خلال فترة الاسبوعين الماضيين تناولت في هذ الصحيفة وغيرها وباللغة الانجليزية تأثير أحداث كينيا على فرص الوحدة بين شمال السودان وجنوبه، مشيرا الى المفارقة ان ما جرى ويجري في الجارة، جعل من الممكن التفكير فيما لم يكن ممكنا التفكير فيه قبل ثلاثة أشهر، أبان تجميد الحركة الشعبية لمشاركتها في الحكومة، وهو خيار الوحدة وجعلها جاذبة كما تشير أدبيات إتفاقية السلام الشامل. وتلقيت كماً كبيراً من ردود الفعل على هذا التناول خاصة المقالات التي نشرت بالانجليزية معقبة، أطرف ما فيها من أحد الاخوة الجنوبيين الذي تحدث عن الاشاعات المتطايرة في شرق أفريقيا أن الرئيسين عمر البشير ويوري موسفيني لعبا دورا في تزوير الإنتخابات الكينية، كل لأسبابه الخاصة به. كما تلقيت رسالتين خاصتين من كل من أريك ريفز، الذي تخصص في الشأن السوداني متبنيا خطاً يقوم على تحمل نظام الإنقاذ، وأحيانا كل الشمال وزر ما حاق بالجنوب. وتلخص رده في ان طبيعة النظام في الخرطوم ستسعى دوما الى إفراغ إتفاق السلام من محتواه، وأنه سيسعى الى التأكيد على حقيقة كون الجنوب منطقة مغلقة ليضغط حكومة الجنوب في إتجاه المزيد من التنازلات، وانه لا يرى مفرا من انفصال الجنوب لتخطي حالة التفرقة العنصرية والدينية التي يمارسها الشمال. كما تلقيت رسالة من الأخ الدكتور الواثق كمير مصحوبة بورقة قدمها في مؤتمر في الولاياتالمتحدة في نوفمبر الماضي وخلاصتها ان التحول الديمقراطي هو الأساس الذي يمكن أن تبنى عليه الوحدة، وهو ما أشرت اليه في مقالاتي، لكن دكتور الواثق يركز على هذا الجانب ويوليه أهمية أكثر من العوامل الخارجية مثل الذي يجري في كينيا. و لا خلاف في هذه النقطة، لكن يبدو ان الوضع وصل الى مرحلة تتطلب الإنتقال من مربع المطالبة بالتركيز على التحول الديمقراطي ، الى مربع العمل لجعل ذلك التحول حقيقة واقعة، خاصة وان متطلبات هذا الوضع أصبحت جزءا من المصفوفة التي اعتمدها شريكا اتفاق السلام بجداولها الجديدة والقضايا التي يفترض إنفاذها في وقت محدد. فهناك ما اكتمل تنفيذه مثلما حدث في ملف الترتيبات الأمنية الى حد كبير، الا ان الوضع فيما يخص التحول الديمقراطي لا يزال يشهد بطئا، خاصة وضغوط عنصر الوقت في بعض القضايا مثل إجازة قانون الإنتخابات ليست في الصالح. ففيما يتعلق بالبند الذي يتناول موضوع تأكيد الإلتزام بالتحول الديمقراطي تتحدث المصفوفة عن إجراءات محددة تشمل قانون الانتخابات والإسراع في إجازته بأكبر قدر من التوافق مع كل القوى السياسية، وكذلك الإسراع في مواءمة القوانين مع الدستور، وأيضا مبادرة المصالحة الوطنية. هذه الجزء يفترض اكتماله في أو قبل يوليو المقبل، ويؤمل في اجتماع الرئاسة المقرر له يوم غد أن يحسم هذه القضايا وذلك عطفا على اجتماع جوبا بين علي عثمان ورياك مشار خاصة قانون الانتخابات، الذي يمكن أن يضع الأساس لعملية التوافق الوطني ويهىيء الأجواء لإجراء الانتخابات في أجواء أكثر معافاة، فيما اذا تقرر ذلك، أو التوافق على التأجيل، لكن في إطار وفاق وطني. على ان الأكثر إثارة للقلق أن بعض المواعيد التي ضربتها الرئاسة عبر المصفوفة التي أصدرتها تتمثل في عدم الإلتزام بها ويمكن ضرب نموذجين هنا: أولهما إنتقال حكومة الوحدة الوطنية للإجتماع في جوبا، وتحدد انعقاد الإجتماع الأول بين الخامس عشر من يناير والخامس عشر من هذا الشهر. وحتى الآن تصرم الجزء الأكبر من هذا الموعد وبقيت بضعة أيام حتى الجمعة لينتهي أجل الموعد، وليس واضحا بصورة جلية اذا كان ذلك الاجتماع سيتم في موعده أو لا. وفي حال عدم الوفاء بالموعد، فإن رسالة سلبية أخرى ستضاف الى ركام ما أصبح يعرف بتراث الإخلال بالمواعيد، خاصة في حد مثل هذا يفترض أن يفتح صفحة جديدة في علاقات طرفي البلاد. أما الحدث الآخر الذي تم فيه تجاوز المواعيد الموضوعة فذلك المتعلق بتطوير رؤية مشتركة وخطة عمل للمصالحة الوطنية، وهي خطوة تشرف عليها الرئاسة، وكان يفترض صدور المراسيم الخاصة باللجنة القومية المكلفة بهذا الأمر في أو قبل التاسع من الشهر الماضي. وهو ما لم يحدث للأسف. وكنت قد إلتقيت بالمشير عبدالرحمن سوار الذهب الأسبوع الماضي في البحرين وسألته عن مساعي الوفاق الوطني سواء عبر اللجنة التي يترأسها أو ما ستقوم به الرئاسة، فرد بديبلوماسية معبرا عن أمله أن تشهد الأيام المقبلة تحركا في هذا الإتجاه. لقد تعرض إتفاق نيفاشا الى نقد شديد من عدة جهات ولعدة أسباب على رأسها إقتصاره على طرفين فقط هما اللذان كانا يحملان السلاح، وكذلك عدم اعطاء جانب التحول الديمقراطي الثقل والإهتمام اللازمين من قبل الوسطاء. ومن المفارقات أن الإيقاد طلبت من الباحث الكندي جون يونق اعداد دراسة عن تطبيق الإتفاق، وقام الرجل بإعداد البحث جاء في مجمله منتقدا للإتفاقية خاصة الجانبين المشار اليهما، الأمر الذي دفع السلطات الكينية لمنع طرح ورقته في أحد المؤتمرات التي نظمتها الإيقاد في نيروبي وذلك قبل بضعة أشهر. لقد تعرضت مواعيد تنفيذ إتفاق السلام الى بعض العقبات، وانتقد البعض تلك المواعيد التي صاحبت الإتفاقية نفسها لعدم واقعيتها، لكن الجداول التي حملتها المصفوفة يفترض أن تكون قد استوعبت الظروف التي تعمل فيها وتجاوزتها خلال العامين الماضيين، وهو ما يفترض أن يضع أساسا أفضل للإلتزام، تتسع دائرة المسؤولية تجاهه لتشمل كل القوى السياسية.