شهدت الساحة الفنية في فترات متلاحقة، اقتحام عدد كبير جداً من فئات المجتمع المختلفة لها من أطباء، وصحفيين، ومعلمين، وحرفيين، وقوات نظامية، وغيرهم كشعراء، وملحنين، وأحياناً مطربين، وعلى سبيل المثال لا الحصر في الصحافة: الراحل حسن ساتي، وفضل الله محمد، ومصطفى أبو العزائم، وفي القانون: عبدالباسط سبدرات، وفي الطب والصيدلة: د. علي شبيكة، ود. عمر محمود خالد، وفي سلك القوات النظامية بصفة خاصة نذكر اللواء عوض أحمد خليفة، صاحب الروائع، والعميد عمر الشاعر، وفي مجال الدراما: جمال حسن سعيد، والقائمة تطول.. وقديماً على سبيل المثال، دخل إلى ساحات الغناء رجل الأعمال أبوالعلا، الذي تغنّى له الفنان الراحل أحمد المصطفى أغنيته الشهيرة «سفري السبب لي أذاي»، بجانب عدد من مشاركات بعض رجال الأعمال في الفترات السابقة.. ولكن في الفترات الأخيرة اقتحم عدد من رجال الأعمال الساحة الفنية بصورة كبيرة جداً، عبر بوابة عدد من المطربين الكبار والواعدين، مما أثار الكثير من الجدل بين مؤيد ومعارض لأعمالهم، بل اتّهمهم الكثيرون بشراء الأشعار والألحان، ونسبها إلى أنفسهم، بالإضافة إلى اتّهامهم بضعف الكثير من الأعمال التي قدّموها، وتغنّى بها الكثير من المطربين، من أجل العائد المادّي، بدون مراعاة لقيمة العمل، بمعنى «المال مقابل الشهرة». «آخر لحظة» طرقت هذا الباب لمعرفة آراء عدد من المطربين والنقاد، حول دخول رجال الأعمال للساحة الفنية، وهل شكّل دخولهم إضافة، أم خصماً عليها، فكانت هذه الحصيلة: وردي : هدموا الفنّ والقيم والسلوك الأخلاقي للفنان: في البداية تحدث الفنان الامبراطور محمد وردي قائلاً: إذا امتلك أصحاب المال الموهبة، وشكلت أعمالهم إضافة للساحة الفنية المفتوحة لكل أصحاب المواهب فلا مانع في ذلك، ولكن وجودهم في الساحة الفنية ظاهرة غير صحّيّة، وكانوا خصماً عليها، بالإضافة إلى أن وجودهم في الأجهزة الإعلامية أكثر من أعمالهم، وأضرّوا بكثير من المطربين الذين لهثوا وراء المال، وهدموا بذلك الفنّ، والقيم الفنية، والسلوك الأخلاقي للفنان، فشهرة المال لم تغنهم، وأرادوا الظهور بصور أخرى، وهذا نقص في دواخلهم، وهي تتلخص في الظواهر المرضية، وهذه من الشواذّ التي ظهرت في المجتمع في الآونة الأخيرة. محمد ميرغني : شوّهوا مسيرة الفنانين بأعمال غير جيدة: ومن جانبه، ذكر الفنّان، محمد ميرغني، بأن معظم المبدعين على مر الزمان عانوا كثيراً وأخرجوا الدرر، والإبداع يخرج من المعاناة التي يفتقدها رجال الأعمال، الساعين لشراء الشهرة بأموالهم التي شوّهوا بها مسيرة عدد من الفنانين بأعمال غير جيّدة، خصمت من رصيدهم الكثير، وهذه الظاهرة تضر بالأخلاق في المقام الأوّل، وتفسد المجتمع قبل الإضرار بالساحة الفنية، فإذا قال الفنان لرجل الأعمال الذي يتصدّق عليه بأمواله: إن هذا العمل دون المستوى، «يزجر» وهذا إذلال ما بعده إذلال للفن والفنانين.. قاتل الله الفقر. محمد يوسف : أعمالهم تفتقد الإحساس، ونتجت عن أهداف خاصة: فيما يرى الأستاذ محمد يوسف موسى، رئيس اتحاد شعراء الأغنية السودانية، بأن أي غناء لا يأتي من إحساس حقيقي، خال من المجاملة والصدق، ويأتي لمتطلبات بأهداف يرجوها المغني من رجال الأعمال، فلا أعتقد بأنّها تجربة ناجحة، فقد سبقتها عدة أعمال من قبل، ولكنها لم تخلد وتصمد على مر التاريخ، لافتقارها للإحساس الحقيقي، وخصمت كثيراً من رصيد المطربين الذين تغنّوا بها، فكانت أعمالاً غير جميلة، لا في حق المطربين، ولا في حق الأغنية السودانية، التي عرفت بالغناء الجميل، وهذه النوعية من الغناء تندثر سريعاً في الساحة. حسب الدائم : للاسف الشديد المطربون لا يعون رسالة الفنان: وأكّد الفنان إسماعيل حسب الدائم، أن غناء المطربين لرجال الأعمال لم يشكل أية إضافة للساحة الفنية، والدليل على ذلك أن الأجيال الجديدة من المطربين ما زالت تردد الأعمال القديمة، فالفنّ رسالة في المقال الأول، قبل جني الأموال، ولكن للأسف الشديد، هنالك عدد من المطربين يلهثون وراء رجال الأعمال، يطلبون الثراء السريع بدون أية رسالة فنية، فخصموا من رصيدهم، وشكلوا عبئاً على الساحة. سيف الجامعة : أعمالهم شكلت إضافة للساحة الفنية: وأشار الفنان سيف الجامعة لأن الدخول لحديقة الغناء متاح لكل شخص صاحب موهبة، وبصراحة شديدة رجال الأعمال شكلوا إضافة حقيقية للساحة الفنية، والمطربون يرددون أعمالهم لجودتها، وليس لمقابل مادي، فالمطربون ليسوا شريحة فقيرة حتى يلهثوا وراء رجال الأعمال، ويكفينا أننا أغنياء بحب الناس، لذلك نرفض مثل هذه الأحاديث التي تدخل في أمور شخصية، بعيدة عن قيمة الأعمال التي تقدم.. فلماذا لا يدخل رجال الأعمال للساحة الفنية التي تعج بهم في جميع دول العالم، فالعلاقة بين المال والفن هي علاقة طبيعية جداً، ولكن مشكلتنا في السودان نشخص الأشياء، ونفرّغها من مضامينها، بسبب الانطباعية في النقد. سمية حسن : إذا امتلكوا الموهبة فلماذا لا نتعامل معهم: واتّفقت الفنانة سمية حسن مع زميلها سيف الجامعة، بقولها: إذا امتلك رجال الأعمال الموهبة، فلا يوجد ما يمنع المطربين من التعامل معهم، خاصة وأن عدداً من أعمالهم شكلت إضافة للساحة الفنية، ووجدت قبولاً كبيراً جداً من الجمهور، ونفت سمة سعي الفنانين وراء رجال الأعمال من أجل المال، وقالت: نحن نتعامل مع الكلمة الجميلة الصادقة، النابعة من القلب إلى القلب، وهذه ليست جريمة أن يكون رجل الأعمال موهوباً بالشعر أو التلحين أو حتى الغناء، وبصراحة هم مبدعون بمعنى الكلمة. أمير عبد الماجد : المطرب المرتبط برجل أعمال معيّن غير جدير بالبقاء فيما أشار الأستاذ الصحفي، أمير عبد الماجد، إلى أن هنالك بعض رجال المال من قبيلة المبدعين أصلاً، والتغني بأشعارهم يشكل إضافة، ولكن الغناء المرتبط برجال أعمال بأعينهم، دفن كثيراً من الأصوات التي كنا نعوّل عليها، وفرضت عليهم أعمالاً غنائية لم تسهم في تطوير تجربتهم، لا على مستوى الأشعار، أو الألحان، وكثير من المطربين الذين دخلوا الوسط الفني عبر بوابة رجال الأعمال خرجوا دون إضافة، وحتى الآن لم نشهد تجارب غنائية لافتة لرجال الأعمال، وكلها تصبّ في التقليد للأعمال القديمة، سوى أغنية«اعذريني».. وبصراحة شديدة، أي فنان يرهن مسيرته الفنية لرجل أعمال، فهو غير جدير بالبقاء في الساحة. سراج مصطفى : يمكن أن يولّد الثراء الإبداع ولكن أعمالهم غير مؤثرة فيما أكد الأستاذ الصحفي، سراج الدين مصطفى، على أن غناء المطربين لرجال الأعمال شابه الكثير من الكلام، وتعددت أوجه تفسيره، فمن الصعب والسهل تحليله، فنحن لا نستطيع الاطلاع على نوايا المطربين، ولكن نستطيع الاطّلاع على المنتوج بعد ذلك، فالإبداع عند الشعب السوداني يرتبط دائماً بالفقر، وينحاز له، ولا أدري لماذا، ولهم مقولة شهيرة في ذلك: «المعاناة تولّد الابداع» وأنا لا أتّفق معها مطلقاً، فالمبدع يمكن أن يكون ثرياً، فلماذا لا تولد الراحة الإبداع؟ ولكن بالنظر لواقع ما أنتج من هذه العلاقة، هو إنتاج غير مؤثر، وموجود بكثافة، ولكنه لم يلامس الوجدان السوداني، فبعض رجال الأعمال مظلومون، وقدموا ألحاناً جميلة، مثل «اعذريني، ضحكتك، ترحال، يا واقفة» لصلاح إدريس، الذي استسهل الفكرة بعد ذلك، وأصبح يومياً يقدم الألحان للساحة. والفكرة ببساطة أغنيات موجودة، وتأثير ضعيف، والحكم عليها في المقام الأول للمستمع، ويمكن أن يكون لبعض المطربين مآرب أخرى في هذه الأعمال غير الغناء، وهذا، حتماً، سيخصم من رصيدهم، وقد يكون غير ذلك. محمد إبراهيم : هذه الثنائية المشوّهة افتقرت للموهبة وقال الصحفي الأستاذ محمد إبراهيم: قديماً في فترة الغنائيات الذهبية ظهرت ثنائيات، شكّلت إضافة حقيقية للأغنية السودانية، مثل ثنائية عثمان حسين وبازرعة، وغيرها، وكانت تقوم على الموهبة الفطرية الحقيقية؛ لذلك ظلت اعمالهم خالدة على مرور التاريخ، ولكن في الفترة الأخيرة ظهرت ثنائيات مشوهة، تقوم على المجاملات وغيرها، وأنتجت أعمالاً لم تصمد، وأعتقد بأن ترديد المطربين لأغنيات رجال الأعمال هي عملية مصالح متبادلة بين الطرفين، بعيدة تماماً عن إثراء الساحة الفنية، فرجال الأعمال تجمعت حولهم عوامل الثراء، واتجهوا للبحث عن عوامل الشهرة والوجود الاجتماعي، معتقدين أن أموالهم تفتح لهم المنافذ الواسعة نحو القبول المجتمعي، فلم يجدوا طريقاً أيسر من أنصاف المغنين والمغنيات، ليحملهم إلى ما كانوا يحلمون به من شهرة ومجد، وبغض النظر عن إيراد أسماء بعينها، فإن أغلب رجال الأعمال الموجودين، الذين طرحوا أنفسهم في الساحة، تعوزهم الموهبة الفطرية بشدة، ورغم ذلك وجدوا الصيت الاجتماعي والفني، متكئين على أموالهم، وبالجانب الآخر فإن انفتاح الساحة الفنية على مصراعيها لكل من هبّ، بدون موهبة، ودبّ مثل الزرع البروس، خلق جيشاً جراراً من المغنين والمغنيات، أنصاف المواهب، الحالمين بالشهرة والثراء السريع، فلمّا لم يجدوا الأولى، قنعوا بالثانية التي وجدوها مبذولة من رجال الأعمال، وبالتالي فإن العلاقة المشوهة التي نشأت بين الطرفين، والتي تفتقر إلى أهم شرط فيها، وهو الموهبة، تنفي تماماً وجود أية بصمة لتحالف أثرياء العاصمة والمغنين الجدد.