ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في أعقاب الانتخابات: كيف يرضي الرئيسان المنتخبان مواطنيهما؟..( 13)
طلقة «أخيرة» في الظلام
نشر في الرأي العام يوم 10 - 05 - 2010

الفترة الانتقالية: أزمة في خناق أزمة 1- تظل الأزمات السياسية المتلاحقة هي السمة الرئيسة للفترة الانتقالية منذ انطلاقها في يوليو 2005، وكأن الانتقال يعنى التنقل من أزمة لأخرى، بدلا عن التحول من حكم الحزب الواحد إلى رحاب الديمقراطية والتعددية السياسية! ولعله كلما خرجنا من «نقرة» وقعنا في «دحديرة» كما جاء في المثل الشعبي المصري، في إشارة إلى أنه كلما تجاوزنا مصيبة أصابتنا قارعة أفظع وأشد. فلم تسلم اتفاقية السلام الشامل منذ توقيعها في الأول من يناير 2005، بل منذ الاتفاق على بروتوكول مشاكوس في 2002، من وصمها بالثنائية بعد أن استبعدت القوى السياسية الأخرى من المشاركة في صنعها. ولم تفلح هذه الثنائية من لجم الخلافات بين الشريكين حول تقسيم الوزارات من الوهلة الأولى، أو تخفف من حدة الاتهامات المتبادلة والمشاكسات المتواصلة بينهما. ليس ذلك فحسب، بل لم يسلم المشهد السياسي من توتر ملحوظ في العلاقة بين الشريكين والقوى السياسية المعارضة والساخطة (بالطبع ما عدا أحزاب «التوالي» التي تقف بقلب وعقل واحد مع المؤتمر الوطني)، من جهة، وبينها وبين كل شريك على حدة، من جهة أخرى. تسبب هذا التجاذب متعدد الوجوه والاتجاهات في خلق وضع سياسي محتقن تصاعدت وتائره بشدة، خاصة في أعقاب إعلان جدول الانتخابات. المشهد الانتخابي: تفاقم الاستقطاب السياسي 2- أسهم الخلاف حول نتائج التعداد السكاني في تفاقم الاحتقان السياسي الماثل بعد رفض الحركة الشعبية الاعتراف بنتائجه المعلنة، وتبعتها في ذلك غالبية القوى السياسية الأخرى، نسبة لارتباط الإحصاء بتوزيع الدوائر الجغرافية وتأثيره على نصيب الجنوب من السلطة والثروة. ولعل (القشة التي قصمت ظهر البعير) هو اجتماع «تحالف المعارضة» الذي دعت فيه الأحزاب المشاركة بتشكيل حكومة انتقالية قومية تشرف على الانتخابات المقبلة بافتراض أن الحكومة الوطنية الحالية ستفقد شرعيتها في يوليو 2009 بحكم اتفاقية السلام الشامل التي حددت هذا التاريخ لإجراء الانتخابات العامة، كما طالبت بإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات لضمان حريتها ونزاهتها، وإلاَّ أن أحد خيارتها قد يكون مقاطعة هذه الانتخابات. ولعل ما «زاد الطين بلة» هو مشاركة الحركة في اجتماع المعارضة، مقروناً بدعوتها لمؤتمر موسع بجوبا (لم تستثن منه المؤتمر الوطني) لمناقشة كافة القضايا الوطنية، إذ قابله المؤتمر الوطني بهجوم عنيف على لسان عدد من قياداته وصموا الخطوة (خاصة الدعوة لتشكيل حكومة قومية) بالمؤامرة لتغيير النظام قبل الانتخابات، وتنفيذ لسيناريو ترسمه دول أوروبية بغرض تأجيل الانتخابات، ووصفوا المتشككين في نتائج التعداد السكاني بأنهم «ينعقون بما لا يعلمون» وأن مثل هذا الحديث دليل على عدم استعداد الأحزاب المشاركة في الاجتماع للانتخابات، ومعتبرين مشاركة الحركة الشعبية في لقاء المعارضة مخالفا لروح الشراكة لتنفيذ اتفاق السلام. 3- تبعت ذلك اللقاء سلسلة من الأحداث الدرامية التي زادت حدة التوتر والاستقطاب السياسي، إلى حد الصدام والمواجهة العنيفة بين أنصار «قوى الإجماع الوطني» (الاثنين 7 و14 ديسمبر 2009). ولم تسلم هذه القوى نفسها من الخلافات الداخلية، التي فجرها توصل الشريكين إلى تفاهم تم من خلاله اتفاق نهائي على قانوني استفتاء أبيى وجنوب السودان وقانون المشورة الشعبية، الخاص بمنطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق، ليطرح على القوى السياسية بالبرلمان، والذي فعلا تمت إجازته بالإجماع، إذ اعتبرته قوى المعارضة بمثابة صفقة عقدت بليل بين شريكي السلطة مقابل تمرير قانون الأمن الوطني وقانون النقابات مما يعكس نية مبيتة للحركة الشعبية في ضمان إجازة القوانين المتعلقة بحق تقرير المصير (بالأصح الانفصال) دون أن تعير اهتماماً بالتحول الديمقراطي، وكأنه شأن يخص القوى الشمالية وحدها. ولكن، برغم أن التنسيق بين مكونات قوى الإجماع الوطني لم ينقطع وتواصلت اجتماعاتها إلا أن التصدع بدأ يدب في صفوفها. فبالرغم من تصعيد هذه القوى لموقفها الرافض لما اعتبرته تزويرا في كشوف سجلات الناخبين، والشروع في إعداد مذكرة إلى مؤسسة الرئاسة تطالبها فيها بوضع حد ل»تزوير» الانتخابات، ووقف «انحياز» المفوضية القومية للانتخابات للمؤتمر الوطني، ورفضها الاستجابة لمطالب المعارضة، مما أفقدهم الثقة تماما في حياديتها، إلا أنها لم تتخذ موقفا نهائيا بشأن المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها. ومع أن هذه القوى بدأت في تسمية مرشحيها لكل المستويات التشريعية والتنفيذية والانخراط في الحملات الانتخابية في كل أنحاء البلاد، إلا أنها فشلت، في نهاية الأمر، في التوصل لقرار موحد يقضى بمقاطعة الانتخابات أو المشاركة فيها. سبب هذا التردد في اتخاذ القرار ارتباكا في صفوف قوى الإجماع الوطني، إذ أتخذ كل طرف فيها قراراً منفرداً بالمشاركة في أو مقاطعة الانتخابات، كليا أو جزئيا. نتائج الانتخابات: هل ختامها مسك؟ 4- على خلفية هذه التوترات والشد والجذب والارتباك والتردد في اتخاذ القرار وسط القوى السياسية المعارضة وداخلها، من جهة، وبينها وبين مفوضية الانتخابات والمؤتمر الوطني، من جهة أخرى، انطلقت العملية الانتخابية، مما يجعل «الجواب»، بمعنى تبعات الحدث، «من عنوانه باين»! فبالرغم من الأجواء السلمية التي صاحبت هذه العملية، إلا أن اتهام القوى السياسية للمفوضية القومية للانتخابات بالتقصير والتزوير وغض الطرف عن المخالفات والتجاوزات، وما مارسه المؤتمر الوطني من تهديد وترغيب للناخبين، كان سيد الموقف طيلة أيام الاقتراع الخمسة. ولم يفلح اعتراف المفوضية بوجود أخطاء في عملية الاقتراع وما اتخذته من إجراءات لمعالجتها، في الحد من مطالبة قوى الإجماع الوطني بإيقاف الانتخابات في كافة أنحاء السودان حتى تتمكن من تجويد عملها، وهددت بمقاطعة العملية حال عدم الاستجابة لمطالبها. 5- بمجرد ظهور بعض النتائج الأولية، أسرعت قوى تحالف جوبا - المقاطعة للانتخابات والمشاركة فيها على حد سواء- بالإعلان عن موقفها الموحد القاطع برفضها لهذه النتائج (المزورة من الألف الى الياء) وعدم التعامل معها إلا باعتبارها أمراً واقعاً، داعية إلى انتخابات أخرى أكثر نزاهة عقب الاستفتاء وتسوية أزمة دارفور. كما أن اكتساح المؤتمر الوطني للانتخابات على كافة مستوياتها وبفارق شاسع بين الأصوات التي تحصل عليها مرشحو المؤتمر الوطني وتلك التي تحصل عليها منافسوه، خصوصا في معاقل الأحزاب التقليدية، رسخ قناعة كثيرين بوقوع تزوير على نطاق واسع. 6- ومن ناحية أخرى، ظهر تباين واضح في موقف مراقبي الانتخابات من شفافية ونزاهة عملية الاقتراع. فقد اعتبرت بعثتا جامعة الدول العربية و الاتحاد الإفريقي الانتخابات السودانية خطوة متقدمة نحو تحقيق التحول الديمقراطي. كما أقرت البعثتان بعض الخروق والتجاوزات اللوجستية التي شابت العملية، غير أنها لم ترق إلى حد التأثير على نزاهة وحرية الانتخابات أو نتائجها النهائية. بينما أعلنت بعثتان دوليتان للمراقبة (الاتحاد الأوروبي ومركز كارتر) أن الانتخابات لم تف بالمعايير الدولية كلها أو بالتزامات السودان بشأن إجراء عملية حقيقية في العديد من النواحي، لكنهما أقرّا في الوقت نفسه، بأن الانتخابات ستمهد الطريق من أجل إحلال الديمقراطية في البلاد، ورجحتا أن تجد النتيجة قبولاً من المجتمع الدولي. أما تجمع منظمات المجتمع المدني السوداني فقد أصدر بيانا رصد فيه العديد من التجاوزات والأخطاء كنتاج طبيعي لعدم المصداقية الذي لازم أداء المفوضية منذ تكوينها، ودعا إلى إعادة الانتخابات. 7 - أما الآن، وبالرغم من أن صفحة الانتخابات قد انطوت، فإننا نعيش مناخا سياسيا متأزما، واستقطابا وتجاذبا بين كافة القوى السياسية، ومرشحا للتصعيد إن أضفنا إليه ملفات أكثر سخونة من استفتاء على تقرير مصير الجنوب، والمحكمة الجنائية الدولية، والأزمة في دارفور. حقيقة، هذا هو المشهد الذي يلحظه ويراه كل مراقب حصيف ماثلا أمام عينيه، ولا تستقيم معه أية مكابرة أو إنكار! 8- على خلفية هذا المشهد، تهدف هذه الورقة إلى المساهمة المتواضعة في الجدل المحتدم حول ظروف الانتخابات ونتائجها، ومحاولة الدفع بخارطة طريق تعين الجميع فى تجاوز ما أفرزته من احتقان واستقطاب سياسي حاد ألقى بظلال كثيفة على مسار عملية الانتقال نحو الديمقراطية والتعددية السياسية. هذا في وقت تقبل فيه البلاد على الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب، كأخطر استحقاق دستوري في تاريخها المعاصر، بينما تواجه تحديات أخرى لا تقل خطورة تسفر عن وجهها في استفتاء أبيى والمشورة الشعبية في المنطقتين الانتقاليتين، والأزمة في دارفور، ومأزق المحكمة الجنائية الدولية. الانتخابات ووحدة السودان: الوطن فوق الحزب 9- للمؤتمر الوطني (والحركة الشعبية أيضا) الحق بأن يسعد ويحتفي بما حققه من نتائج للانتخابات أضحى بموجبها في حكم المحتكر للسلطتين التنفيذية والتشريعية، ولكن بدون التقليل من شأن أو ازدراء من خسر الانتخابات سواء بالمشاركة أو المقاطعة. وبنفس القدر، فللقوى السياسية المعارضة الحق في التعبير عن مخاوفها وظنونها والطعن في نتائج الانتخابات بقدر ما تملكه من أدلة وبراهين، بدون تعسف وتقييد لحرية تحركاتها من قبل الحكومة أو إسكات صوتها طالما كان نشاطها في إطار الدستور والقانون. فما الانتخابات في جوهرها إلا وسيلة أو آلية للتداول السلمي للسلطة مما لا يستقيم معها إقصاء أو عزل أي طرف للآخر من المشاركة، والمساهمة في إيجاد الحلول للقضايا الوطنية المصيرية التي تواجهنا جميعا. ولكن ما يبعث على القلق هو الخلاف المحتدم والاستقطاب الحاد حول نتائج الانتخابات والاتهامات المتبادلة بين الفريقين مما جعل المواطنين في حيرة من أمرهم فيما من يصدقون، ومجالسهم لا حديث يدور فيها سوى هذا المشهد السياسي المحتقن ومآلات وسيناريوهات المستقبل وما تحمله الأيام في جوفها من تخوفات! ولعل ما يغذى هذه الهواجس إشارة بعض المعارضين للاحتكام للشارع والتلميح لاحتمال حدوث عمل انقلابي مسلح. ولم تتمهل بعض قيادات المؤتمر الوطني التي جاء رد فعلها غاضبا ومحذرا من التفكير في الثورة الشعبية أو الخروج الى الشارع لإحداث الفوضى وترويع المواطنين، لحد تصريح لرئيس قطاع العلاقات الخارجية للحزب بأنهم سيراقبون تحركات قيادات المعارضة الذين يسافرون للخارج لبث معلومات مغلوطة بغرض العبث بنتائج الانتخابات وتشويه صورة البلاد بالخارج. 10- إذن، يضع هذا الوضع السياسي المتأزم وضرورة تجاوزه عبئا ثقيلا ومسؤولية ضخمة على رئيس الجمهورية المنتخب ورئيس الجنوب المنتخب، خاصة والبلاد مقبلة على استحقاق مصيري على بقائها موحدة، بينما تظل الأزمة في دارفور تراوح مكانها، وقرار المحكمة الجنائية الدولية في حق الرئيس مازال يلقى بظلاله على وضع السودان برمته. فسيطرة الشريكين المطلقة على الحكم في الشمال والجنوب يجب أن لا تغريهما على التخندق الحزبي الضيق والاندفاع لإزاحة معارضي كل طرف والإجهاز عليهم بدون اعتبار للمصالح الوطنية العليا. فالرئيسان تقع على كاهلهما، كل في مجال نفوذه، مسؤولية إرضاء جميع المواطنين، من صوت لصالحهما أو ضدهما أو حتى من قرر مقاطعة الاقتراع (6 ملايين مواطن يمثلون قرابة ال «40%»من المسجلين)، والمثابرة على تحقيق طموحاتهم في العيش بكرامة وسلام وتطلعاتهم لمستقبل زاهر. فالرئيسان مطالبان، كضامنين أساسيين لاتفاقية السلام الشامل، «بوضع الوطن فوق الحزب» بالاتفاق على برنامج وطني لمقابلة التحديات المصيرية التي تواجه البلاد، وتفعيل الحوار الجاد مع بقية القوى السياسية حول عناصر هذا البرنامج، والعمل سويا لتحقيق «الوحدة الطوعية» في ما تبقى من وقت قصير يفصلنا عن الاستفتاء. ولم لا؟ فبالنسبة للرئيس، وعلى حد قوله عقب الانتخابات مباشرة، مخاطبا الهيئة القومية لانتخابه، فإن «تحقيق الوحدة من أولويات الحكومة القادمة» وأن «شجرة السودان جذورها بالجنوب لو انقطعت ذهب السودان»! وفى تناغم تام تحدث النائب الأول ورئيس حكومة الجنوب للتلفزيون المصري بأن «الوحدة قوة لجميع الأطراف، أما في حالة الانفصال فسوف يخسر الجميع الكثير» وأن «الجنوب يشهد عهدا يتطلب الوحدة أكثر من قبل»! هذا هو المدخل الوحيد والصحيح لتجاوز ما خلفته الانتخابات من أزمة واستقطاب سياسي
والتفرغ للتعامل مع هذه التحديات! ولكن، كيف؟ كيف يرضي رئيس السودان مواطنيه؟ 11- في أعقاب مذكرة إدعاء المحكمة الجنائية الدولية في يوليو 2008 (قبل صدور أمر التوقيف في مارس 2009)، كتبت مقالا مطولا نشر في ثلاث حلقات متتابعة تحت عنوان «طلقة في الظلام» (الأحداث، يوليو 2008)، دعوت فيه للوقوف خلف الرئيس وفقا لبرنامج وطني تتفق عليه كافة القوى السياسية ويضع «الوطن فوق الحزب»، ليكون بمثابة المانيفستو الانتخابي للرئيس كمرشح لرئاسة الجمهورية بحيث تقوم القوى السياسية الأخرى، وعلى رأسهم الشريك في الحكم، بدعمه على أساس هذا البرنامج، وهدفه الأساسي أن يقوم الرئيس بإكمال مهمة الانتقال السلمية للديمقراطية والتعددية السياسية. ذلك، خاصة وأن ليس هناك من حزب سياسي آخر قد حسم أمر تقديم مرشحه للرئاسة في ذلك الوقت المبكر. وقد شددت أنه من البدهي أن الاتفاق على هذا الترتيب لا علاقة له، على الإطلاق، بالتحالفات الانتخابية لهذه القوى والتي تتنافس على أساس البرامج الحزبية، للفوز بمقاعد الهيئة (الهيئات) التشريعية، والمناصب التنفيذية الولائية، إلا إذا أردنا أن نهزم فكرة «الديمقراطية»، ونقضى على مفهوم «التعددية السياسية» من أساسها! (كنت حينها على يقين أن مجمل الظروف الموضوعية والذاتية لا تسمح بتغيير رأس الدولة في هذا الوقت وأن المؤتمر الوطني لن يدخر جهدا من أجل المحافظة على الرئيس في سدة الحكم. كما كنت على ثقة بأن ذلك التاريخ كان مفصليا في تكثيف المؤتمر الوطني للإعداد والاستعداد للانتخابات، بالرغم من إصداره لإشارات فهمتها قوى المعارضة خطأ بأن المؤتمر الوطني لا يرغب في المنافسة الانتخابية طالما ظل مهيمنا على الحكم بدون «وجع انتخابات»!). على كل حال، تدافعت كل القوى السياسية السودانية، المشاركة في الحكومة والمعارضة، لمناصرة الرئيس في مواجهة هذا الموقف معبرة عن قلقها من المساس بسيادة السودان، ومنبهة للتداعيات السالبة للمذكرة على اتفاقية السلام الشامل، وعلى واقع النزاع في دارفور، وعلى مجمل الأوضاع الدستورية بالبلاد. فجوهر ما دعوت إليه هو توسيع الحكومة الحالية بضم القوى السياسية ذات الوزن إليها حتى تصبح حكومة «وحدة وطنية» حقيقة لا مجازا، على أن تتفق الحكومة الجديدة على برنامج وطني يتضمن السعي لحل مشكلة دارفور وموقف موحد من المحكمة الدولية، وإلى تفعيل آليات للمصالحة الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية. 12- فكل هذه القوى السياسية الداعمة لموقف الرئيس، خصوصا تلك التي كانت مشاركة في حكم البلاد قبل «الإنقاذ» تتوق وتتطلع إلى المنافسة على السلطة كأي حزب سياسي من خلال الإطار الدستوري لديمقراطية تعددية حقيقية. ونبهت في ذلك المقال بأن المؤتمر الوطني، الشريك النافذ في السلطة، بحكم استمرار سيطرته على مؤسسات الحكم وجهاز الدولة التنفيذي خلال الفترة الانتقالية، يقع عليه العبء الأكبر والحمل الأثقل لتحقيق شروط الانتقال للديمقراطية والتعددية السياسية، التي يفرضها الدستور والالتزام بالتطبيق الأمين لاتفاقية السلام الشامل، وأن الحزب الحاكم مطالب بتلبية هذه الشروط استجابة لمتطلبات المناصرة والاصطفاف الوطني للقوى السياسية السودانية خلف الرئيس. وهو مطالب سياسيا وأخلاقيا، وبموجب العهود والمواثيق التي وقعها مع هذه القوى السياسية، بدفع مستحقات التحول الديمقراطي. 13- ولكن، كما استعرضت في مقدمة هذا المقال، جاءت الانتخابات ومضت ونفس هذه القوى (من شارك منها ومن قاطع) تدفع بالإجماع بأن هذه المطلوبات لم تتحقق. فبعد مرور حوالي العامين من ذلك التاريخ، يظل الانفراج النسبي في هامش الحريات المتاحة للمعارضة السياسية، وإجازة قانوني تنظيم الأحزاب السياسية والانتخابات وتكوين المفوضية القومية للانتخابات، بالرغم من التحفظات عليها من القوى السياسية الأخرى، هي الإجراءات الملموسة التي اتخذتها الحكومة. بينما لم تزل بقية المستحقات،المتصلة بتعديل القوانين المقيدة للحريات (خاصة قانون الأمن الوطني الذي تمت إجازته في ظل انسحاب المعارضين وتصويت نواب الحركة الشعبية ضده) وتفعيل المفوضيات، تنتظر التنفيذ. 14- ولا تتوانى قيادات المؤتمر الوطني بالرد القاطع بأن هذه الأحزاب قد أصابتها أمراض «الشيخوخة» فلم تحسن قراءة الخارطة السياسية والتغييرات الهائلة التي حدثت خلال عقدين من حكم «الإنقاذ»، أو أنها توهمت بأن الانتخابات لن تقوم، فبددت وقتها في المطالبة بالتأجيل بدلاً عن الاستعداد لها، بينما أهملت التواصل مع قواعدها، في الوقت الذي لم يضع فيه المؤتمر الوطني وقتا للتأهب وإعداد العدة لها باكرا منذ التوقيع على اتفاقية السلام الشامل، وتكثيف استعداداته في أعقاب صدور مذكرة إدعاء المحكمة الجنائية الدولية في يوليو 2008 . 15- إن الرئيس، في هذا الظرف بالذات، ليس برئيس للجمهورية أو للحزب الحاكم فحسب، فقد كان رئيسا للبلاد حتى قبل تكوين وإعلان الحزب نفسه، كما أنه ليس برئيس لنظام «الإنقاذ»، بل أنه المسئول الأول عن أهم عملية انتقال سياسي وتحول دستوري بعد استقلال البلاد في 1956 . وبهذه الصفة، وكضامن أول لسلامة الترتيبات الدستورية التي قامت على اتفاقية السلام، والمسؤول الأول عن إبعاد شبح تقسيم وتشظى البلاد وتحقيق وحدة السودان الطوعية التي أعطتها ذات الاتفاقية الأفضلية، فعلى الرئيس أن يخلع جلباب الحزب الضيق ويتوشح بعباءة كل السودان بتبنيه لبرنامج لا يلبى رغبات ناخبيه فحسب، بل يتعداها ليستجيب لمطالب القوى السياسية، والتي في أصلها استحقاقات دستورية قائمة على اتفاقيات مع هذه القوى ذاتها، وبذلك يرضى الرئيس مواطنيه من كافة الاتجاهات، ويحافظ على مكتسبات كل الشعب السوداني وتطلعاته لسلام دائم ولحياة آمنة وكريمة. وهاهو الرئيس نفسه، في مخاطبته للشعب السودان في أعقاب فوزه في الانتخابات، يؤكد «شكرنا في هذا اليوم يشمل كل الذين وقفوا معنا وأيدونا من قطاعات الشعب كافة وكذلك يشمل من لم يؤيدونا، ولكن لا يخصم عدم تأييدهم لنا من مواطنتهم شيئا، فرئيس الجمهورية يمارس سلطاته كرئيس للجميع وهو مسئول عنهم، هذه حقيقة أؤكدها والتزام أعلنه»! وبدورها، تستدعى هذه الاستجابة لطموحات كل المواطنين اتخاذ حزمة من الخطوات الكفيلة بإخراجنا من نفق الاستقطاب السياسي بين الحزب الذي يرأسه «الرئيس» والقوى السياسية المعارضة، والذي أفرزته العملية الانتخابية، وعلى رأس هذه التدابير: (أ) الدخول في حوار جاد ومباشر بين المؤتمر الوطني وشريكه في الحكم، من جهة، والقوى السياسية المعارضة، من جهة أخرى، للتوصل إلى توافق وطني واتفاق سياسي على العناصر الأساسية لبرنامج «قومي» يفضى التنفيذ الأمين له لمقابلة التحديات التي تواجه البلاد في هذا الظرف الحرج والدقيق من تاريخها الحديث. وهذا ما ذهب إليه الرئيس في كلمته بمناسبة فوزه في الانتخابات «أيدينا وعقولنا مفتوحة لكل القوى العاملة في إطار الدستور، بالتواصل والتحاور والتشاور لتأسيس شراكة وطنية نواجه بها التحديات». (ب) توسيع قاعدة الحكم: وتتطلب تشكيل «حكومة مشاركة وطنية» (على المستويين الاتحادي والولائي) لتنفيذ البرنامج المتفق عليه سياسيا، دون الانشغال بتسميتها «قومية» كانت أم «حكومة ذات قاعدة عريضة»، مما يعنى إشراك القوى السياسية ذات الوزن والقاعدة الجماهيرية، بغض النظر عن مشاركتهم في الانتخابات أو مقاطعتهم لها. ويجب أن لا يثير هذا الأمر الصراع حول الحصص والأنصبة، طالما كانت الحكومة قائمة على برنامج «قومي» متفق عليه، ولا تتخذ قراراتها بالتصويت. فرفض التجمع الوطني وحزب الأمة، مثلا، المشاركة في حكومة «الوحدة الوطنية» (المعينة وفقا للنسب التي أقرتها اتفاقية السلام الشامل)، لم يكن بسبب صغر «الكوته»، بل لغياب البرنامج القائم على القواسم المشتركة والإجماع الوطني. (ج) المبادرة والاتفاق على إنشاء منبر قومي أهلي (منبر مستقبل السودان) تشترك فيه كل القوى السياسية والشخصيات ذات المصداقية والمعروفة بميولها الوحدوية الصادقة ومنظمات المجتمع المدني الحديث والتقليدي، كآلية لمراجعة التحديات وتحديد العقبات التي تعترض تنفيذ ما تبقى من استحقاقات اتفاقية السلام الشامل، والمساهمة في اقتراح البرامج التي قد تغرى الجنوبيين بالتصويت لصالح خيار الوحدةً. فمع أن مسؤولية تنفيذ اتفاقية السلام الشامل تقع على عاتق الشريكين، إلا أنه من الضروري إشراك وانخراط اللاعبين الآخرين خاصة ونحن على أعتاب مرحلة حرجة قد تبقى على البلاد موحدة أو تنشطر إلى جزءين أو أكثر! يظل المدخل الصحيح لمعالجة قضية الوحدة وجعلها جاذبة هو فتح الحوار حول الوحدة والانفصال ومستقبل السودان فيما تبقى من وقت قصير، كما لابد من بذل مجهود مقدر نحو إصلاح ما يمكن إصلاحه وتغيير الرؤى النمطية حول الانتماءات والعلاقة بالآخر في السودان. وهذه المبادرة تبنى على أساس ضمان تنفيذ حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان وكذلك المشورة الشعبية للمنطقتين الانتقاليتين، إذ أن الوحدة التي تناقش هنا هي في الأساس وحدة طوعية تقوم على الإرادة الحرة للشعوب. تتمثل الأهداف والنتائج المتوقعة من «المنبر» في: الحوار حول ايجابيات وسلبيات الوحدة، مناقشة السيناريوهات البديلة، وتدين السلام والاستقرار في جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان. ومع احترامنا وتقديرنا لأعضاء «الهيئة القومية لانتخاب البشير»، إلا أن تحويلها إلى هيئة «لدعم خيار الوحدة» قد لا يؤدى إلى تحقيق الغرض المطلوب إذ أن معظم أفرادها إما من المنتمين للحزب الحاكم أو من المؤيدين له، بل تضم من عرفوا بنزعتهم الانفصالية ومناصبتهم العداء لزعيم الحركة الراحل ومشروعه الوحدوي، مما يفقدهم المصداقية في عيون الجنوبيين، وهم الهدف المقصود بالمبادرة. ملامح البرنامج «القومي» لحكومة المشاركة الوطنية (أ) بذل كل الجهود وتوجيهها نحو المتابعة اللصيقة لإنفاذ البرامج والخطط الكفيلة بحث الجنوبيين للتصويت لصالح الوحدة في الاستفتاء على تقرير المصير. لا يتناقض هذا الهدف مع العمل على التحضير والإعداد لاستفتاء الجنوب واستفتاء أبيى والمشورة الشعبية للولايتين الانتقاليتين، بالإضافة إلى مناقشة قضايا ما بعد الاستفتاء إن جاءت نتيجته مؤكدة للترتيبات الدستورية القائمة، أو لصالح الانفصال. (ب) الإشراف على، ومتابعة تنفيذ ما تبقى من متطلبات التحول الديمقراطي، وذلك بتنفيذ كل النصوص ذات الصلة في اتفاقية السلام الشامل واتفاقية القاهرة. فهناك كثيرون يعتقدون خطأ بأن اتفاقية السلام تعنى فقط بإنهاء الحرب بين الشمال والجنوب، غافلين عن أن للاتفاقية هدفين توأم هما وقف الحرب وتحقيق السلام، والتحول الديمقراطي، والذي من أهم شروطه: 1) تعديل كافة القوانين السارية وذلك بإلغاء النصوص التي تتعارض مع حرية التنظيم والتعبير والصحافة وكافة الحقوق الأساسية لضمان اتساقها مع نصوص اتفاقية السلام والدستور الانتقالي والمعاهدات الدولية المصادق عليها، 2) تشكيل مفوضية حقوق الإنسان وفق قانون يضمن استقلالها وقوميتها ويحدد صلاحيتها وآليات عملها وفق المعايير الدولية، و3) دراسة ومراجعة قوانين الخدمة المدنية وهياكلها ومجالسها وأجهزتها المتخصصة، وذلك بغرض تطويرها وتفعيلها بما يضمن قوميتها وحيدتها وفعاليتها وكفاءتها واستقلاليتها. (ج) المثابرة على حل النزاع في دارفور وتحقيق العدالة والتصالح والسلام الدائم، وذلك بالبناء على مخرجات مفوضات الدوحة (خاصة وقد تعقدت الأمور في أعقاب الانتخابات مباشرة بعد اتهام حركة العدل والمساواة الحكومة باستهداف مواقعها عسكريا مما دفعها لتجميد المفاوضات من جانب واحد). وذلك بالاهتداء بالمبادئ التي جاءت في توصيات تقرير لجنة حكماء أفريقيا (والتي اعتمدتها حكومة الوحدة الوطنية) لتسوية النزاع: أن يتم التفاوض في مناخ للتحول الديمقراطي يعم كل السودان، وأن يبنى على تقاسم السلطة والثروة وعلى تحقيق الوحدة الوطنية مع التنوع، وأن تأخذ العملية السياسية في الاعتبار جذور النزاع التي أدت إلى تهميش دارفور، وأن تتبنى إجراءات سياسية واقتصادية تهدف إلى إعادة وضع دارفور لمكانتها المستحقة في السودان، وأن تضم المفاوضات الفصائل المسلحة والأحزاب السياسية والنازحين واللاجئين والزعماء التقليديين والإدارة الأهلية والمجموعات الرعوية والمجتمع المدني، وأن يتم التعامل مع العوامل
الخارجية للنزاع مثل تطبيع العلاقات مع الجيران خاصة تشاد، وتحسين علاقات السودان بالمجتمع الدولي كأسبقية عالية. (د) البدء فورا في صياغة آليات و أشكال مصالحة وطنية شاملة و تضميد الجراح، ليس في دارفور فحسب، بل في جميع أنحاء القطر كجزء من عملية بناء السلام، وفقا لبروتوكول ماشاكوس، يشارك فيها الإعلام، والمؤسسات التعليمية، والأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، والقادة الدينيون، وقادة القبائل. (ه) وضع الملامح العامة لخارطة طريق تهدف إلى تحقيق «العدالة الاجتماعية»، والتي لا تقل أهمية عن «العدالة الجنائية». إن التطورات الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية التي حدثت بالبلاد خلال العقديين الماضيين وما نتج عنها من نزوح غير مسبوق إلى العاصمة القومية أفرز مجتمعين متباينين، مجتمع الأغنياء (الذين يملكون كل شيء، ومجتمع الفقراء (الذين لا يملكون شيئا)، مع تآكل مستمر في الطبقة الوسطى، مما ينذر بانقسام حاد قد يفضى إلى قتال أهلي وفوضى عارمة. فبحثنا عن العدالة الجنائية (رأسيا) في سياق النزاعات المسلحة بين المركز والأقاليم على خلفية التهميش للمجموعات «القومية» و»الاثنية»، يجب أن لا يلهينا عن الغبن الاقتصادي والاجتماعي للفقراء والمستضعفين في المركز نفسه، مما يهدد بنسف السلام الاجتماعي. وإن كان تحقيق العدالة الاجتماعية (أفقيا) يستوجب إعادة النظر في توزيع الدخل القومي، وهو إجراء بعيد المدى، فالمدخل الصحيح على المدى القصير يستدعى التوجه لتخفيض معدلات الفقر وتوفير فرص العمل والتدريب، خصوصا للخريجين، ومحاربة الفساد بصرامة كأساس لإرساء دعائم الحكم الراشد. (و) متابعة أداء المفوضيات، خاصة مفوضية حقوق الإنسان (بعد تكوينها)، والمفوضية القضائية، ومفوضية الاستفتاء، ومفوضية الخدمة المدنية، والتأكد من قوميتها واستقلالها، وتنفيذ توصياتها لإصلاح مؤسسات الدولة بما يتسق مع متطلبات الانتقال للديمقراطية والتعددية السياسية. كما لابد لمفوضية حماية غير المسلمين أن تلعب دورها الذي حددته الاتفاقية. (ز) إعادة تنظيم أجهزة ووسائل الاتصالات والإعلام العامة بغرض صياغة الخطط والبرامج والسياسات التي تعكس الأجندة الوطنية لبناء السلام والديمقراطية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.