رولان بارتRoland Barthes) ) (1915 - 1980م) ناقد أدبي فرنسي وفيلسوف ومفكر متنوع الجوانب بدأ الكتابة متأخراً في سن الأربعين بسبب مرضه، وسرعان ما تسلق الدرجات العلمية إلى أن أصبح أستاذاً ب(الكوليج دي فرانس) بباريس سنة 1976م، وهي أعلى مرتبة أكاديمية، واحتل كرسي (السيمياء الأدبية) إلى تاريخ وفاته مصدوماً بسيارة سنه 1980م وهو في أوج العطاء. وارتبط اسمه بحركة النقد البنيوية، وتميزت أغلب أعماله الأدبية بالتنوع الشديد في أغلب ميادين اللغة والنقد الأدبي والتي تقع في مجملها في خمسة عشرة مؤلفاً منها: (هسهسة اللغة)، (خطاب عاشق)، (لذة النص والكتابة) و(في درجة الصفر). كان بارت ناقداً أدبياً وباحثاً لسانياً وعالم سيمياء ومنظراً للفن والأدب وكان يمثل اتجاهاً خاصاً به يقع وسط أشد المناقشات الأدبية والفنية حدةً في الربع الأخير من القرن المنصرم. أما مقالته الأشهر (موت المؤلف) وهي مقالة نقدية لها أهمية مصيرية على حد قول الدكتور عبد الله الغذامي في معرض تقديمه لكتاب رولان بارت (نقد وحقيقة) ترجمة الدكتور منذر عياشي. حيث لا يعني بهذه المقولة إلغاء المؤلف نهائياً بقدر ما هي عملية تحرير النص من سلطة المؤلف وربطه بسلطة القارئ، أي عملية عقد مزاوجة بين النص نفسه والقارئ ومن ثم استدعاء المؤلف ليبارك هذه العلاقة على حد تعبير الدكتور الغذامي. يتحول القارئ بحسب المصطلح البارتي إلى منتج للنص وعنصر فعال يشارك في عملية صياغة النص ولو بطريقة ثانوية غير مباشرة وليس مستهلكاً لغوياً للنص فهو يركز في معادلته الثلاثية على القارئ باعتباره المبتغى والغاية المقصودة من وراء كل نص مكتوب بلا أدنى ريب فهو غاية الكتابة وبغيره يصبح النص معدوماً أو لا فائدة تذكر من كتابته أصلاً. تتضمن معظم نشاطات بارت تحليلات لمنهجية اللغة والأسلوب الأدبي حيث يتنقل في معظم أعمالة الأدبية في أكثر من نظرية مركزاً على التحليل السردي للنصوص. وانطلاقاً من هذه العملية فإن الأمر يحتاج إلى قارئ جيد ومثقف قادر على عملية فتح شفرات النص الأدبي والدخول إلى أغواره وكشف معاني الجمال ومواضع الإبداع بالنص ومن ثم الوصول إلى قراءة تكمن فيها لذة النص: أي قراءة شاعرية للنص متجاوزاً بذلك القراءة الاسقاطية للنص والقراءة الشرحية. نهضت نظرية بارت النقدية على جملة من المفاهيم النقدية التي تشكل بطبيعة الحال نظرية رائعة نستطيع أن نسميها نظرية ثلاثية الأبعاد أو المحاور مع الاختلاف في عملية تسليط الضوء أو التركيز على كل بعد من هذه الأبعاد الثلاثة بحسب الرؤيا التي يملكها رولان بارت. فيقسم المثلث البارتي العملية إلى مفهوم النص ومفهوم الكتابة ومن ثم مفهوم القارئ أو القراءة (موت المؤلف). كل نص عند بارت يقوم على نسيج لغوي وهو بلاغ مكتوب على فرز العلامة اللسانية. أي أن لكل نص أدبي مكتوب مظهرين، مظهراً دالاً: ويتمثل في الحروف الدالة من ألفاظ وعبارات.. ومظهراً مدلولاً: وهو الجانب المجرد أو المتصور في الذهن أو المتحصل عقلياً كما أطلق عليه (دي سوسير) عالم اللغة اللساني الفرنسي الكبير. لقد كانت كتابات بارت دوماً متجددة تجدد الأحداث الأدبية والمدارس الفنية، يُعمل نظره الحاذق وتحليله الدقيق في مجمل المظاهر الفكرية والحضارية والفنية فجاء موته المفاجئ سبباً إضافياً في اتساع شهرته وتزايد الدراسات حول بنية تفكيره فصدر منذ تلك السنوات العديد من الكتب والدراسات حول شخص رولان بارت وفكره وأعماله. ونلاحظ أن معظم هذه الكتابات تتخذ أحد الموقفين - موقف المريد المندهش الذي يدافع عن أفكاره ويحمل لواء نظرياته - من جهة - ومن جهة أخرى موقف من يرى فيه باحثاً ذكياً. غير أن أشهر من تكلم عن فكر رولان بارت - ولو - باقتضاب - هو تزفيتان تودوروف الذي أصدر سنة 1984م كتاباً بعنوان (نقد النقد) خصصه لدراسة الآراء النقدية في الأدب واللغة التي ظهرت منذ مطلع القرن العشرين وحتى السنوات الأخيرة وقد ترجم هذا الكتاب إلى اللغة العربية وصدر في بيروت عن مركز الإنماء القومي سنة 1986م، ترجمة سامي سويدان في (164) صفحة. فقد قال: «يتبين أن بارت يغير موقفه وأنه ما أن يصوغ رأياً حتى يفقد الاهتمام به، وأن هذا التغيير المستمر لا يفسر ببعض الاستخفاف وإنما بموقف مختلف تجاه الآراء». إن قراءة متأنية لأعمال بارت تكشف عن التحول غير المحدود للمفاهيم النقدية غير المنجزة بفعالية الوعي الذاتي بالكتابة وحركة التقلب النصية. وهذا ما يرفضه القراء، إذ لا يجدون ارتباطاً بين بارت البنيوي والتمرد الأنيق الذي يشي معالجاته في مقالاته الأخيرة. ومن هؤلاء فيليب ثودي الذي يقول عن بارت في كتابه (التقسيم المحافظ) إنه موهوب ولكنه مفكر غريب الأطوار، مليء بالأفكار الجيدة وهو يشطح إلى أفكار خارجة عن الموضوع. وبارت من ناحية متألق كفء وذرائعي متميز، ومن ناحية أخرى مفكر منهجي. إن تكتيكاته المدمرة تفتقر إلى الحماقة الجامحة للعبارات الموهمة بالتناقض والتي ترتدي مسوح الالتزامات للنظم والأساليب. يرى رولان بارت: أن الكتابة في الحقيقة ليست شيئاً سوى البقايا الفقيرة والهزيلة للأشياء الرائعة الجميلة الموجودة في دواخلنا. ويعتقد أن المشكلة ذات أصل بروستي، إذ إن مارسيل بروست قضى نصف حياته وهو يكتب شذرات فقط، وفجأة بدأ في كتابة ذلك العمل الضخم الذي يشبه الطوفان (البحث عن الزمن المفقود). ويقول إنني أجد نفسي مدفوعاً لعمل ذلك، إنني مهتم بما أدعوه ال (رواية) أو صناعة الرواية. ويقرر أنه لا يمكن حصر المحكيات في العالم فهي حاضرة في الأسطورة والحكاية الخرافية والحكاية والقصة والملحمة والتاريخ والتراجيديا والدراما والكوميديا وفي المسرحية الإيمائية وحتى في اللوحة والرسم على الزجاج وفي السينما والبرلمان كما هي موجودة في المحادثة وفي كل الأزمنة والأمكنة حيث لا يوجد شعب دون حكاية. وربط بارت بين أزمة الشعر الحديث وأزمة اللغة، إذ إن مقولة تفكك الكتابة الشعرية اقترنت بالثورة العقلية والمنطقية التي تكبل الشاعر، لذلك يجد قارئ الشعر الحديث نفسه أمام صف من الكلمات لا رابط بينها لتراجع الوظيفة الإسنادية في النسيج اللفظي للقصيدة. ويؤكد بارت أن الفعل الماضي البسيط المشتق من الفرنسية الدارجة يعد حجر الزاوية في السرد ويتمثل دوره في إيصال الحقيقة إلى نقطة ما وأن ينتزع من الأزمان المتعددة والمتراكبة حدثاً لفظياً صرفاً يتوجه بالتجربة الوجودية نحو رابطة منطقية مع أحداث أخرى وقضايا أخرى، وهدفه الابقاء على التراثية في امبراطورية الوقائع، فالماضي البسيط يشتغل اشتغال العلامة الجبرية لغاية ما، وهو الذي يمنطق السرد. ويرى أنه الأداة المثلى لبناء العوالم على اختلافها والزمن المصطنع عن نشأة الأكوان والأساطير والتاريخ، هذا الزمن يفترض وجود عالم مستقل مختزل إلى خطوط دلالية ولا يفترض وجود عالم متسع متراكب معروض أمامنا. في شأن النتاج الأدبي ككل، يرى أن النص يخضع من حيث البنية والشكل لتراكيب عالمية مشتركة بين جميع النصوص الأدبية فهو يقول: «هنالك تنظيم شكلي واحد يحدد واقعاً لجميع الأنظمة السيميائية مهما كانت مادتها ومهما كانت أبعادها». ويعني هذا في الواقع، أن بارت يرى من خلال الانتاج الأدبي وحدة الحقل الرمزي عند البشر ويكون الانتاج الأدبي بذلك نتيجة ضرورية لتراكيب رمزية تنتمي إلى الكيان النفسي البشري، ويعبر بذلك الكاتب عن أبعاد عميقة في النفس البشرية، إلا أنه لا يرى في النص الأدبي صورة عامة تظهر هنا وهناك في لغات متعددة. فهو على الرغم من إيمانه بوجود بنيات عامة يخضع لها الأدب يرى ان العمل الادبي مجبول باللغة. أي أنه يرث الوظيفة المزدوجة للاشارة اللغوية وظيفة الدلالة (المعنى).. ووظيفة الاشارة (الرمز)، فالصيغ اللغوية في الأدب تعود من جهة إلى عمل فردي يخضع الدال لمقتضياته ومن جهة أخرى لآيديولوجية معينة يحمل النص الأدبي طابعها فالكلمة كما يقول المؤلف لا يمكن أن تكون بريئة أبداً ولا يمكن للأدب أن يجد كيانه إلا من خلال البنية الشكلية وإذا كان العمل الأدبي يخضع لما يسميه النقد الحديث (التاريخ) أي السياق الاجتماعي والثقافي الذي فيه يولد فإنه لا يخرج من الزمن ليدخل في عداد الأعمال الخالدة إلا على مستوى الدال، فالمعنى أو المدلول كما يقول (جوف) يتأثر بشكل مباشر بالسياق الاجتماعي والآني الذي ينتجه ويكون بذلك مرتبطاً بالزمن. ونحن لا نحب نصاً أدبياً لما يقوله بل للطريقة التي يقوله بها «إنني أسمع جموح المرسلة. لا المرسلة ذاتها». أما في كتاب (النقد والحقيقة) يقول: «منذ أكثر من مئة سنة - منذ مالارمية على الأرجح مئ-حدث تغير أساسي في أماكن أدبنا ما يتم التناول به وما يتداخل بعضه بالبعض الآخر وما يتوحد هو الوظيفة المزدوجة للكتابة: الوظيفة الشعرية والوظيفة النقدية». وبناء على هذا المنظور النقدي فإن أساس الأدب وسبب خلوده هو العمل في الدالات والبنيات الشكلية وإذا كان الأمر هكذا وكما يحدده بارت فما هي علاقة الدال في الأدب بالمدلول والمعنى.؟ وهل يعني هذا أن الأدب يلغي كل علاقة له مع المعنى؟.