامجنا، خاصة اذا كان من يبدي وجهة النظر خبيراً فيما يقول. وحول ما اثرتموه بعمودكم بشأن عدم وجود استراتيجية تحكم التوسع في مؤسسات التعليم العالي، فاننا نؤكد بأن الوزارة تمتلك استراتيجية وبرامج ممرحلة تعمل على تنزيلها إلى ارض الواقع وفق خطط مدروسة يقف من ورائها عشرات الخبراء من اعضاء اللجان المتخصصة التي تعني بترقية التعليم وتطوير البحث العلمي، وتعمل كمستودع افكار للوزارة. وحول مسيرة التوسع الكبيرة التي شهدتها وتشهدها مؤسسات التعليم العالي، فاننا نود ان نؤكد بأن هذه المسيرة تمت لاسباب منطقية وواقعية تتمثل في الزيادة الضخمة في اعداد الطلاب المتقدمين للدراسة بالجامعات السودانية والتي بلغت هذا العام - على سبيل المثال - ما يربو على «002» الف طالب في حين ان الطاقة الاستيعابية لهذه الجامعات مجتمعة، في حينها لا تتعدى الستة آلاف طالب في احسن الاحوال، فيما كانت تذهب البقية للدراسة بالخارج مكلفة اولياء الأمور والدولة اعباء مالية ضخمة اضافة الى مخاطر التعليم بالخارج وتأثيراته الثقافية الكبيرة التي لا تخفى على احد. وبلغة الارقام نجد ان التعليم العالي شهد توسعاً ملموساً في مواعينه التعليمية، حيث ازداد عدد الجامعات الحكومية من «5» إلى 82» جامعة وازداد عدد الطلاب المقبولين بالجامعات من «0005» طالب في العام 9891م إلى «000.451» طالب هذا العام وصاحب ذلك توسع مماثل في عدد الكليات والبرامج داخل الجامعات وذلك لمقابلة الطلب النوعي على التعليم العالي، وصاحب ذلك ايضاً زيادة موازية في مؤسسات التعليم الاهلي والاجنبي الذي بلغ عدد كلياته «94» كلية أهلية وخمس جامعات. وهذا التوسع المقدر الذي شهده التعليم العالي بالبلاد، لم يهمل الجانب الآخر من الموضوع وإنما صاحبته وتزامنت معه جهود مماثلة للاهتمام بالنوعية وتجويد الرسالة التي تؤديها مؤسسات التعليم العالي، حيث تم انشاء هيئة للتقويم والاعتماد، وهي هيئة مختصة بنشر ثقافة الجودة ووضع المعايير للتقويم والقياس لمؤسسات التعليم العالي، حيث قامت هذه الهيئة بمجهود أقل ما يقال عنه بأنه مجهود مقدر، ولا يخفى على احد أهمية المعايرة حتى نتأكد من مطابقة نظامنا التعليمي بنظم التعليم العالي في العالم، سيما وان سوق التعليم العالي اصبحت سوقاً موحدة، وان الجميع يسعى للمنافسة الدولية، وان ذلك لن يتأتي ما لم يتم التحقق من الالتزام بالمعايير الدولية للتعليم العالي، لذلك شكلت هذه الجزئية ولازالت تشكل جوهر اهتمامنا بسياساتنا التعليمية. أما بشأن حديثكم عن جمود مناهج التعليم الجامعي فأود القول بأن التطوير والتحديث المستمر هو أهم ما يميز المنهج الجامعي عموماً، حيث انه يخضع باستمرار للتجديد والتطوير لمواكبة متغيرات الحياة العلمية، وتشرف على هذا التطوير لجان مختصة بالوزارة تهتم بكل فرع من فروع المعرفة، فتصحح المناهج لازالة الجمود الذي قد يلحق بها اذا ظلت ثابتة دون تحريك ولو لفترة قصيرة من الزمان، يعد الشغل الشاغل للمهتمين بقضايا المناهج، وهذا الاهتمام ظاهر في سلسلة الندوات والمؤتمرات التي تنظمها الجامعات من وقت إلى آخر، ودونك المؤتمر الموسع الذي نظمته جامعة القضارف لذات الغرض والسلسلة تطول والمقام لا يتسع لرصد وحصر هذه النشاطات. وحول حديثكم عن عدم مواكبة مناهج التعليم الجامعي لمتطلبات العصر الحديث فإننا نحيلكم باختصار إلى ما اوردناه في سلسلة اللقاءات والمكاتبات حول ربط التعليم باحتياجات التنمية وتسخير المناهج لخدمة متطلبات السوق. أما حديثكم عن اصلاح مسيرة التعليم الذي كما قلتم كان هرمه مقلوبا، فنحن نشاطركم القول ونضيف بأن هذا الهرم المقلوب موروث عن المستعمر ورسخته وغذته السياسات التعليمية التقليدية، ونحن الآن ذهبنا خطوة ابعد للأمام، فبينما تتحدثون عن اصلاح فنحن نتحدث عن انقلاب كامل في هرم التعليم حتى يأخذ وضعه الطبيعي وفق المعايير الدولية المعروفة بان يكون هنالك «4 - 6» تقنيين مقابل كل متخصص و«51 - 02» عاملاً ماهراً فمساق الكلية التقنية يخرج التقني في ثلاث سنوات بعد الثانوي بدبلوم تقني ويخرج العامل الماهر بعد ثلاث سنوات بعد مرحلة الاساس، ونحن عملنا على تحقيق ذلك على ارض الواقع من خلال انشاء ثماني عشرة كلية تقنية منتشرة في كل ولايات البلاد تقريباً، حتى نتمكن من تحويل تعليمنا التقليدي إلى حد بعيد، إلى تعليم تقني يراعي مطلوبات العصر ويسهم في تأسيس قاعدة ضخمة من التقنيين لتوفير احتياجات خطط التنمية ومطلوباتها وقد بدأت بالفعل طلائع التقنيين في الظهور لتأخذ مواقعها في مشاريعنا التنموية، ولعلكم تابعتم تخريج كلية نيالا التقنية، رائدة التعليم التقني بالبلاد، ومخاطبة الاخ رئيس الجمهورية لحفل التخريج، وإعلانه لثورة التعليم التقني وانشاء عشر كليات تقنية اخرى كأقوى دليل على نجاح تجربة التعليم التقني بالبلاد. صاحب هذا المشروع، مشروع لا يقل أهمية عن سابقه، وهو برنامج كليات المجتمع التي غطت فضاءً واسعاً في مجتمعنا السوداني وهي تعني في المقام الاول بالمرأة خاصة بالريف والآن بالجامعات الولائية وتعليم المجتمع يتميز عن بقية انماط التعليم الاخرى بديناميكية برامجها وقدرتها على التكيف والاستجابة مع مجتمعاتها التي قامت اصلاً لتخدمها، ناهيك عن قدرتها ومرونتها في اعطاء خبرات واسعة من خلال البرامج التي تقدمها والتي تلبي رغبات الكثير من شرائح المجتمع ان لم تكن جميعها وهذه المرونة تنعكس ايضاً على ارضاء الذوق العام وترقيته من خلال سلسلة البرامج الثقافية والروحية والجمالية التي يتيحها هذا البرنامج لمنتسبيه. أما بخصوص التعليم الطبي الذي شكل مركز اهتمامكم، فاننا نقول بإن وجود ست وعشرين كلية طب بالجامعات السودانية نقطة تحسب لنا وليس علينا، وان خريجي هذه الكليات الذين يبلغون «0052» طبيب سنوياً نعمل جاهدين على مقابلتهم باعداد من الاطر الصحية بتخصصاتها المختلفة وهي ستة عشر برنامجاً ومنهجاً تعد وتكتب وتطبع لأول مرة بالسودان، سواء أكانت تلك المتعلقة بالتمريض أو القبالة صحة البيئة والصحة النفسية.. الخ، لحفظ المعدل العالمي المطلوب. فتوفير هذه الكوادر لم يغب عن تفكيرنا يوماً، حيث ان سياسة متكاملة اعلنت في هذا الجانب عبر ما يعرف ببرامج الاطر الصحية التي تعد من اكبر البرامج التي نفذتها وزارة التعليم العالي شراكة مع وزارة الصحة الاتحادية ووزارات الصحة الولائية عبر سلسلة بروتوكولات تم التوقيع عليها. نوجز فنقول اخي د. البوني بأن مشروعات وبرامج التعليم العالي لم تأت بدون دراسة متأنية، وليست هي نتاج تفكير احادي وانما تفكير جماعي صاغته مجموعة خيرة من العلماء والخبراء الذين نفخر ونفاخر بهم. البروفيسور: مبارك محمد علي مجذوب وزير الدولة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي