(خديجة.. وقعت من البلكونة.. وهي بتبص ع الجيران).. اعلان تجاري متجاوز.. يجري تصريفه اليوم على قنوات السودان الفضائية، وتتجول مفرداته «الاقناعية» في ادوات حركية ايقاعية.. تلفت الانتباه.. لكن مؤخراً غزت محطاتنا الفضائية ثقافة الدراما الاعلانية، لتجعل من الاستمالة النفسية في المنتج، ذات وقع راسخ، باستخدام ادوات لجذب الانتباه، ممثلة في النظر والاستماع، وكذا الممثل المعني بالنص.. فالأهداف النفسية للاعلان التجاري اليوم، تعمل لجذب الانتباه واحداث الصدمة الحسية للمشاهد، واستثارة رغبته بغرض اقناعه لتدعيم الأفكار الاعلانية.. وكل هذا من اجل الترويج للمنتج.. --- الاعلان اليوم في فضائياتنا تخلص من قوة (الحلقوم) التي كانت سائدة لمدة طويلة في اعلاناتنا، واحيل بينها وثقافة الحنجرة، تيمة جديدة تسمى الدراما، بغرض الاقناع.. فالاعلان الناجح الآن.. هو ذاك الذي يستطيع جذب ادوات الانتباه من قِبل المستهلك لخلق رغبة الشراء واحتواء جهة الخدمة المعلن عنها، واستلام كافة مواصفات المنتج برغبة مصنوعة «بلباقة» مما يدفع المستهلك للاستجابة على تثبيت مسمى السلعة في ذهنه أينما ذهب، حتى يداوم ويدندن على نصها المعلن وطلب استعمالها.. في دراسة طريفة أجرتها احدى الصحف الامريكية وجدت ان اضافة اللون إلى الاعلانات قد أدى لزيادة قدرها (511%) من درجة انتباه الجمهور المتصفح للجريدة، هذا من جانب «دراما اللون»، ومن جانب آخر فان صنع المفارقة اللغوية «دراما اللغة» قد يحدث ذات الأثر النفسي للمستهلك، فقط انظر لبعض هذه الاعلانات العجيبة: «لافتة مكتوب عليها بالبوهية لمحل كافتريا، «دكتوراة في الكبدة، وماجستير مخ، ودبلوم في الشوربة بأنوعها»، واعلان آخر لمحل حلاقة كتب عليه «صالون زعمطة للحلاقة»، او فلنتأمل ما كتبه احدهم امام منزله «زيارتك المفاجئة قد تسرني أنا بالذات، لكن ربما تكون للكلب (جرقاس) وجهة نظر أخرى».. إذن فأدب دراما المفارقة اللغوية او دراما الواقع ذات اثر فكاهي، لكنه مقنع، وقلما ينسى قارئ هذه الاعلانات مراد صاحبها بتاتاً. وعليه فإن الدراما قد تعدد في مناحِ عديدة بغرض وضع لافتات لغوية او بصرية او الاثنتين معاً لصنع الصدمة الانفعالية، فالتزام «دراما الفكاهة» قد يلجأ له بعض المعلنين حتى يربط السلعة في ذهن المستهلك بمناسبة سعيدة أو ممثل مشهور، مما يجعله يشتريها دون غيرها.. اليوم على الشاشات السودانية، هناك اعلانات تم تصنيعها خارج القطر، بغرض صنع الصدمة البصرية، من حيث الاشخاص الذين يظهرون من خلال الاعلان، كذلك لغة الاعلان، فالحركة والايقاعات المصاحبة للاعلان تؤدي جميعها إلى جذب الانتباه بدرجة أكبر من الاعلان الجامد، وهناك نجوم مثل جمال حسن سعيد، ومحمد الفادني، ونادية أحمد بابكر، وغيرهم أضحوا نجوم دراما يقدمون اعلانات درامية جاذبة.. الأثر الذي يحدثه الاعلان الدرامي ارجعه خبراء الاعلان إلى ان المستهلك الذي تتم استثارته بأكثر من «حاسة» يصبح لديه انفعال أكبر من لو تحدثنا اليه فقط، فالأشياء المتحركة والايقاع اللحني وتغيير درجات الصوت والمفارقات اللغوية تجعل من الاعلان عصي على النسيان، وبذلك يصبح المنتج معروفاً وقريباً له. فعادة يميل الناس إلى الاقتناع بآراء الأفراد الذين يعجبون بهم، «ممثلون» شخصيات مجتمع، نخبة، رياضيون» ويميلون أيضاً لتقليد أنماطهم السلوكية، فبنية العقل الخلاق هي النسق الذي يسعى اليه المنتجون للاعلان بتحديد فكرة «المعلن» عن نفسه أولاً وعن السلعة ثانياً، وتحديد مدى استجابته وتفاعله. بعض الفضائيات اليوم سعت إلى استهلاك أخلاقيات جديدة ودراما مبدعة، وتغيير نمط النص اللغوي على نظام «التيك اوي» ومع مجموع هذه الانماط الاعلانية إلا أن صناعة الاعلان في السودان ما زالت تعتمد على تقديم ما هو رخيص، أكثر مما هو «مقنع» بسبب افتقارها جميعاً إلى خبراء تقنيين في الاعلان، لذا نرى الكثير من الاعلانات الدرامية الفطيرة، لا لشيء سوى أن سعرها زهيد مقارنة بما يمكن أن يبذل فيها من مال لتصبح جاذبة ومقنعة.. فنرى بعض الإعلانات تنتهج سياسة «عدي من وشك» و«كده ما بطال».. أضافة إلى غياب الموهبة المتخصصة في الصناعة والأداء الدرامي أو الاخراجي، ولننظر مثلاً إلى الاعلانات المنتجة في دولة مجاورة اعتمدت فكرتها على «تسليع الوجوه البيضاء» دون وجود فكرة مقنعة.. مما أحالها إلى دراما «بليدة» النص والاخراج.. والمشاهد السوداني مع اطلاعه إلى قنوات فضائية عديدة ومغايرة قد لا يقع في فخ «العقدة اللونية» بل ربما يضحك على «ملل الصورة».. فخديجة قد تقع من البلكونة.. وتقع معها «السلعة»، ويضحي المشاهد حينها يقول لنفسه: «قد تكون للبلكونة وجهة نظر أخرى»..