متابعة صحفية متواصلة ولاهثة يقوم بها الصحافيون من داخل وخارج السودان هذه الأيام، تغطية للانتخابات السودانية، وكل من صادفتهم خلال التغطيات التي تتوزع هذه الأيام بين مراكز الاقتراع والمفوضية القومية للانتخابات وآخرين يعدون جيئة وذهاباً بين دور الأحزاب المختلفة، شكوا من أن هناك أعراضاً مختلفة بدأت تصيبهم بدرجات متفاوتة، من بينها بعض الهوس.. تذكرت حينها تقريراً جميلاً وشيقاً وجدته منشوراً على موقع صحيفة (الشرق الاوسط) حول امراض مهنة الصحافة، والتي خلص التقرير على ان الصحافيين مصابون بالهوس، نعم الهوس.. ولا تستغرب عزيزي القارئ من هذا واليك بعض النقاط التي جاء التقرير على ذكرها ومن ثم خلص الى هذه النتيجة. فهناك الكثير من المهن التي تسقط نسختها النفسية على انفعالات الانسان، فالمرء أصلاً يختار مهنته بناء على مقدراته ومواهبه وكذا انفعالاته، والشائع أن الكتاب هم اشد الشخصيات التي تندرج في القائمة السوداء وفق (جرائم) الابداع. فانشراح المزاج ودرجة الخصوبة العالية في مجال الحيوية، والنزعة الاندفاعية، ومحاولة اقتحام بؤر المسكوت عنه، هي احدى خصائص الصحفي، لذا تراه متمرداً - دوماً- على العادية، حتى وان تصادمت رؤاه مع طرح المجتمع، فيقترح لنفسه افكاراً مبالغ فيها عن الذات والشعور بالعظمة، فهو صاحب انشطة ممتعة داخل الصفحات وبين اسرار السطور. وخارج التقرير كنت قد قرأت حديثاً من قبل للدكتور السوداني مجدي حسين المتخصص في الطب النفسي حول الهوس والاكتئاب، قال فيه ان المبدعين من ادباء وشعراء ورسامين اكثر عرض للاصابة بالاكتئاب، اما الاعلاميون -والحديث لايزال للدكتور- والممثلون ورجال الأعمال.. فهم الأكثر عرضة للاصابة بالهوس. ويرى بعض المختصين النفسيين والاجتماعيين ان اجتماع الذكاء مع الحساسية بالاضافة الى الشرارة الابداعية، لا تخلو من بذور جنون كاملة، قد تزيد من وهج الابداع، كما تسارع ايضاً في كشف اعراض الامراض النفسية. وبالعودة الى التقرير فإن الاعلاميين عادة يصابون باعراض المزاج الدوري بسبب طبيعة عملهم، فمثلاً من يعملون في وظيفة الاعلام الصحفي يعيشون الظروف المهنية ذاتها ويتحركون في محيط ضيق، لا مكاسب مادية تذكر ولا علاقات عامة واسعة بعيداً عن مصادرهم ومن يتعاملون معهم في مجالهم، اما معنوياً فقد يصابون بحالة من الحزن والسرور، متفاوتة المستويات بناء على رؤى قراء كتاباتهم من حيث النقد أو الاشادة. فالصحافي يظل في درجة متأخرة من حيث الشهرة، مالم يحقق سبقاً صحافياً يشار اليه به، او يطل مرة على الشاشة البلورية، فيضحي نجماً او على الأقل (يتعامل مع نفسه كذلك)، لذا فمن الطبيعي ان يصاب بالهوس، ان جوبهت انشطته (الابداعية) بالجفوة واللا مبالاة. ويرصد التقرير ظاهرة المبالغة بتقدير الذات لدى الصحفي، والحديث المشتت والتكلم بشكل متواصل وبصوت عالٍ متوافر لدى عدد من الصحافيين. فظاهرة الهوس لدى الاعلاميين نابعة من أنهم يعيشون داخل دائرة الضوء الذين هم صناعها، والاضواء تدفع الى الهوس، كما ان الاعلامي جامع وناقل ومحلل للمعلومات، لذا فهو يجذب اهتمام المحيطين به، فيتعاملون معه كمصدر للمعلومات، لا كناقل لها، فأينما جلس فان هناك من يسأله عن الاخبار وتحليله لماهيتها وخباياها، وهنا تظهر نرجسية التعالي والشوفينية، وبروز اولى مراحل الهوس، فيتحدث حينها كأنه هو صانع الحدث. لذلك عزيزي القارئ، واخي الصحافي، من الممكن جداً أن تظهر علينا امراض الهوس، خاصة وان اغلبها يتصل بحب الظهور والفعالية والمزاج العالي والعلاقات العامة، وهي صفات الاعلامي عموماً.. استمتعت بالتحليل الموجود داخل التقرير، وعندها طفقت انظر في من حولي، لارى من اصابهم الهوس، او عليهم بعض مظاهره، وحينها خشيت أن يرى احدهم نظراتي هذه، فيقول: وفي انفسكم أفلا تنظرون، لذا استغفرت الله العلي العظيم، وسألته ان يبعد عني وعن زملائي الهوس بكل اشكاله.