اعتقال د. حسن الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي خبر تردد في وسائل الإعلام مرات عديدة خلال الأعوام الماضية، حتى بات اعتقاله أمراً غير مستبعد في معظم الأوقات، بسبب علاقة المواجهة التي ربطت لأمد طويل بينه وبين الحكومة، ورغم وجود الكثير من الحيثيات السياسية، وربما الأمنية التي تضع الترابي على رأس قائمة الشخصيات المعرضة للاعتقال في أية لحظة، إلا أن خبر اقتياد الشيخ من منزله بواسطة عناصر أمنية يباغت الكثيرين عادة، لكونه يأتي في أوقات تعقب أحداث كبيرة، تشغل الرأي العام والمراقبين، فتتلاحق أنفاسهم وهم يتابعون تفاصيلها وتداعياتها، التي لا تلبث بدورها طويلاً حتى تشمل بصورة أو أخرى اعتقال الأمين العام للمؤتمر الشعبي. آخر فصول العلاقة بين الترابي والأجهزة الأمنية - قبل توقيفه أمس الأول - لم تكن اعتقالاً في واقع الأمر، بل كانت شيئاً شبيهاً بالإقامة الجبرية، فالحراسة التي فُرضت على منزل د. حسن الترابي بالمنشية، عقب خروجه من المعتقل في مارس من العام الماضي، لم تكن - في ظاهرها - تهدف لاتقاء ما يمكن أن يصيب السلطات الحكومية من تبعات الدهاء السياسي الذي اشتهر به الشيخ، بل على العكس، ألمحت السلطات حينها إلى أن حراسة بيت الشيخ مبرراتها تكمن في حمايته من هجمات انتقامية محتملة ربما يشنها متشددون إسلاميون غاضبون من تصريحات أدلى بها الترابي حينها، عبّر فيها عن تأييده للمحكمة الجنائية الدولية، ما حمل السلطات على الاعتقاد بأن الشيخ ربما طالته هجمة من هذا الساخط أو ذاك، تربك حساباتها، في وقت لم يكن ينقصها فيه مزيد من الإرباك. المعتقل الذي خرج منه الترابي في مارس 2009م، قادته إليه تصريحاته الشهيرة التي دعا فيها البشير لتسليم نفسه إلى المحكمة الجنائية الدولية، لتجنيب البلاد مواجهة مع المجتمع الدولي، وتم القبض على الترابي حينها في ذات المكان الذي يتم فيه الاعتقال كل مرة، منزله بحي المنشية، عندما ألقت السلطات القبض عليه بالتزامن مع مساعده د. بشير آدم رحمة، وتم اقتيادهما إلى مكاتب الأمن، ومنها إلى سجن كوبر. ذات السيناريو، الاقتياد من البيت إلى المكاتب، ومنها إلى سجن كوبر، أعقب عملية الذراع الطويل التي نفذتها حركة العدل والمساواة وهاجمت فيها أم درمان، فبعد الهجوم الذي شنته الحركة في العاشر من مايو 2008م بيوم واحد، عاد زعيم المؤتمر الشعبي من جولة سياسية في سنار، فاعتقلته السلطات فور وصوله للخرطوم، على خلفية هجوم حركة العدل على العاصمة، بالتزامن مع سفر الترابي إلى سنار، سفر اعتبره البعض بمثابة ضوء أخضر موجه للحركة كي تقدم على تنفيذ عملية الذراع الطويل، وبقي الترابي هذه المرة في زنزانة منفردة بسجن كوبر. الثلاثون من مارس في العام 2004م، كان تاريخاً آخر من التواريخ التي اعتقل فيها الترابي الزعيم التاريخي للحركة الإسلامية بعد انشقاق حركته في المفاصلة، وتم القبض عليه حينها على خلفية اتهام السلطات له بالتورط فيما عرف بالمخطط التخريبي، ووصل إلى منزله يومها العشرات من العناصر الأمنية، واقتادوه إلى مكاتب الأمن ومنها إلى السجن، بعد أقل من ستة أشهر من الإفراج عنه أواخر 2003م، وقضى الشيخ بعض فترة اعتقاله في كافوري، وسمح خلالها لزوجته بالبقاء بصحبته، واتسم هذا الاعتقال بالطول، وأفاد منه الرجل في استكمال أحد كتبه. الترابي، كما يقول ابنه صديق، يحفظ بدقة تواريخ اعتقالاته الخمسة، وتواريخ الإفراج عنه، ويضيف صديق إلى الاعتقالات الخمسة سادساً، فهو يرى أن الثلاثة أسابيع الأولى في اعتقال 1989م تم الاتفاق عليها مسبقاً، أما ما تلاها فكان بأمر جهات أخرى. الملاحظ أن اعتقال 2008م، ونظيره الحالي تزامنا مع حالة توتر عسكري بين الحكومة وحركة العدل والمساواة، التي تتهم الحكومة الترابي بتوجيهها. المعتقل الذي خرج منه الترابي أواخر العام 2003م، دخله بسبب مذكرة التفاهم التي وقعها مع الحركة الشعبية لتحرير السودان في العام 2001م، وشهد ذاك الاعتقال - الذي كان الأول من نوعه في عهد الإسلاميين - محاولات توسط عديدة داخلية وخارجية، وقال فيه الترابي قولته المشهورة عندما طلب بعض الوسطاء رأيه في أحد المقترحات: (لا رأي لأسير).