خريجي الطبلية من الأوائل    لم يعد سراً أن مليشيا التمرد السريع قد استشعرت الهزيمة النكراء علي المدي الطويل    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    عائشة الماجدي: (الحساب ولد)    تحرير الجزيرة (فك شفرة المليشيا!!)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    شاهد بالصورة والفيديو.. نجم "التيك توك" السوداني وأحد مناصري قوات الدعم السريع نادر الهلباوي يخطف الأضواء بمقطع مثير مع حسناء "هندية" فائقة الجمال    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني الشهير "الشكري": (كنت بحب واحدة قريبتنا تشبه لوشي لمن كانت سمحة لكن شميتها وكرهتها بسبب هذا الموقف)    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    "الجنائية الدولية" و"العدل الدولية".. ما الفرق بين المحكمتين؟    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في أعقاب الانتخابات: كيف يرضي الرئيسان المنتخبان مواطنيهما؟( 23)
طلقة «أخيرة» في الظلام
نشر في الرأي العام يوم 11 - 05 - 2010

نعيش مناخا سياسيا متأزما، واستقطابا وتجاذبا بين كافة القوى السياسية، ومرشحا للتصعيد إن أضفنا إليه ملفات أكثر سخونة من استفتاء على تقرير مصير الجنوب، والمحكمة الجنائية الدولية، والأزمة في دارفور. حقيقة، هذا هو المشهد الذي يلحظه ويراه كل مراقب حصيف ماثلا أمام أعينه، ولا تستقيم معه أية مكابرة أو إنكار! على خلفية هذا المشهد، تهدف هذه الورقة إلى المساهمة المتواضعة في الجدل المحتدم حول ظروف الانتخابات ونتائجها، ومحاولة الدفع بخارطة طريق تعين الجميع فى تجاوز ما أفرزته من احتقان واستقطاب سياسي حادين ألقى بظلال كثيفة على مسار عملية الانتقال نحو الديمقراطية والتعددية السياسية. هذا في وقت تقبل فيه البلاد على الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب، كأخطر استحقاق دستوري في تاريخها المعاصر، بينما تواجه تحديات أخرى لا تقل خطورة تسفر عن وجهها في استفتاء أبيى والمشورة الشعبية في المنطقتين الانتقاليتين، والأزمة في دارفور، ومأزق المحكمة الجنائية الدولية. في معنى حكومة المشاركة الوطنية 61- أدرك جيدا أن مقترح «الحكومة الموسعة» يثير جدلا واسعا وسط كل القوى السياسية، بما فيها المؤتمر الوطني. فالحكومة «القومية» ظلت مطلبا للقوى المعارضة قبل الانتخابات حتى تضمن تهيئة المناخ الملائم وتسوية أرضية الملعب لإجرائها وتكتمل شروط الحرية والنزاهة. وهو مطلب رفضه الشريكان بحجة تعارضه مع نصوص اتفاقية السلام الشامل. وفى أعقاب الانتخابات، جاءت الدعوة، هذه المرة، من المؤتمر الوطني نفسه للقوى المعارضة للاشتراك في الحكومة الجديدة بالرغم من تضارب قيادات الحزب بشأنها، فمنهم من قصد بالدعوة كل الأحزاب المشاركة في الانتخابات والمقاطعة لها، ومنهم من حصرها في تلك التي تحصلت على تمثيل نيابي وكل بحسب وزنه. 71- وجاء رد فعل القوى السياسية المعارضة في أغلبه رافضا لفكرة الحكومة «القومية» أو «ذات القاعدة العريضة»، في أي من صورها، مفضلة للحوار والتوصل لإجماع وطني قبل قبول أو رفض المشاركة في حكومة كهذه، بينما ترفض أحزاب أخرى (المؤتمر الشعبي) الفكرة من أساسها، وتورد هذه القوى أسبابا متعددة لموقفها: 1) أن المشاركة تحرم الأحزاب المعارضة من ممارسة دورها الطبيعي في ترشيد مسار الحكم وتخلق وضعاً شاذا تجد فيه المعارضة نفسها مع الحكومة في مركب واحدة، وهو أمر لا يحدث في النظم الديمقراطية الراسخة، 2) القصد من الدعوة، بعد أن ازدراها وسفهها المؤتمر الوطني في فترة ما قبل الانتخابات، تكمن في تخوف الحزب من مواجهة استحقاق الاستفتاء وتحمل تبعات الانفصال لوحدة، 3) أن مثل هذه الحكومة تذكر بالحكم الشمولي في ظل احتكار المؤتمر الوطني لكل المقاعد التشريعية القومية والولائية وحكومات الولايات، فمن الأجدر أن يترك الحزب الحاكم وحيداً ليتحمل وزر أفعاله ويحصد ما زرعه ولتلتفت قيادات الأحزاب إلى التواصل مع قواعدها وتنظيم أحزابها وإعادة هيكلتها، 4) ثم لماذا إشراك المعارضة في الحكومة طالما هناك حزبان فائزان بالأغلبية؟ فليشكلا الحكومة وليبقى الآخرون في المعارضة تبعا لمنطق التنافس الانتخابي، و5) ستكون مشاركة الأحزاب المعارضة بمثابة «ديكور» أو «تمومة جرتق» بدون أية سلطات حقيقية في اتخاذ القرار، استشهادا بتجربة «حكومة الوحدة الوطنية» السابقة للانتخابات. لاشك، أن للمعارضة أسباباً وجيهة للتشكك في، والحذر من وضع «كل البيض» في سلة الحكومة «القومية» أو «ذات القاعدة العريضة»! 81- ولكن، فلننظر لمعنى المشاركة في «الحكومة الموسعة» من زاوية المصالح الوطنية العليا وضرورة مشاركة كل القوى السياسية في مواجهة التحديات التاريخية واتخاذ القرارات المصيرية بغض النظر عن نتيجة الانتخابات «المشكوك» فيها من قبل جل القوى السياسية السودانية. ولكن هذا مرهون بصدق وجدية المؤتمر الوطني في هذا المسعى وإلا فإن دعوته لمشاركة القوى في الحكومة لن تعدو أن تكون فقط بمثابة «فترة استراحة» من المعارضة لتحقيق مصالح حزبية لينقلب عليها الحزب الحاكم متى سنح الوقت والظرف المناسبين، ولهذه القوى تجارب في هذا الدرب و»اليتيم ما بعلموه البكاء»! والآن، بعد أن أحكم المؤتمر الوطني هيمنته على شمال البلاد تنفيذيا وتشريعيا، فهل الحزب على استعداد لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة منفردا والتعامل مع مستحقات الوحدة أو تقسيم البلاد لوحده؟ أم كيف يتوقع «أقوياء» المؤتمر الوطني أن تقف معهم القوى السياسية الأخرى إن لم تحس بأن هناك من «يستمع» لها، ولا «يسمعها» فقط، بل ويولى تشخيصها لأزمات البلاد وتوصياتها للعلاج ما تستحقه من اهتمام، ويشركها في اتخاذ القرارات الوطنية المصيرية، بدلا عن إقصائها واستبعادها بحجة سقوطها في الانتخابات؟ أما حان الوقت للاعتراف بكينونة هذه القوى وقواعدها الاجتماعية وبدورها ومساهمتها في إيجاد الحلول لمشكلاتنا القومية! خلاصة الأمر، أنه لا يمكن للمؤتمر الوطني وحده، ناهيك عن «أقويائه وغلاته»، مواجهة ومعالجة هذه المشكلات في ظل هذا الاستقطاب والمناخ السياسي المحتقن، خاصة تداعياتها على عملية الانتقال السلمي للسلطة والمحافظة على الترتيبات الدستورية القائمة التي تراضى عليها الشعب السوداني بعد أن ذاق الأمرين من ويلات الحروب. إن استبعاد هذه القوى ووضعها في ركن قصي يفضى في نهاية الأمر إلى عزلة الحزب الحاكم عن قطاعات واسعة من الشعب السوداني، مما قد يعيدنا إلى مربع «الصراع» العنيف على السلطة. لاشك أن السير على هذا النهج سيحدث شرخا في الاصطفاف الوطني، نحن أشد ما نكون في الحاجة إليه في هذا الظرف الحساس. كما أنه ضرب من إلحاق الإساءة بالأذى أن تعتبر بعض قيادات الحزب الحاكم أن مشاركة الأحزاب المعارضة في الحكومة «نبلا» منه أو أنها من باب «حسن النية»، وأن الحزب لا يستجديهم أو يبدى إصرارا على إشراكها (رئيس قطاع العلاقات الخارجية، صحيفة الأحداث، 3 مايو 2010). أم هل يريد المؤتمر الوطني أن يقف وحده ضد الجميع؟ 91- لا شك أن هذه الهيمنة المطلقة ضارة ليس بالوطن فحسب، بل بالمؤتمر الوطني نفسه، إذ سيتحول المجلس الوطني (الذي من المفترض أن يعكس تنوعنا السياسي) إلى مجلس شورى الحزب نفسه، فأين، وكيف تكون، المحاسبة؟ والتي بدونها سينزلق الحزب إلى صراعات داخلية حول المناصب والمكاسب، ويعم الفساد ويستفحل! ويشهد التاريخ أن السيطرة التامة لم تدم أبدا، ودائما ما تكون نتائجها وخيمة على البلاد «فالسلطة المطلقة تفسد مطلقا»، فهل يريد المؤتمر الوطني أن يعمل ضد نفسه ويقود البلاد في طريق التهلكة؟ المجلس الوطني المنتخب سيضطلع بإجازة دستور السودان الدائم، فهل من المستساغ سياسيا أن يقوم حزب واحد بهذه المهمة، خصوصا في حالة انفصال الجنوب؟ هذا سيعيدنا خطوات للوراء ويكرس حكم الحزب الواحد الذي لم يفض إلا للحروب والصراع العنيف على السلطة. 02- ومن ناحية أخرى، فقد انتقدت قيادات القوى السياسية المعارضة موقفها من، وأدائها الانتخابات «لا سيما «الربكة» المصاحبة لاتخاذ قرار المشاركة فيها من عدمه» (فاروق أبو عيسى، صحيفة الأحداث، 30 أبريل 2010)، إضافة إلى أخطائها في مراحل الانتخابات المختلفة مثل مرحلة التسجيل، وفي ضعف متابعة مراقبيها لمراحل التصويت إحصاء الأصوات، وضعف تكثيف حملاتها الانتخابية وسط قطاعات النساء والشباب (فاروق أبو عيسى، صحيفة الأحداث، 4 مايو). ولعل هذا النقد الذاتي يوفر وقودا تستخلص منه هذه القوى الدروس في التعلم من تجربتها. فلتنفذ البصر في كيفية التعاطي الايجابي مع متطلبات المرحلة والمساهمة في حل القضايا التي تؤرق الوطن ككل بدلا عن إهدار الطاقات في التشفي والاحتجاج، والانغماس في أتون الصراع على السلطة، حتى تقدم الخيار المقنع لجماهيرها. إضافة، إلى ضرورة أن تتعرف فيها القوى السياسية على مواطن الضعف في سياساتها، وبرامجها الانتخابية، ومواقع الخلل التنظيمي في داخلها، واستلهام العبر من التجربة حتى يتم تناولها بجدية ومعالجتها في سياق الإعداد والاستعداد للانتخابات التي تليها. وقد يدفع الإقبال على المنافسة الانتخابية الفصائل المنقسمة على أحزابها بأهمية طي الخلافات والعمل على التوحد والالتفاف حول قيادة موحدة. كما أنها تشكل فرصة أيضا للتفاعل قد تقود إلى تبلور تحالفات جديدة مما يخلق حراكا سياسيا ويدفع بالوضع السياسي، خاصة أجندة الوحدة، إلى الأمام. ذلك بجانب، أنها تساعد هذه الأحزاب في اكتشاف ثغرات العملية الانتخابية في مراحلها المختلفة والعمل على درئها، ولو تحسبا لانتخابات قادمة، حتى وإن وقع الانفصال. 12- وإلا، فمن جهة أخرى، ما هي بدائل القوى السياسية المعارضة والرافضة لنتائج الانتخابات؟ فليس هناك من بدائل غير اللجوء للسلاح أو الانتفاضة الشعبية، والتي لن يؤدى أي منهما إلا لتصعيد العنف وإدخال البلاد في طريق الفوضى وتفتح الباب واسعا لحرب أهلية جديدة؟ فإن أشارت بعض هذه القوى إلى تجارب المعارضة في كينيا أو زيمبابوي أو إيران أو تايلاند، فهل الظروف الموضوعية والذاتية تتشابه أو تتماثل؟ وما هي النتائج النهائية لهذه التجارب غير التسوية السياسية، إذ لم يتم إلغاء نتيجة الانتخابات في أي منها؟ فبدلا من المقارنة بهذه الدول، فلماذا لا ننظر إلى تجارب أخرى معاصرة تشير إلى إمكانية تنحية الحزب المهيمن من السلطة عن طريق الانتخابات كما حدث في زامبيا وغانا والسنغال وكيب فيردى وشيلي والبرازيل وبوليفيا وفنزويلا ونيكاراجوا؟ ولا نحتاج للذهاب بعيدا، فقد نجحت قوى المعارضة في إزاحة حزب KANU الحاكم في الجارة كينيا الذي استأثر بالسلطة المطلقة لأربعة عقود كاملة. 22- كما أن القوى السياسية والاجتماعية في الشمال، وخاصةً أنصار الوحدة من قوى التغيير، تواجه تحديا كبيرا يتمثل في قدرتها على تركيز جهودها وتنسيقها بشكل واسع وفعال، وذلك بهدف تحريك أجندة الوحدة ودفعها إلى الأمام، مما يجنب البلاد مخاطر التقسيم إلى دولتين، في أحسن الفروض، أو التمزق والانهيار الكامل، في أسوأ السيناريوهات. وأشدد هنا على أنه حان الوقت لأن تقوم هذه القوى بإعادة النظر في استراتيجياتها وأشكال تنظيمها، وبإجراء تقييم موضوعي لما أحرزته من تقدم في سبيل تحقيق أهدافها المعلنة. فالكيانات السياسية لا تقيّم فقط ببرامجها جيدة السبك والكتابة، رغم أهميتها المؤكدة، وإنما بقدرتها على تعبئة قواعدها المعنية وتنظيمها بشكل فعّال، وتأثير تلك البرامج في الواقع العملي. 32- ومن المهم التنبيه بأن الحكومة «الموسعة» لا تقاس بعدد الأحزاب المشاركة فيها، كما لا تعنى بأي حال من الأحوال مكافأة الأحزاب «الصغيرة» (أحزاب «الفكة» أو الأحزاب «المنشقة»)، والتي أميل لوصفها بالأحزاب «الشبكة»، فهي في الحقيقة «مجموعات» مصالح»، شمالية كانت أم جنوبية، وتاريخها قصير بعمر السياسة السودانية، وتعتمد على «شبكة» من العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، وتعيش على إرث تاريخي لقياداتها السياسية أو الطائفية، أو على استحقاقات سابقة تتصل باتفاقيات السلام «من الداخل». وهى «مع ومن وإلى» المؤتمر الوطني، من ناحية التأييد المطلق لسياسات وبرامج وخطط وتوجهات الحزب، فإن كانت مشاركة بعض قيادات هذه الأحزاب لها قيمة مضافة ومساهمة متفردة لا يمكن الاستغناء عنها، فليشاركوا في الحكومة كمؤتمر وطني! ولم لا؟ فقد أخليت لهذه القيادات بعض الدوائر ففازوا في الانتخابات بأصوات المؤتمر الوطني! حكومة المشاركة الوطنية: حاشية 42- بحكم الدستور الانتقالي يكون أجل ولاية رئيس الجمهورية، وأجل كل من مجلسي الهيئة التشريعية القومية، خمس سنوات (المادتان 57 و90). فإذا جاءت نتائج الاستفتاء حول تقرير المصير مؤكدة للوحدة، تكمل الهيئة التشريعية القومية أجلها (المادة 118-1)، أما في حالة التصويت للانفصال من قبل مواطني جنوب السودان، تُعتبر مقاعد الأعضاء الجنوبيين في الهيئة التشريعية القومية قد خلت وتُكِمل الهيئة التشريعية القومية بعد إعادة تشكيلها على هذا النحو أجلها لحين الانتخابات القادمة (المادة 118-2). ولعل الجميع يدرك أنه إن تم الانفصال، فسيفيق أهل السودان على واقع جديد تقوم فيه دولة لشمال السودان وفى حدوده الجنوبية دولة جديدة كان أهلها لوقت قريب مضى يشكلون جزءا من النسيج السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي للدولة السودانية بحدودها الحالية منذ نيل البلاد لاستقلالها في العام
1956 يستدعى هذا الواقع الجديد وغير المسبوق في تاريخ السودان أن يدعو الرئيس إلى إجراء انتخابات مبكرة، وليس إعادتها، للمجلس الوطني والمجالس التشريعية الولائية وولاة الولايات، وذلك بنهاية السنة الثانية من أجل الهيئات التشريعية القومية والولائية. حينها تكون حكومة المشاركة الوطنية قد أكملت مهامها فيما يتصل بإنفاذ المتطلبات المتبقية للتحول الديمقراطي وتهيئة المناخ الملائم لإجراء هذه الانتخابات، في الوقت الذي تكون فيه أيضا ترتيبات الانفصال وتكوين الجنوب لدولته المستقلة قد اكتملت. هذه خطوة ضرورية لا علاقة لها بأسباب الخلاف على نتائج الانتخابات الماضية، بل تمليها اعتبارات موضوعية، لعل أهمها: أولا، تتيح فترة العامين فرصة للتوصل إلى تسوية سياسية للنزاع في دارفور، حتى تتمكن من الاشتراك في الانتخابات المبكرة كهدف مشترك لكل القوى السياسية، خصوصا، والحركات المسلحة في دارفور. كما أن هذه المهلة توفر مساحة لهذه الحركات لإعادة تأهيل نفسها سياسيا، ومخاطبة قواعدها استعدادا لخوض المعركة. ثانيا، من أهم وأخطر مهام المجلس الوطني المنتخب هو صياغة وإجازة الدستور الدائم لدولة «شمال السودان»، الأمر الذي يستدعى بالضرورة أن يكون المجلس ممثلا لكل القوى السياسية الفاعلة في البلاد للمشاركة في تقرير مصيرها. وإلا فإن المجلس الوطني عقب إخلاء النواب الجنوبيين لمقاعدهم سيتحول إلى برلمان الحزب الواحد مما يقدح في مصداقية ما يجيزه من تشريعات، خاصة دستور البلاد الدائم الذي سيصبح موضوعا للخلاف والنزاع بدلا عن أن يكون وثيقة مرجعية ترسى قواعد الحكم وتضبط الممارسة السياسية، مما يعيدنا خطوات للوراء، وكأننا ما زلنا نعيش في العام 1998! ثالثا، سيكون مثل هذا البرلمان بمثابة امتداد للجهاز التنفيذي، طالما كان نوابه هم أعضاء الحزب الحاكم فقط، مما يجرده من وظيفته الأساسية في مراقبة أداء هذا الجهاز. إذاً كيف ستراقب وتحاسب الحكومة نفسها بنفسها؟ كما أنه من غير المقبول سياسيا أن تبقى حكومة «المشاركة الوطنية» حتى انتهاء أجل المجلس الوطني في خمس سنوات، في ظل مشاركة أحزاب تفتقد لأي تمثيل نيابي. وكيف يكافئ رئيس الجنوب مواطنيه؟ 1. بتوسيع قاعدة الحكم إقليميا وولائيا 52- ولا يختلف المشهد الانتخابي في الجنوب عنه في الشمال، حيث يبدو أن هناك انقساما واضحا بين القوى السياسية المعارضة والحركة الشعبية التي فاز رئيسها ب93% من أصوات الناخبين كما كسبت الغالبية العظمى من مناصب الولاة ومقاعد المجالس التشريعية على كافة مستوياتها. فقد عَبّرت كافة الأحزاب الجنوبية عن استيائها وأسفها الشديد للمُمارسات التي كانت تقوم بها عناصر من الجيش الشعبي أثناء فترة الاقتراع والفرز، وحملت الحركة الشعبية كل الخروق والتجاوزات الأمنية-مع صمت مطبق للقوى السياسية الشمالية وعزوفها عن إبداء رأيها في ما وقع من خروق وانتهاكات- باستثناء بعض حالات متفرقة. وبعد إعلان نتائج الانتخابات مباشرة، أعلنت تسعة أحزاب جنوبية مناوئة رفضها لهذه النتائج في الجنوب ووصفتها بالمزورة، معتبرة النسبة التي حازها مرشحو الحركة الشعبية لرئاسة الجنوب على التزوير، مما ينذر باحتقان سياسي فوق ما يشهده الجنوب من توترات أمنية وصراعات قبلية. هذا إضافة إلى عدد من المستقلين الذين شقوا عصا الطاعة على الحركة بإصرارهم على الترشيح والمنافسة ورفضهم الانصياع لمناشدات القيادة لهم بالانسحاب، مما قاد إلى تفجير الموقف والصدامات العنيفة في عدد من الولايات. 62- إن رئيس الحركة الشعبية يضع على رأسه أكثر من «قبعة»، مما يؤهله للعب دور محوري على المستويين الاتحادي والاقليمى بجنوب السودان لتجاوز مأزق الانتخابات ليس في الجنوب فحسب، بل في كل السودان. فرئيس الحركة الشعبية ورئيس حكومة الجنوب المنتخب هو أيضا النائب الأول لرئيس الجمهورية، مما يجعل مسؤولياته لا تقف عند حد الاستجابة لشعب الجنوب فحسب، بل تمتد لتشمل الشعب السوداني بأسره. فالحركة لا تضم في عضويتها جنوبيين فقط، أو تقتصر جماهيرها ومناصروها على الجنوب فقط، بل تستوعب المشايعين من كل أنحاء البلاد، كما تعبر عنه تشكيلة مؤسساتها. كما أنه، وبنفس القدر، مسئول عن مواطنيه بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية. فعلى صعيد الجنوب، فإن الرئيس مطالب بتشكيل حكومة الجنوب «الإقليمية» وحكومات الولايات، بإشراك القوى السياسية المعارضة على أساس برنامج تتوافق حوله كل هذه القوى لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والخدمية والاستعداد والإعداد للاستفتاء. وعلى المستوى القومي، يحتم عليه وضعه كنائب أول للرئيس، بصلاحيات واسعة، أن يدفع ويحض رئيس الجمهورية بتشكيل «حكومة المشاركة الوطنية»، على المستويين الاتحادي والولائى، وإشراك قوى المعارضة، بغض النظر عن مشاركتها في الانتخابات، بما فيها الحركة الشعبية (قطاع الشمال)، وفقا لبرنامج «الوطن فوق الحزب». وهذا ما أكده الأمين العام للحركة، فعلى حد تعبيره «سنشكل حكومة وحدة وطنية ائتلافية من الأحزاب السياسية الفائزة وبمشاركة الأحزاب السياسية التي لم تشارك في الانتخابات كأساس لقيام حكومات» قومية» يتحقق فيها إجماع وطني سوداني في هذه المرحلة على المستوى القومي وكذلك في جنوب السودان» (رفيدة ياسين، الحرة، جوبا، 29 أبريل 2010). 2- بتوضيح الموقف من الوحدة والاستفتاء 72- إن الواجب الوطني يحتم على شريكي الحكم، بحكم قيادتهما لهذه المرحلة التاريخية الدقيقة، بل وعلى كل القوى السياسية السودانية، ابتدار الحوار حول معادلة الوحدة والانفصال بكل صراحة وأمانة وصدق وشفافية، والدعوة الجادة لجرد حساب موضوعي لما فعله، وما لم يفعله، كل طرف، من ناحية السياسات والبرامج، لجعل الوحدة «جاذبة» كأحد مستحقات الاتفاقية والدستور. فبدون أن يحدد كل طرف موقفه بوضوح من وحدة البلاد ومناقشة العقبات التي تعترض سبيلها بصراحة ووضع كل الضمانات المطلوبة، يصبح الشريكان، ولو على شاكلة «كل شيخ بطريقته»، كلاهما يدفعان بالجنوبيين للتصويت لصالح الانفصال، فليستعدا لتحمل تبعات سياساتهما على مستقبل البلاد والعباد! لذلك أميل للاعتقاد بشدة أن الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني يحتاجان بقوة للحوار الجاد والنقاش الصريح في داخل مؤسسات كل منهما ووسط جماهيره، لكي يكون الحوار بينهما فاعلا ومثمرا ويسفر عن نتائج ايجابية تحمى وطننا شر القتال والتمزق. 82- لا أمل تكرار ما ذهبت إليه في مقال سابق «دعوة للحوار: الحركة الشعبية والعودة لمنصة التأسيس» بضرورة الحوار حول موقف الحركة من وحدة البلاد، على أسس جديدة، وعواقب الانفصال على جنوب وشمال السودان، على حد سواء (صحيفتا الأحداث والرأي العام، 21-22 ديسمبر 2009). فمثل هذا الحوار يمثل تحديا رئيسيا يواجه الحركة الشعبية، على وجه الخصوص، وهى مقبلة على استحقاق الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب والمشورة الشعبية في المنطقتين الانتقاليتين. فالحوار وحده هو الكفيل باستجلاء موقف الحركة من وحدة السودان من خلال تطوير إستراتيجية واضحة وبرنامج سياسي على أساس المانيفستو الذي أجازه مؤتمرها العام الثاني في مايو 2008م. 92- يظل التوفيق بين هدفي الوحدة وتقرير المصير يمثل التحدي الأعظم الذي يواجه الحركة بحكم رؤيتها وطبيعة عضويتها. إن نجاح الحركة في إتباع سياسة أعطت وحدة السودان الأولوية منذ نشأتها وحتى توقيع اتفاقية السلام الشامل في 2005، بنفس القدر يجعلها مطالبة الآن بإتباع إستراتيجية واضحة توفق بين الهدفين وتعبر عن تطلعات قواعدها المنتشرة في كل مناطق السودان، وليس في الجنوب فحسب. بالتالي، فالسؤال هو: هل حق تقرير المصير مرادف ومطابق للانفصال أم هو آلية لتحقيق الوحدة أو الانفصال؟ إذا كان تقرير المصير مرادفا أو مطابقا للانفصال، لبدت الحركة الشعبية وكأنها تسعى لتحقيق هدفين متناقضين في نفس الوقت: الانفصال ووحدة السودان! أما إن كان بمثابة آلية، فكيفية توظيفه لخدمة أي من الهدفين تصبح بيد القوى السياسية الداعية له. فهل قامت الحركة بدراسة جدوى لخياري الوحدة والانفصال على مستقبل الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في الجنوب وحياة المواطن الجنوبي، أو أدارت نقاشا صريحا حول فحوى ومضمون مرافعة الانفصاليين؟ فمثلا، منحت الاتفاقية جنوب السودان، سلطات وصلاحيات دستورية ومؤسسية غير مسبوقة في المجالات السياسية والاقتصادية، كما كفلت مشاركة السودانيين الجنوبيين، وفقاً لنسبتهم المئوية من مجمل سكان السودان، في نظام الحكم الفدرالي. وربما الأكثر أهمية، فقد أقرت اتفاقية السلام الشامل دستورياً حقوق المواطنة لكل السودانيين، بغض النظر عن العرق، الانتماء الاثني، الدين أو النوع، كأساس للأهلية في تقلد المناصب العليا في الخدمة العامة، بما في ذلك رئاسة الجمهورية. 03- وبالرغم من أن كل ما أقره الدستور الانتقالي لم يتحقق فعليا في ظل واقع تسوده العديد من الموانع الثقافية والعراقيل السياسية والمؤسسية والعوائق الاجتماعية، إلا أن النضال السياسي من أجل تفعيل وإنزال حقوق المواطنة الشاملة على أرض الواقع سيستمر ولن ينتهي أجله بانتهاء الفترة الانتقالية، بل سيستمر حتى بعد الانتخابات وإقرار الدستور الدائم. فيجب أن لا يتسرب اليأس إلى النفوس لمواصلة النضال والصراع السياسي من أجل استكمال بناء دولة المواطنة السودانية القائمة على التساوي في الحقوق والواجبات. فقد انتظر الأمريكيون من ذوى الأصول الأفريقية، دورهم في الرئاسة لأكثر من قرنين حتى أثمر أخيرا في الرئيس الرابع والأربعين، دون أن يدفعهم الصراع المرير والنضال المستميت، من أجل حقوقهم المدنية في العدالة والمساواة، للخروج من عباءة الاتحاد الأمريكي. حقا، فقد كان الزعيم الراحل يعول على ديناميكية الحركة الشعبية ومقدرتها على التفاعل، بما في ذلك التحالف مع القوى السياسية الأخرى في الشمال، لإحداث التغيير المطلوب والوصول للمساواة الكاملة في الحقوق والواجبات. هذا بدوره يقود إلى موقف الحركة من الاستفتاء! 13-ا أيضا أعيد ما شددت عليه في مقالي الموسوم «»دعوة للحوار: الحركة الشعبية والعودة لمنصة التأسيس»، بأن الوحدة تمثل الخيار الأول للحركة الشعبية، بينما شعب الجنوب هو الذي يقرر ذلك في الاستفتاء المرتقب، كإجابة «نمطية» على أي سؤال يوجه لقيادات الحركة بخصوص موقفها من الاستفتاء، ليست بمقنعة وتظل ناقصة ومبتورة ولا تشفى غليلا. ففي كل الحالات التي تم فيها ممارسة حق تقرير المصير (كويبك بكندا، واريتريا، وشرق التيمور، وشرق أوربا)، كانت كل الحركات أو الأحزاب السياسية التي طالبت بهذا الحق تنطلق من منظور انفصالي يدعو إلى إقامة دول مستقلة للشعوب التي تنتمي إليها هذه القوى. بمعنى آخر، استخدمت هذه القوى الاستفتاء على حق تقرير المصير كآلية أو أداة لتحقيق هدف الانفصال، بل والترويج له من خلال حملات دعائية منظمة كما يحدث في أي انتخابات تنافسية، يروج فيها كل طرف لأطروحاته. وهذا سلوك لا يتناقض مع حقيقة أن الشعوب أو المواطنين هم من يقررون نتيجة الاستفتاء أو الانتخابات في نهاية الأمر! أما الحركة الشعبية فهي حركة قومية الطابع والتوجه وتضم عضويتها مختلف القوميات والشعوب السودانية. كما، للمفارقة، فإذا كان الجنوبيون فقط هم من يحق لهم المشاركة في الاستفتاء، فهل تحرم باقي عضوية الحركة حتى من التبشير بالوحدة وسط رفاقهم، ناهيك عن بقية الجنوبيين من غير الأعضاء بها؟ فقد صدق نائب رئيس الحركة، عقب تأديته للقسم والياً لولاية النيل الأزرق، في دعوته «لتنظيم حملة شبيهة بالحملة الانتخابية للترويج للوحدة ونبذ الانفصال!» وهل تقف الحركة، كتنظيم سياسي يضم كل القوميات، على الحياد بدون إبداء رأيها، على الأقل بتعريفهم بايجابيات وسلبيات خياري الوحدة والانفصال؟ أليس الوقوف على الحياد يمثل في حد ذاته موقفاً صريحاً، ولو مضمراً، لحركة ظلت تكافح وتنافح من أجل مشروع يدعو للوحدة الطوعية لأكثر من عقدين من الزمان؟ 32. ومن ناحية أخرى، فقد حمل الجنوبيون السلاح وقاتلوا وقدموا تضحيات جساما لأكثر من عشرين عاماً تحت راية السودان الجديد، فهل قرر شعب الجنوب من تلقاء نفسه أن يدفع هذا الثمن الغالي ويقدم كل هذه التضحيات من أجل هذا المشروع؟ أم أن قيادات الحركة هي التي قادته في هذا الطريق؟ فالقيادة السياسية هي التي تشكل عقول الأفراد
العاديين وتأثر على وجهات نظرهم وسلوكهم، وعلى عاتقها تقع مسؤولية التوعية بالخيارات التي يرونها في صالح ومنفعة المواطن. ويظل الانفصاليون أنفسهم مطالبين أمام شعبهم بتوضيح رؤيتهم عن دولة الجنوب المستقلة وكيف أن الانفصال سيخدم مصالحهم ويرضى توقعاتهم! ولعلهم يمعنون في التأمل واستخلاص الدروس من ما قاله الزعيم الراحل د.جون قرنق بأن السودان ملك لكل السودانيين، وبالتالي فإنها مسؤولية كل الجنوبيين أن يقوموا بدورهم بدفع كل ما هو لازم ومستحق من أجل إحداث التغيير في كل السودان، فعلى حد تعبيره «لن نسمح أبداً أن نحط من قدر أنفسنا لنصبح مجرد كائنات إقليمية متحجرة»!! 33. يعتقد البعض في الحركة الشعبية (وخارجها) أن تصويت الجنوبيين في الاستفتاء لصالح الوحدة مرهون بفوز مرشحهم «الجنوبي» في هذه الانتخابات. فمباشرة بعد صدور إعلان عن المكتب السياسي للحركة في أواخر يوليو 2008 بترشيح رئيسها، الرفيق سلفا كير ميارديت، وقبل تضارب التصريحات حول هذا الإعلان ثم نفى قيادات الحركة لهذا الترشيح في نهاية المطاف، كتب إزيكيل جاتكوث، رئيس بعثة حكومة الجنوب بأمريكا، مقالاً عدَّد فيه المواصفات الموضوعية والقدرات الذاتية للرفيق الفريق سلفا كير ميارديت التي تؤهله لرئاسة البلاد، كأول جنوبي يتبوأ هذا المنصب. وبذلك سيكسب ترشيحه تأييد ومساندة كل الشماليين التواقين للتغيير، خاصة في المناطق المهمشة بغرب وشرق وأقاصي شمال السودان، مما يعظم من فرص تحقيق الوحدة. ولكنه، على حد قوله، يضيف (إذا فشلنا، نحن الحركة الشعبية، في هذه الانتخابات ولم نتمكن من حكم السودان، فإنها أيضاً فرصة لتقول الحركة أننا قد حاولنا ولم ينجح مسعانا. وعندها أيضا سيجد الجنوبيون العزاء في أن الشماليين ليسوا على استعداد بعد لأن يحكمهم غير شخص شمالي-عربي-مسلم. وبالتالي سوف ننفصل ونقيم الدولة المستقلة الخاصة بنا. وفى كلتا الحالتين سيكون الجميع منتصرين وسيرحب بتحركنا هذا كل المهمشين في العالم!) sudanvision.com, 2/8/2008. هذا تبسيط مخل بقضية الوحدة وتشابكاتها المعقدة تاريخياً واجتماعياً وثقافياً، فعلى الشماليين أن يصوتوا لمرشح الجنوب في انتخابات الرئاسة القادمة قبل نهاية الفترة الانتقالية وإلا فليتحملوا مسؤولية تقسيم البلاد، وإن تقاعسوا عن ذلك فليتغنوا «بأصلو الفراق واقع.. كان ترضى.. كان تزعل». وما أراد الزعيم الراحل للوحدة، ولا رغب في أن تتم هكذا «أخنق فطس» على طريقة إزيكيل، وكأنه يقرر سلفاً نتيجة الاستفتاء! 34. بل كان الزعيم الراحل يعول على ديناميكية الحركة الشعبية ومقدرتها على التفاعل، بما في ذلك التحالف، مع القوى السياسية الأخرى في الشمال لتغيير موازين القوة والسلطة، دون اشتراط بأن يكون الرئيس القادم من الجنوب. وعلى أي حال، فقد اختارت الحركة الشعبية أن لا ترشح رئيسها، أو أي قيادي جنوبي آخر لرئاسة الجمهورية، بل فضلت ترشيح قيادي شمالي والذي ما أن أقبل على الأمر بجدية حتى سحبته من السباق قبل بداية الاقتراع بعشرة أيام فقط! وهكذا، لم تتح الفرصة لنتعرف على رغبة الشماليين أم عدمها في انتخاب رئيس من الجنوب أو حتى لشمالي في قيادة الحركة يحمل راياتها ويلتزم ببرنامجها، مما يؤشر (نظرياً) إلى نية مبيتة للانفصال سواء جاء رئيس السودان من جنوب أو شمال البلاد. حقا، فقد صرح وزير مالية الجنوب بملء فيه، عند مخاطبته جالية جنوب السودان بواشنطون، بأن «استقلال الجنوب قادم، والحاضر يكلم الغائب» (سودانايل، 26 أبريل 2010). ثم ماذا يمنع الرئيس أن يكون جنوبياً طالما قبل جميع الشماليين بأن يكون رئيس حكومة الجنوب نائباً أولاً لرئيس الجمهورية؟ 35. إذن، ماذا قصدت الحركة الشعبية من خوضها للانتخابات؟ هل كان هو مجرد الوفاء «الإجرائي» بمتطلبات اتفاقية السلام انتظاراً لموعد الاستفتاء وتحقيق الانفصال (ومجرد الوقوف معنويا مع شعبي جنوب كردفان والنيل الأزرق في ممارستهم ل (المشورة الشعبية)، أم المشاركة الحقيقية في عملية التحول الديمقراطي نحو بناء دولة المواطنة السودانية كما يتوقع أنصار الحركة وتتطلع إليه جماهيرها؟ ومن جانب آخر، هل قامت الحركة بالمبادرة بحوار عميق أو عصف فكرى حول ما تعنيه الوحدة «الجاذبة» أو محاولة تحديد مسؤولياتها وما يمكنها فعله في هذا الشأن؟ كما هل عملت على رسم أي سياسات أوضعت خططاً في هذا الخصوص؟ لاشك أن أداء الحركة في هذا المجال يعرضها للتشكيك كون وقوفها المعلن، ودعمها لوحدة البلاد فاتر وتعوزه الحماسة، بينما تعمل في الخفاء لتمكين الانفصاليين! وهكذا، يبدو لعضوية وجماهير الحركة الشعبية، خاصة في شمال السودان، وكأن الحركة قد استبدلت رؤية السودان الجديد باتفاقية السلام الشامل وتنفيذ بنودها المتصلة بمستحقات الاستفتاء فحسب، وبالتالي اختارت التقوقع والتقهقر نحو الجنوب في انتظار انفصاله الحتمي، بدلا عن استخدام الاتفاقية كمنصة انطلاق، وهذا هو في الواقع كل ما تعنيه الاتفاقية من أمر، لتحقيق هدفها الكبير: السودان الجديد (الموحد)! فإذا لم تكن الوحدة جاذبة، في رأى البعض، فما هو الجاذب في الانفصال؟ نواصل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.