احتفلت المنظمة الفرانكفونية منتصف شهر مارس المنصرم بذكرى مرور (40) عاما على انشائها. بهذه المناسبة استقبل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في قصر الأليزيه، السيد عبده ضيوف الأمين العام للمنظمة الفرانكوفونية وعدداً من الشخصيات الأخرى في الذكرى الأربعين على تأسيس المنظمة الفرانكفونية. وقد جدد الرئيس الفرنسي التزام بلاده بدعم المنظمة لتضطلع بدورها على أكمل وجه في العالم. والمنظمة الفرانكفونية هي ثاني أكبر تجمع في العالم بعد الجمعية العامة للأمم المتحدة. يضم (70) دولة ناطقة جزئياً أوكلياً باللغة الفرنسية المنتشرة في (4) قارات: أوروبا وأفريقيا وآسيا، وأمريكا الشمالية. وقد انشئت الفرانكفونية بهدف حماية اللغة الفرنسية وثقافاتها، والترويج لها، ثم أضيفت إليها اخيراً أهداف اقتصادية واجتماعية وسياسية، ويظل البعد الثقافي هوالمهيمن على نشاطاتها المختلفة حتى اليوم. ويعتبر أونيسيم ريكلوس الجيولوجي الفرنسي أول من أطلق مصطلح «الفرنكوفونية» وذلك في العقد الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي. غير أن الانطلاقة الحقيقية للفرانكفونية كانت في 20 مارس 1970 في المؤتمر الذي عقد في نيامي. وبعدها توالى عقد دورات القمم مرة كل عامين في إحدى الدول الأعضاء البالغ عددها (70) دولة منها( 14) مراقبا، و( 11) عضوا هي أيضا جزء من الكومنولث. ويعتبر الرئيس السنغالي السابق «ليوبولد سنغور» والرئيس التونسي «الحبيب بورقيبة» والايفواري «هوفيه بواجي» والنيجيري «حماني ديوري» أكثر الزعماء الأفارقة تحمساً للفكر الفرانكفوني. وبالقراءة المتأنية في مسيرة الفرانكفونية يتضح أن حسابات ربح الأفارقة في هذه المنظمة الدولية تتمثل في تقديم المساعدات الاقتصادية وتوفير فرص التعليم العالي (الفني والتطبيقي) لرعايا الدول الأعضاء، بالأضافة الى الحوافز والحماية التي توفرها فرنسا أحياناً لرؤساء الدول الأعضاء من أجل البقاء والاستمرار في السلطة. أما حسابات الخسارة فهي كثيرة ومتعددة تأتي في مقدمتها محاولة محو الهوية الثقافية للشعوب الأفريقية, واضعاف لغاتها الأصلية وتعويضها باللسان الفرنسي، بهدف إلحاقها ثقافياً وحضارياً بالحضارة الفرنسية والغربية على وجه العموم.. وقد اتضحت هذه السياسة الفرنسية في المشاريع والبرامج التعليمية في دول أفريقيا الفرانكفونية، حيث اعتمدت الحكومات الوطنية في هذه الدول بتوجيه من فرنسا سياسة فرض اللغة الفرنسية كلغة للتعليم والثقافة في المدارس الحكومية. وازدواجية التعليم بين اللغة العربية والفرنسية في المدارس الاسلامية والعربية في جميع المراحل التعليمية من الابتدائي حتى الجامعة. كما أن جميع مواد المرحلة الثانوية باستثناء التربية الإسلامية والوطنية واللغة العربية، تدرس باللغة الفرنسية. وكانت نتيجة هذه السياسة التعليمية أن حافظت الدول الأفريقية الفرانكفونية على اللسان الفرنسي في جميع المؤسسات الحكومية و الأهلية مما يضمن لفرنسا استمرار نفوذها الثقافي والاقتصادي والسياسي في هذه البلاد. في السياق يرى المراقبون أن فكرة الاندماج الثقافي والتكامل التي تدعو لها فرنسا عبر المنظمة الفرانكوفونية هي محاولة صب الزيت على النار. فيمكن أن يتم دمج الأفراد إلى درجة معينة فقط لكن يصعب تطبيقه بالكامل حيث الأفارقة يظلون أفارقة، والفرنسيون يظلون فرنسيين. فالأمر لا يتعلق بانعدام الرغبة في الانفتاح والاندماج بل بسياسة الهيمنة حيث الغرب عموماً وفرنسا على وجه الخصوص لا يعترفون إلا بحضارة (الرجل الأبيض) الذي ينبغي أن يقود العالم ويخضعه لمصلحته الشخصية، ولا يمكن الاعتراف بالآخر، وبثقافته وحضارته إلاَّ في هذه الحدود، أي حدود التبعية الثقافية والاقتصادية والسياسية. وفي هذا المنحى يرى المحللون أنه يخطئ من يتصور أن المنظمة الفرانكفونية ستعمل بالجدية على تحقيق التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المنشودة في أفريقيا الفرانكفونية!. كما ليس لدى هذه المنظمة شعور حقيقي أن تتجاوز أفريقيا كافة اختلافاتها العرقية والطبقية والدينية للعيش في الأمن والسلام. وتعضد هذا الرأي الحالة المأساوية التي تعيش فيها بعض دول الفرانكفونية في جنوب الصحراء. حيث لم تتمكن هذه الدول من استئصال الفقر والتخلف، وليس هناك بلد فرانكفوني في دول جنوب الصحراء تبدو عليه مظاهر التطور أو التقدم الحقيقي. فالوضع في تلك البلدان وكأنها ما زالت في فترة الستينيات أو أسوأ. وفي ذات السياق أعتقد أنه لا مناص لدول العالم إذا ارادت أن تحقق حضارة إنسانية حقيقية يجب أن تعترف بتنوع الثقافات وتعدد الهويات الدينية واللغوية لشعوب العالم، وأن تفتح باب الحوار والنقاشات البناءة بين الحضارات على مصراعيه ليدلي كل واحد بدلوه. إن العولمة الثقافية التي تقودها المنظمة الفرانكفونية في أفريقيا وتشاركها بعض المنظمات الغربية لا يمكن أن تقود إلى حضارة إنسانية حقيقية تنعم فيها الانسانية بالعدل والسلم الدائمين. إن السياسة التي تقوم على القوة، والاضطهاد، لا يمكن أن تقود العالم إلى بر الأمان. إن الطريق الوحيد لبناء حضارة إنسانية عالمية يتعلق بالضرورة بالتمسك بمبدأ الحوار الفكري وقوة المنطق ورجاحة العقل. وفي الختام هناك سؤال محوري يطرح نفسه: لماذا لا يكون هناك تنظيم مماثل للدول النامية ؟ أو على مستوى مؤتمر العالم الاسلامي يجمع في عضويته الشعوب التي تعتنق الدين الإسلامي وثقافته وهي تنتشر في جميع ربوع الكرة الأرضية ما يزيد على «المليار» مسلم يتمسكون بالإسلام وتعاليمه بخالص النية، في اعتقادي آن الأوان أن تستعيد الشعوب الأفريقية والاسلامية شيئاً من حضارة سادت ذات يوم ،لاسيما وأن العالم الإسلامي يضم دولاً وشعوباً فيها المبدعون والمفكرون وأصحاب الخبرة يمكن أن يحقق التنمية المنشودة في دولنا. فهل يتحقق للأفارقة والمسلمين هذا التجمع الطموح؟؟ . ? كاتب غيني