في قاعة ضجت جنباتها بالحضور، استبق مركز التنوير المعرفي إعلان نتائج الانتخابات بتنظيمه لندوة عن (تقييم تجربة الانتخابات السودانية) أمَّها لفيف من الاكاديميين والسياسيين والصحافيين وجهات مراقبية الى جانب عدد من المهتمين. د. عبد الله علي ابراهيم الأكاديمي البارز ذو الصبغة السياسية وأحد المتحدثين الرئيسيين في الندوة، قدم في البداية توطئة علمية عن اهمية رد الانتخابات الى أصلها البحثي والاكاديمي، وذكرّ الحضور بأن الانتخابات بالنسبة لحزب المؤتمر الوطني إستحقاق نصت عليه إتفاقية السلام الشامل (نيفاشا). ليلج بعدها الى النتائج اللافتة التي حققها الوطني، في ظل غياب شبه تام للقوى المعارضة، لدرجة قال إن المنافس الأبرز للبشير وحزبه في الانتخابات: التالف من بطاقات الناخبين. واستغرب د. عبد الله دعوات الأحزاب المعارضة للمؤتمر الوطني بضرورة دعمها في الانتخابات معتبراً الاموال التي حولها الوطني لأرصدة الأحزاب المعارضة بمثابة (حقوق نهاية الخدمة) لتلك المنظومات السياسية. وأعرب د. عبد الله عن إندهاشه العميق من موقف المعارضة الرافض لما تمخضت عنه نتائج الانتخابات من إكتساح للوطني والحركة الشعبية وذلك بالرغم من وجودهم -أي أحزاب المعارضة- داخل منظومة الحكم ومؤسساته، وشبه حال المعارضة بالرجل الذي كان يكره رؤية برج إيفل، وليتحاشى ذلك قرر السكن داخله. وشدد د. عبد الله على نقطة بالغة الأهمية متمثلة في أن الفترة الأخيرة شهدت إنتفاضة اتنخابية وبانت بوضوح في تدافع المواطنين لتدوين اسمائهم في السجل الانتخابي، الأمر الذي لم تلتقطه المعارضة المصابة بالرهق والإنهاك، حالة يعاد تدويرها وإنتاجها في حلقة مفرغة على خلفية تجريب عدد من الايدوليوجيات وسقوطها. وعزا د. عبد الله فوز المؤتمر الوطني الكاسح في الانتخابات لتحول المواطن جهة مفهوم أطلق عليه (الزبائنية) من خلال إهتمامه بتوفير الخدمات كشرط لوضع صوته في صندوق الاقتراع. ودعا لدراسة الدوافع التي أسهمت في توجهات الناخب، وذلك بمنأى عن مفاهيم طبقة الصفوة. وفي كلمته شدد د. الطيب زين العابدين استاذ العلوم السياسية والكاتب الصحفي المعروف على أن الانتخابات - بغض النظر عن نتيجتها- بداية للتحول الديمقراطي وذلك بإعتراف الجميع بما فيهم حزب المؤتمر الوطني فضلاً عن أنها -أي الانتخابات- جسر مفضٍ لعملية الاستفتاء وتقرير مصير الجنوب بحسب نصوص نيفاشا واكد أن العملية كانت بمثابة (المسمار الأخير في نعش نظام الحكم المركزي والعسكري والشمولي). ووصف زين العابدين خروج الانتخابات بصورة سلمية بالكسب الايجابي على الرغم من التدافع والمشاركة الواسعة وغير المتوقعة في الشمال والجنوب. وفيما أوضح زين العابدين بأن الحريات كانت مبسوطة لحد كبير خلال الفترة الماضية ومقرونة بأوقات سابقة، أشار للربكة التي شابت أداء مفوضية الانتخابات وقصور الجهاز الاداري الذي قال إنه لم يكن مؤهلاً بصورة كافية لإدارة الانتخابات. وعن موقف الاحزاب السياسية من الانتخابات، قال زين العابدين إن الاحزاب لم تكن مستعدة، وأستبان ذلك في تذبذب مواقفها بين المقاطعة والمشاركة، وفيما قال ان الجميع توقعوا فوز الوطني بالانتخابات، أردف بأن النتيجة الكبيرة التي أحرزها كانت مثار دهشة العديدين، وسببا لإتهامهم للوطني بتزوير الانتخابات، ودعا الى إجراء معالجات مستقبلية لأوضاع ما بعد النتائج. وأكد د. زين العابدين أن برنامج الوطني الانتخابي (إستكمال النهضة) كان من أضعف البرامج المطروحة على الساحة ولكن الجهود التي بذلها الحزب، إضافة لهيمنته وإمتلاكه لإمكانات كبيرة وكادر مؤهل وإنجازات عديدة، وذلك في وقت تعاني فيه الاحزاب الأخرى حالة من الضعف البائن، ما خول للوطني الفوز في الانتخابات دون الحاجة للتزوير. غير أن زين العابدين أضاف بأن ذلك التحليل لا يعني عدم حدوث تزوير. وأسدى زين العابدين النصح للوطني، بعد أن أسبغ عليه ثوب الشرعية الانتخابية، بأهمية قيادة البلاد نحو مرافئ الاستقرار والنماء عوضاً عن سياسات التمكين التي وصفها بغير القومية والديمقراطية. من جهته، طالب بروفيسور إبراهيم أحمد عمر القيادي بالمؤتمر الوطني الأحزاب السياسية بأهمية الفصل بين التحول الديمقراطي كهدف للانتخابات وعملية الاقتراع فيها، وأشار الى ان التحول الديمقراطي لا يتم بمجرد توجه الناخبين لصناديق الاقتراع. وأوضح عمر الذي كان يتحدث بصفته اكاديميا أهمية دراسة التحولات المجتمعية الكبيرة التي طرأت على الشعب السوداني وأدت لتحول الناخبين قبلة الوطني في مقابل هجرهم لأحزابهم وولاءاتهم القديمة. ووصف عمر حزبه بالملتزم بمبدأ التحول الديمقراطي من خلال تجديده الدائم لدمائه في الوقت الذي تكلست فيه مفاصل الأحزاب الأخرى جراء تمسك قادتها بالكراسي ومناداتهم ذات الوقت، بالديمقراطية. من جانبها رفضت د. سعاد الفاتح القيادية في المؤتمر الوطني الدعوة الرامية لتكوين حكومة قومية تضم في ثناياها الأحزاب كافة، وقالت إن إشراك الاحزاب المقاطعة التي (دقت الدلجة) في الحكومة الجديدة كفيل بإعادة الروح ل (المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع) وشددت على أنها مع سياسات التمكين، وقالت جئنا لنمكن كلمة الله في الارض. الحقيقة الساطعة في الأفق حالياً، أنه ومع إعلان نتيجة الانتخابات انتقلت البلاد لمرحلة جديدة، السؤال الرئيس والمفصلي فيها: ماذا بعد؟