هربنا أمس الأول الخميس من (جوطة) الانتخابات إلى (بركات) الإنجاز في مروي حيث تم افتتاح التوربينتين الأخيرتين، التاسعة والعاشرة، في سد مروي لتكتمل سلسلة طويلة ومتصلة من العمليات انتهت أخيراً بهذا الإفتتاح الكبير. ولأنه لا يوجد مطار في ساحة السد بل أقرب مطار هو مطار مروي على بعد حوالي خمسين كيلومتراً فيصبح لا مفر من أن يعبر القادم للسد هذه المسافة من مروي للسد بالسيارات ليجد أنها منطقة شديدة الجفاف وشديدة الخشونة ،و صخور مكدسة وممتدة من صحراء بيوضة إلى مجرى النيل. عبر هذه الصخور شقت المدينة طريق الشريان، من الخرطوم إلى الحمداب، طريقاً مسفلتاً وناعماً ومختصراً للمسافات. زمان، قبل حوالي ثلاثة عقود، كنا نقطع هذه المسافة في ثلاثة أيام متنقلين بين الوحل والأتربة والغبار. والآن نقطعها في أربع ساعات. قبل عدة سطور استخدمت كلمة (جوطة) الانتخابات، وما كنت أتمنى أن أستخدمها. فقد كتبت أكثر من مرة متوقعا أن يحدث في الانتخابات ما يحدث في كل التجارب الأولى من أخطاء مقصودة وغير مقصودة. لكن ما حدث كان أكبر بكثير. في منطقة السد رأينا الوجه الآخر الذي أوشكت أن تغيبه (جوطة) الانتخابات. ما حدث كان أكبر من مجرد بناء سد لتخزين المياه. كان حافزا لفك اختناقات الكهرباء. هل تعرفون ما هي الكهرباء؟ إنها المدخل للمستقبل. كان السطر الأول في التنمية الإقتصادية والإجتماعية وتغيير المنطقة. وكان لبنة قوية في بناء شراكة استراتيجية مع الصين العظيمة. زمان كنا نسميه خزان الحمداب. كنا نسمع الاسم من (حبوباتنا) ضمن أسطورة عجيبة. تقول الأسطورة إن الإنجليز أرادوا أن يشيدوا خزانا في المنطقة. فأحضر خبراؤهم (عصاية) طويلة وغليظة، وغطسوها في النهر وقالوا (محل ما تبنقر نبني الخزان). (تبنقر) يعني تطفوا. تقول الأسطورة أن (العصاية) طفت في إحدى القرى القريبة من الحمداب، فتآمر شباب القرية وأخفوها، واختفى معها خبر الخزان حتى خروج الانجليز من السودان. وبعد.. السؤال الذي لا مفر منه والذي يفرض نفسه بقوة: الآن بعد أن فاض إنتاج الكهرباء في السودان على الإستهلاك.. هل ستستمر القطوعات؟. قبل سنوات كنت أتصور أن الإجابة التلقائية والقاطعة هي: (لا.. لن تكون هناك قطوعات)، ولكن الإجابة كانت شديدة الواقعية: (نعم قد تستمر). لماذا؟.. لأن هناك أسباباً أخرى للقطوعات. مثل ماذا؟ مثل وجود شبكة طال بها العمر حتى اهترأت وما عادت تحتمل المزيد.