اضراب عمال السكة الحديد واعتصامهم بعطبرة التي كانت عاصمة الحديد والنار يجب ان يجد اهتماماً كبيراً لاسباب موضوعية. ففي المقام الاول هؤلاء منسوبون للدولة وبالتالي ينبغي ان تفي الدولة بالتزامها معهم وتعاملهم كما عاملت منسوبيها في المرافق الاخرى. ولكن يبدو ان الدولة عاملتهم على اساس انهم يقومون على مرفق خاسر منصرفاته اكثر من ايراداته وهذه حقيقة، ولكن الذنب ليس ذنبهم انما ذنب الذين حطموا هذا المرفق المهم وحطموا معه الاقتصاد السوداني، ثم ثانياً ان هؤلاء العاملين في السكة الحديد هم القابضون على جمرتها في انتظار ان يأتي يوم تثوب فيه الدولة الى رشدها وتجعل من اعادة الحياة للسكة الحديد اولوية لا تقل عن سد مروي وتعلية الروصيرص وسكر النيل الابيض واقامة الانتخابات وتقرير المصير، وهذا يزيد من تعاطفنا مع العاملين المضربين في عطبرة. كما ان هناك سبباً رومانسياً سياسياً اذا جاز التعبير يزيد من تضامننا مع هؤلاء، وهذا يدخل في باب «ارحموا عزيز قوم ذل» فنحن من الذين عايشنا فتوة وعنفوان السكة الحديد، وكان يومها اذا شاع ان عطبرة سوف تضرب او نقابة السكة الحديد سوف تعلن الاضراب، فان كل السودان سيقف على «فد كراع» لان توقف السكة الحديد كان يعني توقف الدماء في شرايين الاقتصاد السوداني، ولعل هذا هو السبب الذي عرضها للذبح من الوريد الى الوريد. ففي حوبات الاضراب التي لا تخلو من البعد السياسي اقسم النميري بان «يلحقها الغطس» فبدأ ذلك بتفكيك مركزها في عطبرة ثم تشريد عامليها واقامة طريق الخرطومبورتسودان البري فانتهت السكة الحديد وانتهت فاعلية نقابتها السياسية، فاصبح اضرابها مثل اضراب العاملين في البريد والبرق لا يقلب «تربيزة» لقد قضى تحالف السياسة مع الاقتصاد على السكة الحديد التي قربت المسافات في يوم من الايام، عليه اية محاولة لاعادة الحياة للسكة الحديد يجب ان تبدأ بفك الارتباط بين السياسة والاقتصاد، ويجب ان تعود الروح اليها على أسس اقتصادية بحتة. بعد خروج القطار من قطاع النقل اصيب ذلك القطاع في مقتل. فبالاضافة الى ارتفاع تكلفة النقل بغير السكة الحديد فان المحصولات والبضائع كانت عندما تدخل جوف القطار تكون في الحفظ والصون الى ان تصل محطتها النهائية، اما الآن فان السلع التي تحملها الشاحنات تتعرض لوابل من الجبايات والتوقف المستمر والكثير من الحوادث، فيزيد الامر طغثاً على ابالة كما تقول العرب، كم انت محظوظ يا بترول السودان لانك تنقل تحت سطح الارض، فلو كان هذا البترول ينقل «بالتناكر» لخرج من المنافسة نهائياً كما حدث للمنتجات الحيوانية والبستانية والخضروات، ومن هنا تأتي سعادتنا بمطار مروي الدولي حيث خطط كي تنقل المنتجات للتصدير من هناك مباشرة. فلو كانت ستنقل بالبر الى بورتسودان او الى الخرطوم فالفاتحة على روحها «من هسة». عودة الى موضوعنا وان لم نخرج عنه فاننا ندعو ومن القلب ان يكون في حل اشكالية العاملين في السكة الحديد مدخل لحل كل قضايا السكة الحديد والتفكير في بعثها من جديد، ونشكر عمال السكة الحديد على اضرابهم الذي ذكرنا بأيام كان فيها قطار الشوق يهز ويرز «وبف نفسه ورزيم صدره يطير القلب».