علم الجمال هو أحد المباحث التي تعني ببحثها الفلسفة. حيث تنظر إليه كموضوع للبحث من موقفين. الأول.. هو تأمل الجمال في الطبيعة.. والثاني تأمله في الفن. وهذان الموقفان يحددان زاوية النظر والتأمل في مسائل الجمال وفي تحديد المصطلح وفي وسائل البحث. ولهذا كله (فعلم الجمال) يختلف في تحديداته باختلاف المدارس الفلسفية التي تبحث فيه. فهناك المدارس الفلسفية المثالية، وهناك ما يقابلها من مدارس مادية. ما يهمنا هنا هذه التفرقة ما بين (الجمال في الطبيعة) و(الجمال في الفن). الجمال في الطبيعة يدرس الاشياء من حيث النسق والنظام الذي ينظم اجزاء الشئ الواحد أو عدد من الاشياء داخل بنية تكوينية واحدة.. وهنا فمن الممكن ان ينظر في الجسد الانساني كما في تصوير ونحت عهد النهضة في ايطاليا.. عند مايكل انجلو ودافنشي مثلاً. أو ان ينظر الجمال في تخطيط الحدائق والمدن.. أو ان يكشف هذا السحر الغامض الذي يكسو مظاهر الطبيعة في شقها المادي.. أو ان ينظر في الادوات والاشياء المادية تلك التي يصنعها الانسان الفنان.. وهنا يمكن ان يسمى كل من (الجمال في الطبيعة) و(الجمال في الفن)، باسمين آخرين.. كأن نسمى الأول ب (الفن التطبيقي) وان نسمي الثاني ب (الفن الصافي). ولان الكلام هنا كثير جداً.. فسوف نحصر المسألة الجمالية في فن (كتابة القصة القصيرة) بوصفها شكلاً جمالياً بصرف النظر عن مضمونها أو الموضوع الذي تتعرض له. جمالية القصة القصيرة.. تحددها طرائق الكتابة التي تكتب بها. ومن المؤكد أنه ليس هناك طريقة واحدة لكتابتها.. بل تتعدد الطرائق بناء على المدارس الادبية المختلفة تلك التي تأسست على أسس من نظرية الجمال.. تلك التي تجئ بها المدارس الجمالية المختلفة ايضاً. وحتى داخل هذه الاطر المدرسية المتعددة هناك الاضافة الفردية تلك التي تمثل موهبة الفنان وخصوصية نظرته للعالم. فهنا.. فضاء واسع.. يكتب داخله كاتب القصة القصيرة.. ولكنه يكتب منطلقاً من موقف جمالي حر.. فهو لا يتقيد بطرائق الكتابة (الكلاسيكية).. بل هو يسعى لان يبتدع طرائق جديدة موضوعة ما بين الاتباع والابداع على مستوى من جدلية استولاد شكل جديد. ان التجديد في الشكل الجمالي يفرضه واقع جديد.. واقع يبتكر ويبدع طرائق في التعبير جديدة تتلائم مع المضامين والموضوعات الجديدة التي جاءت بسبب الحراك الاجتماعي في خصائصه المحددة ايضاً.. تلك التي تعبر عن زمانها الجديد. ولهذا يصبح الإلتزام الحقيقي هو إلتزام بهذا الشكل الجمالي القصصي حيث يتطابق الشكل كمحتوى لمضمون هذا الزمان الجديد. من المؤكد ان هذا الفن الجديد ذو النزوع الجديد يحتاج لناقد ولمتلقي جديدين يستطيعان ان يكشفا عن هذا التعبير الفني الجديد لأنهما يمتلكان هذه القدرة النقدية الجديدة. ومن المؤكد ان مثل هذا الفن الجديد لا يمكن ان يفرض نفسه على الساحة الابداعية تلك التي تمجد القديم بسبب عدم قدرتها على الكشف عن الجديد في قوانينه الابداعية الجمالية هذه التي تتفجر لأول مرة في فضاء الابداع المحلي. اعداد قليلة من الابداعات العربية استطاعت ان تجد لها مكاناً بين ابداعات العالم.. وذلك بسبب التصاقها بهذه الآفاق الجمالية المحلية المنغلقة على ذاتها. وهي ابداعات ليست لديها القدرة على ملامسة تخوم الجديد في الضمير الجمالي على الصعيدين المحلي (الجديد) والعالمي. كل هذا التخلف الجمالي يأتي بسبب التصاق المخيلة الابداعية الجمالية باطرها البلاغية والنحوية القديمة.. مما يجعلها مشلولة امام التجديد. وتحت ذات الافق فهناك كتابات تساوم المزاج الجمالي القديم.. ولهذا تظل في مواقعها القديمة لا تقوى على المغامرة الابداعية تلك التي تحاول تأسيس الجمال الابداعي الجديد. من المؤكد ان مساعي التجديد تحتاج لشجاعة أدبية وأخلاقية عالية.. بل هي ضرب من المغامرة التي لا يهمها الكسب المؤقت والسريع والزائل ولكنها تسعى لتأسيس فكر جديد وجمال جديد للكشف عن واقع وجودي وابداعي جديد. ومن ثم فان الحرية الابداعية.. هي حرية اعطاء الفرصة للآخرين لأن يبدعوا جديداً.. لا ان يقلدوا قديماً انتهي أوانه.