على مدى أكثر من ثلاث سنوات تعود قراء الصحافة الانجليزية على كتابات «اسحق ابراهام» وآرائه عن العضوين الرئيسيين في الحركة الشعبية وحكومة جنوب السودان - سلفا كير ورياك مشار. وفي أغلب الأحيان فان هذه المقالات تصور زعيم الحركة على نحو بائس بينما نقدم نائبه كأفضل رجل بالنسبة للجنوبيين ولكنه محروم من منصب الرئيس. ولكن قبل أن أخوض في جوهر الموضوع لا بد من توضيح أولاً انني أكتب بصفتي الشخصية كعضو في الحركة الشعبية وأنني لا أتحدث نيابة عن أي شخص أو مؤسسة. وثانيها أنني أؤمن بحرية التعبير وأسحق ابراهام كبقيتنا لديه حق حرية التعبير ولكن هذا الحق حسب رأيي ينبغي ممارسته بمسؤولية واخيراً استخدم في هذا المقال اسم كاتب تلك الافكار بين قوسين لأن اسحق ابراهام ليس الاسم الذي يستخدمه في وثائقه الرسمية أو الاسم المعروف لدى كثير من أقربائه واصدقائه. إنني اعرف الرجل ومكان ميلاده ولكن كشف هويته الحقيقية للناس لا يعنيني. في مقال ظهر أخيراً في موقع «سودان تربيون» بعنوان «هل يركب سلفا كير على ظهر مشار» قال الكاتب إن مديري حملة سلفا كير يريدون ترك (مشار) يلعب الدور الثانوي الروتيني في الحملة. ان رياك مشار في كلا المستويين الحزبي والحكومي هو نائب سلفا كير سواء كان في الحملة الإعلانية أو إدارة الحزب أو شؤون الحكومة - فان لعب النائب دوراً ثانوياً - وهو تعبير مؤسف - لا يمكن تجنبه وإلاّ فان وضع (مشار) الذي يدافع عنه الكاتب هو «الرئيس المشارك». نظرياً فان هذا السيناريو النادر الشاذ يمكن ان يطرحه المحامون الدستوريون ولكن تحت مثل هذا النظام فان عمل الحكومة أو الحزب أو اي كيان متحد سوف يصاب بالشلل. فجنوب السودان يعاني ما يكفيه من مشاكل خطيرة جداً لدرجة إذا تبنى زعماؤه مثل هذا السيناريو فان ذلك يعتبر دعوة لمزيد من المشاكل. هذا (السيناريو) لا يخدم شيئاً سوى اثارة الفوضي. لا توجد أية صيغة متفق عليها عالمياً فيما يختص بتعريف ودور نائب الرئيس الملائم لكل اقطار العالم وفي كل الأزمان. في بعض الدول يجوز لنائب الرئيس تولي منصب وزاري اضافة لمنصب نائب الرئيس والمثال على ذلك كينيا منذ عهد جوموكينياتا حتى اليوم - حيث يتولى نائب الرئيس منصباً وزارياً. في اقطار كثيرة بينها الولاياتالمتحدة التي يعتبرها بعض السودانيين نموذجاً للحكم الديمقراطي فان نائب الرئيس يتولي مهمات قليلة جداً وفي أغلب الحالات يقوم باعباء الرئيس التنفيذي عندما يكون الأخير عاجزاً عن اداء وظيفته إما نسبة لمرضه أو أي اسباب أخرى. قريباً منا في جنوب السودان في السنوات الأولى من اتفاقية السلام الشامل كان نائب رئيس حكومة الجنوب د. رياك مشار وزيراً للأراضي والمرافق العامة وحالياً يشرف على مفوضيات ذات نفوذ هائل وهو دور يساوى حكومة ينقصها الاسم. مشار غالباً يمثل الرئيس لتصريف مهمات ضخمة مثل رئاسة المحادثات التي اجريت خلال العامين السابقين بين الحكومة اليوغندية ومتمردي جيش الرب، وفي مناسبات كثيرة يسافر رياك مشارك الى الخرطوم للتباحث مع الاعضاء البارزين في حكومة الوحدة الوطنية وغالباً مع نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه. لم اسمع ابداً لا في العلني ولا في السر أن رياك مشار يشتكي من العطالة واحسب انه مشغول دائماً. أنا اعرف هذا من خلال زياراتي المتعددة لمكتبه (لترتيب لقاءات صحفية)، ودائماً هناك صفوف طويلة من المواطنين يريدون مقابلته. واعتقد ان مثل تلك الاجتماعات جزء من ممارسة شخص نافذ وإلاّ فلماذا يهدر وقته مع زائريه؟ في نفس المقال يتساءل ابراهام لماذا يوضع مشار في المكان الضيق بواسطة مجموعة صغيرة ضد رغبات شعب جنوب السودان. هل يعني الكاتب ان الشعب انتخب رياك مشار ومن ثم تغول سلفا كير على منصبه (الرئاسي). «مشار» تمكن من الصبر طوال السنوات الخمس يخدم خلالها رئيسه. انه رجل امين رجل كادح سيخدم الجنوبيين بعد الاستقلال. ودون تعريف القاريء بالمعيار الذي يستخدمه الكاتب لنجاح أو فشل الزعماء فانه يدعى ان مشار اسمى من سلفا كير عشرات المرات. أكيد ان رياك مشار رجل أعمال شاقه وانسان فاضل بقوته وضعفه مثل كل الناس، وأحد جوانب قوته انه يستطيع استيعاب الاساءة النابعة من هذا النفاق السمج الصارخ الذي (صبغ) بذوق سيء. مقال «ابراهام» من شأنه ان يؤدي إلى الانقسام الضار في فريق عمل بين الزملاء في الحكومة والحركة الشعبية.