هذا العمود مقسوم لقسمين، القسم الأول خبر اقتبسته من صحيفة (الشرق الأوسط) التي تصدر في لندن، وجاء في عدد أول أمس الثلاثاء، والقسم الثاني تعليقي عليه. الخبر كالآتي : رغم أن ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، منح لقب أعظم شخصية بريطانية في استطلاع أجريَّ أخيرا، إلا أن ذلك لم يمنع من أن يكون شخصية خرافية أو خيالية في نظر 32? من المستطلعين. الطريف أن معظم المشاركين في الاستطلاع قالوا إن شرلوك هولمز وروبن هود شخصيات حقيقية. وفي الاستطلاع الذي شمل 3000 شخص قال عدد كبير إن الزعيم الهندي المهاتما غاندي وكليوباترا ودوق ولنغتون الذي قاتل في معركة واترلو والروائي البريطاني الشهير تشارلز ديكنز شخصيات خيالية اخترعت لتكون مادة لأفلام سينمائية شهيرة. وقالت صحيفة (ديلي ميل) في تعليق ساخر إلى أن الاستطلاع يعكس جهلا فاضحا بالتاريخ الانجليزي، خاصة أن بعض المشاركين قال إن هولمز والفرسان الثلاثة وروبن هود شخصيات حقيقية، بينما قال 74? من الذين شملهم الاستطلاع أن الملك ريتشارد قلب الأسد أشهر ملوك الحروب الصليبية الذي حكم في القرن الثاني عشر كان شخصية أسطورية. وجاء في نتيجة الاستطلاع الذي أجري لحساب محطة التلفزيون «يو كي تي في» لاختبار المعلومات العامة لدى البريطانيين، أن النتائج تشير إلى أن الأشخاص تحت سن العشرين يعانون من نقص في المعلومات التاريخية الأساسية. وقال المؤرخ كوريلي بارنيت لصحيفة (ديلي ميل) إن الاستطلاع يدل على أن البريطانيين (لا يقدرون إنجازات الشخصيات التاريخية)، وان الاهتمام بالشخصيات الفنية الشهيرة غلب على الاهتمام بالشخصيات التاريخية. في سنة 1981 كنت مدرسا في مدرسة الكاملين الثانوية بنين، سألت الطلبة في أحد الصفوف عن عبد الله خليل، فوجدت أن الفصل كله (باستثناء واحد) لم يسمعوا به، سألت عن محمد أحمد محجوب، كذلك لم أجد طالبا سمع به. سألت عن نجم فريق الهلال جكسا ونجم المريخ ماجد فتسابقت الأيدي مرتفعة للإجابة. إذا وضعنا في الاعتبار أن الفارق الزمني بين ذلك التاريخ (سنة 1981) وبين تنحي محمد أحمد محجوب عن رئاسة الوزارة لم يكن يزيد عن 15 سنة، لتأكدت المشكلة. أهم ما يعنيه ذلك ضعف اهتمام الناس عموما والأجيال الجديدة بوجه خاص بالتاريخ. وبعد .. يقول البعض أن تطور وسائل الإعلام بدأ يزحم العقول بالمعلومات، وطاقة استيعاب العقل للمعلومات محدودة، ولذلك كلما جاءت معلومات جديدة احتلت مكانا كانت تقبع فيه معلومات قديمة، وبالتالي تخلي المعلومات القديمة أماكنها للمعلومات الجديدة، فتبقى المعلومات الجديدة إلى أن تغادر عندما تحل محلها معلومات أجد. هذا التعليل كأنما يريد أن يرفع الحرج عن الأجيال الجديدة، فالمعلومات القديمة ابتكر لها تطور العلم طرقا جديدة للحفظ بحيث يمكن استرجاعها في دقائق معدودة، بحيث يبقى العقل البشري مكاناً لحقائق مختارة لها أهميتها عند الإنسان .. يا ترى هل يكفي هذا التبرير.