«1» في صبيحة اليوم الذي كانت ستعلن فيه وزارة التربية والتعليم نتيجة امتحانات شهادة الاساس كان الطالب «محمد» قلقاً، متوجساً يعتريه خوف لدرجة الرهبة وهو يترقب نتيجته.. اذ انه غير مطمئن لها واحساسه يحدثه بان النتيجة «رسوب» لهذا كان الخوف من زجر الاهل هو رفيقه الوحيد طوال الساعات التي سبقت اعلان النتيجة.. وفور إعلانها ركض «محمد» بسرعة الى مدرسته.ولكنه عاد حزيناً والدموع تنهمر من عينيه بغزارة بعد رسوبه وفشله في تحقيق ما يصبو اليه وما كانت تتوقعه أسرته منه.. فهو متأكد ان اهله لن يلتمسوا له عذراً بل سينهالون عليه بالضرب ويوبخونه ويظلون في حالة مقارنة بينه وبين زملائه الناجحين لذلك لم يذهب «محمد» الى اهله مباشرة، وغير اتجاه سيره الى منزل خالته الذي يبعد كثيراً عن منزلهم تفادياً لما يحدث له من والديه، ولعل خالته ستسهم في تخفيف وتبسيط مسألة «الرسوب» لاهله عند مقابلتهم له. «2» ليس هناك شئ يشبه شعور الفرح بالنجاح، حيث تنطلق الزغاريد في كل بيت ناجح، ويحتضن الأهل أبناءهم ويتمنون لهم دوام التقدم والنجاح في المراحل المقبلة. ولكن كيف يكون الحال اذا اتى احد الابناء وهو حزين يبكي لرسوبه ويملأ الخوف عينيه من ردة فعل أسرته.. فكيف سيتعامل الأهل معه.. هل يؤنبونه ام يقومون بمواساته وتطمينه بأن «الجاي أحلى» و«العترة بتصلح المشى» أو يقولون له «الفشل مفتاح النجاح» ام سيقابل ب«علقة ساخنة» قد توثر في مسيرته العملية؟ الطالبة «ميادة» تعرضت لتجربة الرسوب في امتحانات العام الماضي ولم تستطع تجاوز الأمر بسهولة.. امتنعت عن الاكل والحديث والجلوس لمشاهدة التلفزيون في ذاك اليوم.. وتوقعت ان يثور اهلها في وجهها خاصة وان والدها حاد في طبعه يمكن ان يضربها بشدة إلا انها اندهشت عندما وجدتهم يقفون بجانبها ويساعدونها في تخطي الأمر، ويطلبون منها المحاولة مرة أخرى.. والكد والاجتهاد لتحقيق نتيجة جيدة في الامتحان القادم. وقد عادت ثقتها بنفسها بعد الموقف الايجابي من الاسرة.. واثمر عن وصولها لحد التفوق هذا العام.. فهي اضافة الى ذلك كانت قد وضعت حداً للإهمال طوال ايام الدراسة ووضعت هدفاً وحيداً امام عينيها وهو«النجاح» وقد تحقق لها. ولكن«عادل» كانت تجربة رسوبه مريرة لحد الألم.. فما ان علم والده بخبر رسوبه حتى جاء وصفعه بشدة على وجهه.. وصار لا يحدثه ولا يسأل عنه كأنه غير موجود بينهم. وحتى لما فتحت المدارس أبوابها لعام دراسي جديد لم يهتم والده بان يأخذه ليعيد السنة.. فذهب لوحده يقود خطواته اليأس.. اكمل عامه الدراسي وهو حزين مكسور الجناح فكانت النتيجة «رسوب» للمرة الثانية. «3» الدكتورة دولت حسن أستاذة علم الاجتماع قالت: هناك بعض الأسر تلجأ لعقاب أبنائها حال رسوبهم في الدراسة بأعتبار ان ذلك هو الأسلوب الأمثل الذي يحثهم على الاجتهاد وتحقيق نتيجة جيدة في العام الذي يليه إلا انه من المعروف ان الطالب عند رسوبه يكون على درجة عالية من الاهتزاز بالثقة بالنفس ومحاولات العقاب لن تجدي شيئاً.. لذا فيجب على الأسر التي يفشل أبناؤها في النجاح محاولة تخفيف احزانهم وحثهم على بذل المجهودات والاهتمام بالدروس حتى يستطيعوا تحقيق درجات ممتازة في الامتحانات المقبلة. ويقول الاستاذ «التيجاني النور» مدير مدرسة التفوق الخاصة: تتعمد الكثير من الأسر معاقبة أبنائها وتقريعهم بسبب الرسوب في الامتحانات.. ولكن هناك ما يخفى عليهم أن أمر الرسوب ليس آنياً بل جذروه تمتد للماضي وقد تكون الاسرة لها مساهمة كبيرة في ذلك.. لذا فعلى الأهل البحث عن أسباب الرسوب بدلاً عن وسائل العقاب التي يمكن ان تفاقم المشكلة وتؤدي الى اضعاف شخصية الطالب واهتزاز ثقته بنفسه وعدم مقدرته على النجاح مرة اخرى.. واضاف ان الطالب يمكن ان يفشل في النجاح لاسباب نفسية بعيدة عن الاهمال أولها الخوف والرهبة من خوض الامتحانات الفاصلة بين مرحلة ومرحلة اخرى.. لذلك يجب على الاسرة والمعلمين ادخال الطمأنينة في قلوب الطلاب قبل جلوسهم لاداء الامتحان بقولهم ان هذا الامتحان لا يختلف كثيراً عن امتحانات النقل الداخلية، إلا ان ما يميزه انه ينقلكم من مرحلة الى مرحلة أخرى متقدمة. «4» د. ابتهالات ادريس استاذة علم النفس ذكرت ان العقاب للطفل الراسب يزيد سوء حالته النفسية ويصيبة بدرجة من الاكتئاب قد تؤثر في تركيزه كاملاً.. وقالت: على الأسرة الاجتهاد في معرفة أسباب الرسوب وذلك لمساعدة الطالب بشكل جيد للامتحانات المقبلة. ويجب ان تجنبه الارهاق النفسي والسهر الذي قد يجعله يجد صعوبة في فهم الدروس.. وقالت: على الرغم من التكاليف العالية في الدراسة إلا انه من الخطأ ان يذكر الأهل الطالب بالمنصرفات التي تدفعها له لان مثل هذا السلوك يعرض الطالب لضغوط نفسية يمكن ان تدفع الطالب للتفكير في ترك الدراسة والمنزل.. لهذا يجب على الأسر ان تنظر لما تقدمه لأبنائها هو واجبهم وليس معروفاً يقدمونه لهم.