نحن في السودان ندفع الكثير من الضرائب والرسوم الغريبة، واحدة من هذه الضرائب ما يتوارث من لدن المستعمر وإلى اليوم وما تزال لدينا ضريبة تسمى (العوائد) وقصتها أن ملكة بريطانيا في زمن غابر طلبت من الحكومة زيادة مخصصات الملكة الشخصية وما كانت الحكومة تملك المال الذي يلبي طلب الملكة ولجأت الحكومة للبرلمان والذي رأي أن يضع رسما وضريبة يخصص عائدها للملكة وتم رصدها وتحميلها للمستعمرات البريطانية وكان منها السودان وسميت (الضريبة العائدة لصاحبة الجلالة). ونلنا إستقلالنا ولكن لم نستقل برفع كاهل الضريبة هذه وتغير غرضها ووجهت وحرف مسماها قليلا لتظل مستمرة بهذا الإسم الإستعماري (العوائد). ودفعني لهذه الوقفة مقال في غاية الروعة لأستاذي و(زميلي في الصفحة) الأستاذ الكبير عبد الله علي إبراهيم والذي نشر في الفاتح من فبراير حول التبرعات التي يتبرع بها السيد رئيس الجمهورية ومن أجمل فقرات المقال قوله (ولا غلاط أن التبرع هو حيلة الدولة التي فلتت منها القبضة على التنمية). ويبدو أن يد الدولة على التنمية فلتت وهي تؤسس لرسوم وضرائب متعددة بعضها متوارث كما اشرنا وبعضها يقرر كتبرع ثم يستمر لمشروع بعينه وغالبا لا يقوم المشروع ولا يسترد المال الذي أخذ عن المواطنين ومثال هذا ما سمي بمشروع ترعتي كنانة والرهد والتي أسس لها بند وتبرع يؤخذ من الناس لزاما ولم يقم المشروع ولم تسترد الأموال. ونحن في السودان أصبحنا دولة مستقلة ولا نزال نمنح الأرض (حكرا) تفرض لها رسوم أي أنها تخصص لنا دون وجه من أوجه الملكية التي تناسب حق المواطن في الأرض كما أسست لحق الحكومة. ولا يزال الناس يجرحون بضريبة جارحة للتنمية رغم أن القتال الذي فرض لها توقف منذ أمد وسرت هي. ومن آفات الضرائب والرسوم أن الحكومة تتربص بالناس وتقف لهم عند كل مرصد وتأخذ مع فاتورة الهاتف رسوما أخرى ليس لها من وجه وعلاقة بين المكالمات والطلاب مثلا لتأخذ لهم من أحاديثنا ونحن شعب يكثر من الحديث ويدفع لأجله المليارت من الدولارات وليس الجنيهات. والحكومة بل الحكومات في كل السودان الكبرى المركزية وما صغر ونسميها الولائية تقف للناس عند كل مفترق طريق وتفرق بين التنمية والقعود وتأخذ المال لتصرفه على القاعدين في المكاتب من المنتجين الذي ينقلون سلعهم وتدمر بهذا الفعل صادراتنا كلها. ويأخذون قيمة مضافة لما لم يضيفول لقيمته. ورسوم أخرى تؤخذ دون مقابل منها مالا نعلم له وجها مثل (العتب) وبعضها لخدمة ما يقدم منها أقل من الذي تناله الحكومة أو المحلية سيان فكلهم سلطان لا يأسون أن يأخذوا من مكتب صغير الملايين لأجل النفايات وقد تؤخذ أو لا تؤخذ وقد تأتي سيارة النفايات أو تنقطع ولكن الرسوم سارية وتدفع كلها عن الشهر. وحتى الكسور في الرسوم يكسر بها عظم المواطن فإذا تحدثت دقيقة وثانية واحدة فلا تملك غير أن تدفع دقيقتين كاملتين رغم أن الحكومة تريد أن تؤسس ل(حكومة إلكترونية) تحسب الثواني والدقائق ودقات قلب (الدافع) وتنأى عن جيب (المدفوع له). لا يخرب التنمية التبرع من رئيس الجمهورية فقط وإن كنت علمت من مصدر عندما سألت عن الذي ذكر الأستاذ الكريم أن هذه التبرعات توضع في الموازنة ولكن يعلن عنها في إحتفالات ومهرجانات ولو كان ذلك كذلك ربما ينصلح بعض الحال. لو صدقت الحكومة مع مواطنيها لنالت المال الذي تبتغي ولعلمت الناس الشفافية دون تحايل وترصد ولأصلحت من حال التنمية وجباية الأموال ولنفست عن الناس ونالت رضاهم أو نأت عن سخطهم وقد سخطوا على رجل عظيم مثل عثمان دقنة كما ذكر عبد الله وهم أيضا ذكروا من هذا الفعل أوجه فسوة مثل فعل الهر وما أدراك ما فعل الهر على قول الشاعر.