ذكر تقرير نُشر حديثاً لصحيفة فنية اسكتلندية أن أكثر من (320) قناة من القنوات الفضائية الأوربية على الأقمار (هوت بيرد، وفيويل سات، واسترا، وكوبر نيكوس) مملوكة لرجال أعمال عرب باستثمارات تفوق ال « 460» مليون يورو، وأضافت الصحيفة آن رجال الأعمال العرب قد جنوا من هذه المضخات والاستثمار الفني، مكاسب تخطت المليار يورو خلال سبع سنوات فقط. ---- واجهة للظهور هذا التقرير أوضح جلياً «زواج متعة» جديد بين الأثرياء والفن، وانه معين مربح وواجهة اجتماعية راقية لجذب «الفلاشات» حيث أضحى الفن اليوم أقوى من الجيوش، وله تأثير ووزن صاعق للوجاهات المجتمعية، وبإزدياد عددية الاثرياء في المعمورة فكل يبحث عن واجهة للتميز والظهور، لاضافة «ياقات» ملونة للسيرة الذاتية، يكمل بها الثري مصفوفة الاستمتاع.. السودان في الآونة الأخيرة شهد سطوع جملة من الأثرياء الجدد كل في مجاله، وأضحت الساحة ماثلة لمفردات جديدة للظهور والاريحية، فرأينا الشعراء الأثرياء والمغنين «القنادلة» وأباطرة المال وهو يمتلكون أدوات الفن. الشعر والطوب بعض هؤلاء ظهروا على السطح لبرهة ثم انزووا، إلا آن أشرف سيد أحمد الكاردينال اضحى في الواقع سؤالاً كبيراً في الساحة الفنية والرياضية، وفي صالونات البيت السوداني اليوم. لفظ الكاردينال يشير إلى تلك الدرجة الرفيعة في الكنيسة الكاثوليكية التي يحظى بها رجال الدين المسيحيين، فيما يشير ذات المصطلح وعلى لسان اشرف نفسه لطائر يرمز للحب والسلام واتخذه بموجب ذلك شعاراً لمجموعته التجارية وشعاراً للفرع المتخصص في استثماراته.. تقول السيرة الذاتية للكاردينال انه رجل أعمال دخل ساحة المال عام 7891 كتاجر طوب في السجانة وهاجر بعدها إلى خارج السودان، وبعد رجوعه ثرياً، تعاطى الرومانسية والشعر ليقدم بموجب ذلك أعمالاً فنية لفنانين كبار.. ديوان الحلزون في فيلم عادل امام الكوميدي الاجتماعي «مرجان أحمد مرجان»، يظهر عادل كشخص ثري يشتري «بفلوسه» كل شيء تقريباً من الأشخاص إلى الذمم إلى الظهور الاعلامي والشهادة الاكاديمية حتى يصل إلى أخمص «الشعر» وذلك للفت النظر نحو شخصيته ومحاولة لاكسابها احتراماً وتقديراً لم ير أن المال الكثير حققه له، لذا فأراد الدخول عبر بوابة «رجل الأعمال المثقف» فنراه يشتري الديوان الشعري «الحلزون» من شاعر مغمور بسعد زهيد وينسب لنفسه القصائد بعد طباعتها طباعة فاخرة وتوزيعها «مجاناً» على شبابيك الواجهات..!! هذا الوصف يصدق اليوم على بعض الرموز الثرية التي ظهرت «فجأة» في سماء المال والثقافة، مما يلقي على المنضدة جملة من التساؤلات: أين كان هؤلاء بهذه الابداعية من زمان؟ ولماذا لم يظهر ابداعهم الفني إلا مترافقاً مع الثراء، وهل المادة تصنع الفنان.. أم العكس هو الصحيح..؟ استغلال الفنان الوجوه الجديدة التي تمثل الجيل الجديد من الأثرياء وأمراء المال السودانيين، كانت سبباً لانتقادات عديدة، حيث استطاعات هذه الفئة تسويق نفسها ومحاولة تأكيد وجودها في الساحة الفنية بشكل لافت للنظر، وذلك عبر الاستماتة في استثارة ذائقة المتلقي بما تتيحه امكاناتهم في (استغلال) اسماء فنية كبيرة لها وجودها في الساحة الفنية والثقافية.. ومن هنا يبدأ الاستقطاب للمتلقي، حيث أنهم يستقطبون كبار المطربين الذين يتغنون لهم بأغنياتهم، وهم بذلك يستغلون الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها المطرب، ويبدأون في (نفث) اشعارهم والحانهم عبره، ومن ثم يضمنون لها الوصول إلى أكبر فئة ممكنة من الجمهور المتلقي.. ولا نعتقد أن الفنان الذي يقبل على مثل هذه التجارب، ومهما قدموا له من مال، لا أظنه يستحق أن يكون ثمناً للتنازل وتقديم أعمال لا قيمة لها.. لكن يبقى بريق الذهب والدنانير يسحر العيون، بل ويعميها.. دور لافت نحن في الساحة الفنية السودانية، نعاني من اشكالات عديدة وكلها تحتاج إلى التمويل، فمشكلة التوزيع الموسيقى، والحاجة إلى استديوهات مجهزة بأحدث التقانات التي وصل اليها الصوت في العالم، وغير ذلك من الصالات والقاعات التي تحتفي بالموسيقى، كل هذه الأشياء كان يجب على حملة (اوراق البنكنوت) والذين يحبون الفن ويريدون أن يكونوا قريبين منه، أن يلتفتوا لها ويدعموها، فهم يملكون المال، وأهل الفن يملكون الموهبة وكان الأجدى لو اجتمعا وكلٌ في تخصصه.. لكن لا.. فصاحب المال لا يريد أن يكتفي بأن يكون (منتجاً) فقط، بل لابد أن يكون شاعراً وملحناً، وإن دعا الأمر.. فناناً..!!! لذا نرى مخرجات لا تمت لواقع الفن بصلة لكن يجاهد (صاحب الجاه) في أن يجمع حوله ثلة من الفنانين وأشباههم، بل والاعلاميين أيضاً، فنرى الصداقات الظاهرة التي تجمع بينهم، وكل هذا يقوم به صاحب المال في سبيل تمهيد الطرق التي تؤدي به إلى أن يكون أصيلاً بفكره في المجتمع الفني وصاحب دور لافت، وليس مجرد منتج يملك المال فقط..ً!! غناء هزيل عودة إلى الكاردينال، والذي لم نعرفه قبل أن يصبح مالكاً للعديد من الشركات والأموال، ناهيك أن نكون قد سمعنا عن شاعريته أو احساسه الفني المرهف، فقد حدث كل ذلك في غمرة من انشغال الناس باشياء كثيرة أملتها ظروف السودان التي عاشها في الفترة الماضية، وفجأة يطل علينا الشاعر الذي لا يُجارى وتحتضنه المدينة في حنو بالغ، ويغني له أحد أشهر فنانيها، ودعونا نقرأ في احدى اشهر قصائده: الشوق تعبان يا ستهم زول بريدك يا ستهم لو تخاصم لو تجافي تبقى بطبعك مجافي يا قمر ريدنا الخرافي.. هذه الأغنية قدمها الفنان الكبير كمال ترباس، ولحنها الملحن الراقي د. علي الكوباني، وهما اسمان يكفي ان يقترنا بأي (كلمة) حتى تأخذ نصيبها من الشهرة، ونتابع ونقرأ لبعض الصحفيين من يقوم بتمجيد هذا العمل لدرجة ترفعه إلى مصاف أغنيات الكاشف ومصطفى سيد أحمد، بل أكثر من ذلك حينما يصف هذا النوع من الغناء بأنه (غناء أصيل).. لكن يبقى هذا كله خطة مدروسة بعناية لتخدم الغرض الرئيسي من تناول الشعر، أو التلحين، أو الغناء.. وكلكم يعلم..!! ولا زلنا ننتظر افادات الكثير من المختصين لتحليل هذه الظاهرة، الذي انتشرت بكثيرة خلال الفترة الماضية، وكل من يملك (نقوداً) يريدنا أن نصفق له..!!