(اذا تذكرت حلاوة النوم فتذكر مرارة الفلس) كتبها احد سائقي الحافلات بالخرطوم وهو غير مدرك بأن الزيادة في الاسعار لهذا العام سوف تؤدي به الى العمل حتى ساعات متأخرة من الليل لتلبية حاجاته الاسرية وتقلل ساعات الراحة. فأسعار السلع المختلفة بالاسواق شهدت ارتفاعاً متواصلاً على سلع كثيرة حتى بات معها المواطن يخشى النوم مخافة ارتفاع سعر اي من المواد المختلفة في اليوم التالي. تضخم مضاعف وعكس معدل التضخم بارتفاعه الى اكثر من (50%) لشهر يناير الماضي ببلوغه (13.4%) بدلا عن (8.8%) لشهر ديسمبر الماضي،الحال الذي يعاني منه السوق منذ بداية العام الجاري والذي كان نتيجة واضحة للزيادة في القيمة المضافة التي تم فرضها في موازنة العام الحالي،التي شهدت موجة من الرفض داخل البرلمان وخارجه عبر زيادتها الى (15%) بدلا عن (12%). وكان اثرها وبالاً على اسعار المواد المختلفة. واصبحت الزيادة المتواصلة للاسعار في الاسواق المختلفة سمة بارزة دون اي رادع او تدخل مباشر من الحكومة، وصار مؤشر السوق يسجل ارتفاعاً متواصلاً. ويصف بعض خبراء الاقتصاد المعدل الحالي للتضخم بالكبير ويطالبون الدولة بعمل ضوابط وانفاذ سياسة واضحة في هذا الجانب لكبح جماح التضخم في الفترات القادمة خاصة وان الموازنة اعتمدت معدل تضخم في متوسط ال (8%). وتبرز هنا عدة صعوبات تواجه الحكومة في المحافظة على الرقم الاحادي للمعدل في ظل الظروف التي تمرعلى البلاد.ولعل عطلة السبت التي تم منحها للعاملين بالقطاع العام سيكون اثرها سلبياً على المعدل عبر زيادة الاقبال على الاسواق وهو الامر الذي يجعل التحكم في المعدل امراً صعباً، بجانب المخاوف من ان يكون الارتفاع الحالي سببا في تراجع الاقتصاد السوداني مثلما حدث العام 1996م التي تجاوز فيه معدل التضخم (160% ) وتم التدرج به للوصول الى رقم احادي وفق سياسات اقتصادية اتت أكلها في تلك الفترة. ومن ابرز سلبيات زيادة معدلات التضخم انخفاض القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية في الأسواق الدولية، وهذا بسبب زيادة المدفوعات مقابل انخفاض الإيرادات بالتالي حصول عجز في الميزان التجاري. بجانب زيادة أسعار الفائدة وتبعاً لذلك تزداد أرباح منشآت الأعمال، وتنخفض هذه الأرباح بانخفاض معدلات الفائدة، حيث يتم تمويل الموجودات بإصدار سندات مديونية. في حين لا تسري هذه الخصائص في عدد من المشروعات الصناعية في الاقتصاديات ذات التضخم المنخفض. بل يحصل ذلك في الاقتصاديات ذات المعدلات العالية للتضخم، إذ بسبب إرتفاع التضخم يحدث إرتفاع في الإيرادات ومعدلات الفائدة. وهي معدلات ليست حقيقية لو تمت معالجتها وإعادتها إلى الأسعار الثابتة. المضافة بريئة الا ان البعض ينفي ان تكون القيمة المضافة هي سبب الارتفاع في الاسعار خاصة ان اكثر من (60%) من المواد الاستهلاكية لا تطبق عليها القيمة المضافة ويصفون الزيادة التي طبقت بغير المؤثرة على السلع كافة خاصة وانها طفيفة لاتؤثر على الاسعار، مع العلم ان المنتجات الزراعية كافة والدقيق وبعض السلع الاستهلاكية معفية من القيمة المضافة، اما بعض السلع الاخرى التي شهدت ارتفاعاً فهي نتيجة ارتفاع أسعارها عالمياً. غير ان المواطنين يحملون الحكومة مسؤولية الارتفاع في اغلب السلع ويتهمونها بعدم الاشراف على الاسواق، حيث عمد عدد من التجار الى تخزين كميات كبيرة من البضائع نهاية العام الماضي وذلك لبيعها بداية هذا العام بسعر اعلى مستفيدين من تطبيق نسبة القيمة ب (15%)، ويذهب في هذا الاتجاه الخبير الاقتصادي بابكر محمد توم الذي يؤكد ل (الرأي العام) ان التجار استغلوا الوضع مستفيدين من غياب الدور الرقابي للحكومة على الاسواق المختلفة ممثلاً في السلطات المحلية التي لم تقم بأي دور في هذا الجانب وطالبها بلعب دور بارز عبر حماية المواطن من التلاعب الذي ينتهجه بعض التجار وزاد (يجب عدم ترك الحبل على الغارب)، واشار ان سياسة التحرير الاقتصادي لا تعني ترك السوق دون ضوابط واجراءات لحماية المواطن بل يجب ان تكون هناك اجراءات واضحة في هذا الجانب سواء في جانب الاشراف او المراقبة ومحاربة الرسوم التي يتم فرضها بغير سند قانوني. تفاؤل الا ان خبراء آخرين يرون ان المعدل الحالي ليس مخيفاً ولا يدعو الى القلق خاصة وان العامين (2006و2007) شهدا نسباً اعلى من الحالية مشيرين الى انها طبيعية بداية كل عام جديد، مبدين توقعهم بانخفاض المعدل خلال الشهر القادم في حال قامت وزارة المالية بتطبيق السياسات والاجراءات التي اقرتها في موازنة العام الحالي على صعيد السياسة المالية، منها قيام وزارة المالية ببيع حجم الدين العام إلى الجمهور وبالتالي سحب النقد المتوفر في السوق الامر الذي يؤدي إلى الحد من عرض النقد. بجانب خفض الانفاق الحكومي حيث يعد أحد الأسباب المؤدية إلى زيادة المتداول من النقد في السوق، وبالتالي فإن الحد من هذا الإنفاق وتقليصه سيؤدي إلى خفض النقد المتداول في الأسواق. اما في جانب السياسة النقدية التي يتولاها البنك المركزي فهناك اجراءات مثل زيادة نسبة الإحتياط القانوني، حيث تحتفظ المصارف التجارية بجزء من الودائع لدى البنوك المركزية. ويرى مدير ادارة الاسعار بالجهاز المركزي للاحصاء العام عبدالغني، المعدل الحالي طبيعيا ولا يدعو الى القلق خاصة وان المعدل شهد ارتفاعاً اكبر من الحالي خلال الفترات الماضية وقال ل (الرأي العام) إن المعدل للشهر القادم ربما يشهد انخفاضاً في حال انفاذ وزارة المالية للضوابط والاجراءات التي تم اقرارها في موازنة العام الحالي، مبديا توقعه الى ان ينخفض الى اقل من (10%). واشار الى ان الجهاز يقوم الآن بتقييم كامل للمجموعات التي يتم بها قياس التضخم حيث سيتم ادخال عدة سلع ضمن المجموعات المختلفة ابرزها الاتصالات وعدة سلع اخرى.