عبقرية المكان ربما جعلت من القمة العربية الحالية مغايرة هذه المرة رغم أن الملفات ذاتها التى يجرى بحثها فى كل قمة والبيانات الختامية هى نفسها، ولكن مدينة سرت شهدت انطلاقة فكرة الاتحاد الافريقى فى العام 1999، ثم عدداً من القمم الافريقية حتى قاعة المؤتمرات التى تستضيف القمة اطلق عليها (واقدوقو) عاصمة بوركينا فاسو، فى غمرة اندفاع العقيد القذافى (ملك ملوك افريقيا ) نحو القارة الافريقية حتى ظن الكثيرون انه ادار ظهره للعرب من اجل افريقيا ولكن المدينة أخذت زينتها العربية وهى تستقبل القادة العرب حيث كانت مراسم الاستقبال بمطار القرضابية الدولي بمدينة سرت،حاشدة بكل رموز الثقافة والحضارة العربية فقد اصطفت الجمال العربية ترفرف فوقها رايات خضراء واعلام الدول المشاركة وفرقة ليبية تقدم فواصل من التراث العربى الليبى وتحيى القادة العرب المتوافدين على المطار، ونصبت فى المطار خيمة كبيرة على الطريقة العربية لاستقبال القادة العرب وكسرت تلك الخيمة لاول مرة البرتكولات السابقة التى كانت توفر لبعض القادة فرصة عدم الالتقاء ببعضهم لربما لتوترات سياسية، ولكن الملاحظ ان الخيمة التى نصبها العقيد القذافى لاستقبال القادة العرب فى المطار اذابت الكثير من الجليد، لان الوافد الجديد يلقى بالتحية على كل الحضور وربما تبادل الاحاديث على نحو لم يكن متاحا فى السابق حيث كانت تجرى مراسم الاستقبال فى المطار، ويذهب القائد ووفده الى مقر اقامته ثم الى قاعة المؤتمرات ليجلس فى مقعده حسب الترتيب الهجائى وقد لا يلتقى بعض القادة حتى يعود إلى بلاده ولكن أجواء الخيمة العربية التى وفرتها سرت مهدت للقمة بروح حميمية بين القادة العرب، وفى كلمته الافتتاحية تحدث القذافى طويلا عن تاريخ المدينة العريقة التى بناها الفينيقيون وشهدت فى العصر الحديث مواجهات بين ليبيا واميركا وقد اطلق عليها اسم مدينة الرباط الأمامي، وشهدت المدينة فصولاً من معارك الليبيين مع الاحتلال الإيطالي. ومعركة القرضابية الشهيرة التي هزم فيها الإيطاليون بقيادة الجنرال أميان في 1915، وجغرافياً تتميز سرت بانها تقع فى المنطقة الوسطى تماما بين شرق الوطن العربى وغربه ويتساءل المراقبون هل يمكن الخروج منها يقرارات وسطية تجمع شتات الامة العربية كما انها وسطية حتى فى المناخ الذى يجمع بين الصحراء والبحر، اى الاعتدال والشدة ويمكن تفسير تأثيرات المكان والمناخ على انطلاقة القمة العربية التى ابتدرها امير قطر الرئيس السابق للقمة والعقيد القذافى الرئيس الحالى بكلمتين مقتضبتين على غير العادة فى القمم العربية التى يمكنها ان تدخل موسوعة الارقام القياسية فى الخطب الطويلة وتميزت الكلمتان بالوضوح والصراحة حيث قال امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ان «العالم العربي يمر بأزمة مستعصية»، مقترحا تشكيل لجنة عليا للعمل العربي المشترك لتدارس الوضع الراهن. من جهته اعتبر القذافي في كلمته امام القمة ان «المواطن العربي ينتظر الافعال، الشارع العربي شبع من الكلام وسمع كلاما كثيرا وانا شخصيا تحدثت خلال اربعين عاما في كل شيء، والمواطنون العرب ينتظرون منا، نحن قادة العرب، الافعال وليس الخطب». والكلمتان تشيران الى خطاب عربى جديد ربما يتبلور فى بيان قمة سرت الختامى اليوم الاحد، خصوصا وان القمة هذه المرة وككل مرة تعقد وسط تحديات صعبة يواجهها العالم العربي وحالة متزايدة من اليأس والإحباط وسط الشعوب العربية، من ابرز التحديات التى فرضت نفسها على القمة تصعيدات الصراع العربي الإسرائيلي خاصة فيما يتعلق بالوضع في الأراضي الفلسطينية، ومستقبل مبادرة السلام العربية في ظل تعثر عملية السلام مع استمرار اسرائيل في بناء المستوطنات وممارساتها ازاء المقدسات الإسلامية والمسيحية وضم بعضها للتراث اليهودي. وصادقت اسرائيل مؤخرا على بناء نحو (1600) وحدة استيطانية جديدة فى القدس، ما أثار غضبا عربيا ودوليا لاسيما أن القرار جاء عقب قرار عربي بالموافقة على اطلاق مفاوضات غير مباشرة كما أعلنت تل أبيب في فترة سابقة ضم الحرم الابراهيمي ومسجد بلال بن رباح الى التراث اليهودي ، وقررت هدم مسجد سلمان الفارسي، ودشنت كنيس الخراب بالقرب من أسوار المسجد الأقصى الذي حاصرته لأيام معدودة. ويعد مشروع القرار الخاص بوضع خطة عربية موحدة للتحرك العربي من أجل إنقاذ القدس من أهم البنود المدرجة على جدول أعمال القمة التي تحمل اسم «نداء دعم صمود القدس» إضافة إلى مشروعات القرارات الأخرى الخاصة بالقضية الفلسطينية والصراع العربي ومستجداته وهي مبادرة السلام العربية ، تطورات القضية الفلسطينية، دعم موازنة السلطة الفلسطينية وصمود الشعب الفلسطيني ، والجولان العربي السوري المحتل ، والتضامن مع لبنان ودعمه. وقال الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى قبيل القمة بان المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل مرهونة بتجميد الاستيطان بما في ذلك إلغاء قرار بناء (1600) وحدة سكنية في المدينةالمحتلة، وهو مشروع القرار المنتظر من القمة اليوم. كما يتضمن جدول أعمال القمة العربية بنودا حول الأوضاع في العراق، ودعم السلام والتنمية والوحدة في السودان ، ودعم جمهوريتي الصومال وجزر القمر. وككل عام تخيم على القمة غيابات مؤثرة للقادة العرب حيث يغيب عن القمة كل من الرئيس المصري حسني مبارك الذي يقضي فترة نقاهة بعد عملية جراحية أجريت له في ألمانيا، إضافة إلى رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان, وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، وسلطان عمان قابوس بن سعيد. كما يغيب الرئيس اللبناني ميشال سليمان أو أي مسؤول لبناني رفيع في القمة على خلفية اتهامات لليبيا بالمسؤولية عن اختفاء الزعيم الشيعي الإمام موسى الصدر عقب زيارته لليبيا قبل ثلاثة عقود وكذلك ملك المغرب محمد السادس رئيس لجنة القدس والعاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز إضافة إلى الرئيس العراقي جلال الطالباني.