فوجئ الكثيرون بعد سماع نبأ اعتقال الشيخ حسن عبد الله الترابي 15مايو الماضي بهذه الخطوة وذلك لعدة أسباب, منها أن الساحة السياسية غير مهيأة لمثل هذه الاعتقالات باعتبار أن البلاد دخلت مرحلة جديدة من مراحل التحول الديمقراطي والحكم الراشد, متجاوزةً الحقبة الأولى التي شهدت التعدي على الحريات العامة. وأن الاعتقال تم مباشرة بعد نهاية العملية الانتخابية التي أرست لمرحلة جديدة من عمر البلاد. والشيء المثير للجدل الإمساك عن ذكر أسباب الاعتقال. وقال أمين العلاقات الخارجية لحزب المؤتمر الشعبي الدكتور بشير آدم رحمة, إن حزبه ينتظر تفسيراً من قبل الحكومة لاعتقال الأمين العام للحزب الدكتور حسن الترابي من منزله، الذي يعتبر الاعتقال الخامس للترابي منذ مفاصلة 4 رمضان قبل 10 سنوات. في ذات الوقت أغلقت السلطات الأمنية صحيفة (رأي الشعب) الناطقة بلسان المؤتمر الشعبي واعتقال 4 من الصحافيين والإداريين ولا يزالون محبوسين في سجن كوبر, حيث قيل إن الترابي معتقل بسبب نشرها مقالات شككت في شعبية الرئيس البشير، وأشارت إلى وجود مصنع في ضواحي الخرطوم لإنتاج أسلحة لإيران، وقال الترابي: (لكنني لست رئيس تحرير الصحيفة ولا صاحبها).. وفي المقابل وعلى الصعيد الرسمي، لم توضح الحكومة على الفور سبب الاعتقال، وقال وزير الإعلام والاتصالات الزهاوي إبراهيم مالك إن من حق السلطات الأمنية اعتقال أي شخص للتحقيق في معلومات وصلت إليها. وتحدث الزهاوي في تصريحات صحفية عن ضرورة التصدي لأي أفعال تضر بمصلحة السودان وأمنه واستقراره, مشيراً إلى أن قانون الأمن محدد الصلاحيات والواجبات. ويرى كثير من المراقبين أن اعتقال الترابي ربما أريد به فتح الباب لتساؤلات حول رسائل سياسية ربما قصدت الحكومة توجيهها للمعارضة، بعد أن عاد التوتر مجددا مع انتهاء (ضبط النفس) الذي لازم الانتخابات العامة الأخيرة. وقد علق الدكتور الترابي عقب إطلاق سراحه قائلاً: (لكني فوجئت لأن الحملة الانتخابية كانت قد انتهت والحكومة كانت تريد أن تعطي لنفسها صورة الحكومة المنتخبة). ولكن هناك كثيراً من المهتمين قللوا من أسباب الاعتقال هذه وربطها بتزايد موجة الهجمات المسلحة لحركة العدل والمساواة (كبرى الحركات المسلحة في دارفور), على خلفية روابط تاريخية بينهما في ذات التوقيت. بينما رأت أسرة الترابي أن الاعتقال محاولة (لتغطية فشل) المؤتمر الوطني في إيجاد حلول لأزمات البلاد المتراكمة بدارفور والجنوب. فيما نددت منظمات لحقوق الإنسان بهذه الاعتقالات التي شغلت الناس في أكبر بلد أفريقي مساحةً، وطلب العديد من المعارضين ووسائل الإعلام الأسبوع الماضي الإفراج عنهم وذلك أثناء اعتصام نظم في مقر حزب الترابي. ويأتي إطلاق سراح الترابي في الذكرى الحادية والعشرين لثورة (الانقاذ) الانقلاب العسكري الذي أوصل البشير في 30 حزيران/ يونيو 1989 إلى السلطة, ويعتبر الترابي العقل المدبر له. من جهته نفى الأمين العام للمؤتمر الشعبي د. حسن الترابي أن يكون قرار الإفراج عنه له علاقة بالأوضاع السياسية بالبلاد، واعتبر أن قراري الاعتقال والإفراج تم دون أي حيثيات، وفي ذات الوقت برأ جهاز الأمن من مسؤولية اعتقاله, مشيراً إلى وقوف جهات عليا وراءه، وقال: (هذه المرة أمر اعتقالي جاء من علٍ وليس بناء على بينات أو شبهات يعرفونها)، وأضاف: (لذلك عاملوني أفضل من ذي قبل). وأكد الترابي في تصريح خاص ل(الحقيقة) بداره بعد إطلاق سراحه, أن ما صاحب الانتخابات من اتهام بالتزوير كان وراء اعتقاله وقال: (تراكمت عليهم حملة الانتخابات ورميها بالزور بعد توافر بيناته فانفجرت في رؤوسهم). وشدد الترابي على أن الشعوب هي التي تصنع الحريات، إلا أنه لفت أنه لا مجال الآن لتجلي وظهور هذه الحريات بسبب (قبضة السلطان)، واتهم الترابي لدى مخاطبته وفد تجمع جوبا الذي زاره بداره الحكومة بتنفير الشعب عن الوحدة وقال: (السلطان القائم سيمزق البلاد بلا شك)، إلا أنه عاد وأكد مقدرة الشعوب على التوحد في أي لحظة, قاطعاً بأن الحركة الشعبية قادرة على البقاء في الشمال حتى لو حدث انفصال مثل مقدرة الشعبي على الاستمرار في الجنوب، ممتدحاً العلاقة بين الحزبين التي وصفها (بالعميقة). من جهته هاجم نائب الأمين العام للحركة الشعبية ياسر عرمان المؤتمر الوطني واتهمه بمصادرة الحريات وممارسة التعذيب على المعتقلين، وطالب بتكوين (جبهة قوية) للدفاع عن الحريات، داعياً الوطني لترك ما سماه (العزف المنفرد)، وقال ساخراً في تصريح ل(الحقيقة): (عليه أن يتراجع عن مرحلة التزوير ويحاول التأصيل من جديد). وأرسل عرمان رسالة حادة لوفد الوطني الذي يجتمع هذه الأيام بقيادة الحركة في جوبا قائلاً: (قبل أن يذهبوا إلى جوبا عليهم تغيير الخرطوم أولاً(. وتحدث في اللقاء الحاشد بمنزل الترابي قادة تجمع جوبا دكتورة مريم الصادق وصديق يوسف مؤكدين على ضرورة الدفاع عن الحريات، مشيرين إلى أن غياب دولة القانون يهدد بصورة مباشرة أمن ووحدة البلاد. وقال الترابي: (إن المعاناة أصبحت نمط حياة لثمانية ملايين شخص في دارفور), مشيراً إلى أن الأمل ضعيف في تحقيق السلام في هذه المنطقة. ومن جانبه أبدي الناطق الرسمي لحزب الأمة الإصلاح والتجديد ترحيبهم بإطلاق سراح الترابي, وقال إنها خطوة في الاتجاه الصحيح وإن كان هناك غموض يكتنف أسباب اعتقاله, ولابد من أن يكشف عن هذه الأسباب وذلك للاطمئنان أن هذا لا يدخل في إطار الكيد السياسي. وطالب بإطلاق سراح المعتقلين الآخرين أو تقديمهم لمحاكمات عاجلة وعادلة. وأضاف إسماعيل: كما ننادي بضرورة إعادة صدور صحيفة رأي الشعب لأن هناك أناساً آخرين فعلياً ليسوا في طائلة الاتهام السياسي, وهم تضرروا بوقف الصحيفة. وطالب بتعديل المادة الخاصة بمصادرة الصحف الى أجل غير محدود. تقرير: حذيفة محيي الدين