احدث احصائية لوزارة الداخلية- حسبما افاد بها الوزير ابراهيم حامد امام البرلمان- اشارت الى ان هناك خمسين ألف سيارة تدخل السودان سنوياً، وفي الخرطوم اقترب عدد السيارات الموجودة بها الى أكثر من مليونين واربعمائة سيارة. يبدو ان هناك سحراً او لغزاً في هذه الارقام، فرغم كثافة عدد السيارات فلا تزال الخرطوم تعاني من أزمة في المواصلات العامة يمكن وصفها بأنها خانقة لأنها أصبحت تتعلق بشح في مواعين النقل خاصة الكبيرة منها، وفي المقابل يبدو رقم العربات بالخرطوم في تنافر وخصام لدود مع طول الكيلومترات المسفلتة..العربات كثيرة والشوارع ضيقة وقصيرة عمرا وطولا. أما الوجه الآخر من اللغز، فينطوي على المفارقة بين عدد العربات وعدد السكان، فبتقدير ان عدد سكان الخرطوم في حدود خمسة ملايين نسمة فإن هناك سيارة لكل مواطنين اثنين، اما بافتراض ان عدد سكان العاصمة يصل الى سبعة ملايين نسمة، فإن هناك سيارة لكل ثلاثة مواطنين تقريبا. بالطبع هذه القسمة ليست صحيحة فكثير جدا من سكان الخرطوم لا يملكون عربة، ولذلك فإن مقتضى المعادلة التي وفرتها وزارة الداخلية يشير الى ان هناك افراداً في الخرطوم يمتلكون أكثر من عربة واحدة. هذا الخلل في توزيع السيارات المشابه للطرفة المنسوبة للكاتب الشهير برنارد شو معلقاً على ظهور الصلع برأسه وكثافة لحيته (انا اعاني من كثافة في الانتاج وسوء في التوزيع)،أسهم فيه نشاط البنوك في عمليات تمويل السيارات بصورة لافتة للنظر، ويبدو ان القطاع المصرفي وجد في تمويل شراء السيارات ضالته المنشودة، عوضاً عن تمويل مشاريع اخرى تنطوي على نسبة مخاطر مرتفعة واحتمالية استرجاع متدنية، حتى ولو كانت هذه المشاريع ذات مردود اقتصادي أكثر نفعاً من مجرد تمويل شراء سيارة لموظف. علاج هذه الحالة المرضية يقع على عدة جهات اولها بنك السودان الذي راجت التكهنات عن انه سيتجه الى منع البنوك من تمويل شراء السيارات او الحد من هذا النشاط في اضيق نطاق ممكن، عبر اشتراطات ولوائح تحدد عملية التمويل.. خطوة بنك السودان حتى اذا تمت فإنها ستكون يتيمة، ما لم يصاحبها تحسن كبير وجذري في شبكة المواصلات العامة تجعل عملية التنقل داخل الخرطوم سهلة وميسورة ومتوافرة على مدار الاربع والعشرين ساعة، وعندها لن يرتب المواطن أولوياته بصورة معكوسة تجعل السيارة في المقدمة والمنزل الخاص في المؤخرة كما هو حال معظم الموظفين (اليومين ديل).