في حفل عشاء خاص بالخرطوم ضم مجموعة من رجال الأعمال وسياسيين وناشطين في منظمات المجتمع المدني، كان القائم بالاعمال الامريكي السيد وايت هيد، يحاول اعطاء الضيوف جرعات من الأمل في تجنيب السودان معركة كسر العظم وفك الارتباط بين شماله وجنوبه تحت مظلة تقرير المصير. محاولة وايت هيد في (التعريف) التقت مع تطلع الضيوف الى (المعرفة) فيما يتعلق بالموقف الامريكي من جغرافية السودان، وسبقت رغبة وايت في التعريف وتطلع الضيوف الى المعرفة، تلك التصريحات النارية للفريق سلفاكير ميارديت رئيس الحركة الشعبية التي حث فيها الجنوبيين على التصويت (للانفصال اذا ارادوا ان يغادروا محطة الدرجة الثانية التي يقبعون فيها الآن كمواطنين مع وقف التنفيذ). القائم بالاعمال لم يعط (جرعة أمل زائفة) قوامها دعم امريكا لوحدة السودان دون مقابل و(ببلاش)، ولكنه كان موضوعياً عندما أشار الى ان السودان الموحد يحقق هدفاً مهماً للولايات المتحدةالامريكية، هذا الهدف تضمنه البند الثالث في الاستراتيجية الامريكية (ألا يكون السودان ملاذاً آمناً للارهاب). الكثيرون يقولون إن هناك أكثر من سبب يدفع الولاياتالمتحدةالامريكية الى تشجيع بقاء السودان كدولة موحدة منها: ان وحدة السودان -التي تعني استمرار صيغة الحكم الحالية- هي نسخة منقحة ومزيدة لسياسة احتواء السودان التي صممها الديمقراطيون في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، وتعتمدها الادارة الديمقراطية الحالية مع اختلاف طفيف هو ان سياسة الاحتواء السابقة كانت تهدف الى استخدام بعض دول الجوار كأداة تنفيذ، بينما تكون الحركة الشعبية - في السياسة الجديدة - هي الترياق الداخلي لتحجيم تمدد حكومة الانقاذ بشعاراتها القديمة. كما ان انفصال الجنوب أمر غير محبب للولايات المتحدةالامريكية لأنه اذا وقع فستفقد واشنطن بسببه كرتاً رابحاً ومؤثراً في السياسة السودانية، وهو ما يحتم عليها الدخول في عملية بحث مطولة عن منافذ بديلة، لها ذات القدرة التأثيرية التي لدى الحركة الشعبية، ولها برنامج مضاد للمؤتمر الوطني في الاتجاه ومقارب له - ولو الى حد ما - في القوة، ولا تشير القراءات الاولية في الساحة الداخلية في السودان الى وجود قوة سياسية لها مثل هذه المواصفات. هناك سبب آخر يردده بعض الساسة في الشمال محتواه ان واشنطن لا تدعم انفصال الجنوب لأنها لا تريد قيام دولة جديدة تحمل كل جينات الفشل، خاصة ان هذه الجينات بدأت تتخلق في شكل حروب قبلية تافهة الاسباب كبيرة النتائج، وفي شكل محاولات اغتيال تعرض لها عدد من النجوم البارزة في المسرح السياسي الجنوبي كان آخرهم سامسون كواجي وزير الزراعة بحكومة الجنوب ومن قبله زوجة د. رياك مشار، وسبقها الى ذات المصير الدكتور لام اكول. دون الدخول في عملية احصائية بعدد الاسباب التي تحمل امريكا على تشجيع الوحدة، وتلك التي تجبر الحركة الشعبية على الجنوح نحو الانفصال، فإنها المرة الاولى - ربما - التي يظهر فيها بوضوح ان الحركة يمكن ان (تتمرد) حتى على أمريكا.